طلال سلمان

اعتصام نيابي لا ديموقراطية خارج وطنية

بعيداً عن التنويه بالبراعة السياسية والقراءة الدقيقة للأحداث ودلالاتها، فلا بد من التسجيل للتاريخ أن الرئيس نبيه بري قد منح زملاءه النواب فرصة نادرة لتأكيد وحدة مجلسهم، كمؤسسة وطنية، في مواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان، فجمعهم بعد تشتت وافتراق وظهّر موقفهم موحداً بعد تباين واختلاف في التقدير كاد يلامس المحظور.
لقد وفّر، بالدعوة إلى اعتصام النواب في مجلسهم حتى تجبر إسرائيل على فك حصارها الذي لا يمكن اعتباره إلا استمراراً في حربها على لبنان، بغير كلفة في أرواح جنود النخبة و دبابات النخبة ، المناخ الصحي الذي يساعد زملاءه النواب على التخفف من أثقال التباين والتعارض وسوء التقدير والمماحكات التي تنتمي إلى حقبة ما قبل تلك الحرب الهمجية.
وبهذا يمكن القول إن نبيه بري قد ساعد، بمبادرته غير المسبوقة على إحباط الهدف المركزي الذي كان العدو يريد إنجازه عبر مدّ حربه بالحصار البري والبحري، وهو ما باشره بالتدمير المنهجي المتعمد لمناطق بعينها لشق لبنان واللبنانيين بالفتنة التي هي أفظع وأقسى من الحرب الإسرائيلية… ولعلها كانت هدفها الأخطر.
لقد سمع العالم الصوت النيابي موحداً. وبمعنى ما فإن الديموقراطية، حتى كالتي تعاني من اعتلال كما في لبنان، إنما هي رصيد للوطنية، لا تكون إلا بها ولا يمكن أن يدعيها من لا يحفظ وطنه ويصون أرضه ووحدة شعبه.
كذلك فإن الديموقراطية في لبنان تتسع ل حزب الله ولنهجه المقاوم، خصوصاً أن هذا التنظيم الجهادي الذي أفاد من مناخها الصحي قد عزز هذا المناخ وحماه بوصفه قوة وطنية أصيلة، وليس جسماً غريباً وليس طارئاً على الحياة السياسية، وأنه يقاتل وهو يحظى بشرعية شعبية واسعة تجعله أحد مراكز القرار في لبنان، ديموقراطياً.
ولقد نجح الرئيس نبيه بري في تقديم المجلس النيابي موحداً في موقفه برغم التباينات الحادة بين كتله، سواء تلك التي تمثل الأكثرية فيه، أو تلك التي ترفض تصنيفها أقلية لأنها تفترض أنها تمثل أكثرية في الشارع..
صحيح أن بعض من بقي خارجاً واصل قصفه على المقاومة وتحميلها المسؤولية عن الحرب (التي يعرف أن إسرائيل كانت تعد لها وأنها اضطرت فقط إلى تعديل في المواعيد ليس إلا..) بل لقد وصل به الغلط حد اتهام المقاومة في وطنيتها!. إلا أن ذلك لم يحرق صورة التضامن النيابي، أقله تلك التي طُيّرت إلى الخارج. كما أن هذا الاتهام يتعارض مع الديموقراطية لأن المتهمين قد نالوا في الانتخابات النيابية الأخيرة من أصوات الناخبين أكثر بما لا يقاس ممن يوجه إليهم الاتهام.
وتستوي هذه المفارقة في دلالاتها مع مفارقة أخرى مفادها أن الذين تحمّلوا أعباء المواجهات في نفوسهم وفي أرزاقهم، ففقدوا البعض من أهلهم، ورأوا بيوتهم التي أعطوها جنى العمر ركاماً، ظلوا أكثر تماسكاً وأعظم ارتباطاً بأرضهم من الذين حالت ظروفهم أو مواقفهم أو ارتباطاتهم بينهم وبين المشاركة في مقاومة الحرب الإسرائيلية.. ولو بالدعاء!
لقد جبّ اعتصام النواب في مجلسهم الكثير من المآخذ عليهم، وأعاد إليهم شيئاً من الاعتبار الذي خسروه بغيابهم، إجمالاً، عن دورهم، وبعدِهم عن وجع شعبهم وهموم حياته اليومية.
ولنأمل أن ينتج الاعتصام المؤكّد لوطنية المؤسسة الديموقراطية في لبنان حياة نيابية أكثر حيوية، سواء في دورها التشريعي الذي يعاني من اختلال بيّن، أو من دورها الرقابي المعطل… ديموقراطياً!

Exit mobile version