طلال سلمان

اعتراض ديموقراطي متاخر عمدا

لا حديث في أي مجلس، في البيوت او في المقاهي، في المكاتب او في وسائل النقل العامة، إلا عن الانتخابات.
لكن الانتخابات درجات: الدرجة الأولى محجوزة للجبل و»الصوت الذهبي«، المسيحي تحديداً ولو بقيادة وليد جنبلاط.
والدرجة الثانية لبيروت التي ذهب تقسيمها ببعض من وهج موقعها كمركز استقطاب وان بقيت للمعركة فيها دلالات مؤثرة، بل وربما حاسمة، على المواجهة المحتملة على ارض المجلس النيابي لتحديد هوية الحكومة المقبلة، رئيساً وتشكيلاً وبرنامج عمل.
أما الدرجة الثالثة، او »الترسو« كما في التسمية الشعبية، فهي مخصصة للاطراف او الملحقات، الجنوب والبقاع (والشمال الذي برغم ربطه بالجبل فما زال خارج دائرة التأثير على القرار مهما احتدمت المعارك فيه لتحديد القوي والاقوى والضعيف والاضعف والغني والاغنى والفقير والافقر، ومرشح السلطة ومرشح الاجهزة المتمايزة عن قرار المركز الخ…).
أهل هذه الدرجة، ونحن منهم، يتعاطون مع الانتخابات بالفضول والحشرية وشيء عظيم من الوجع والتحسر، ثم يمضون الى حال سبيلهم ولسان حالهم يقول: لا بأس سنتفرج على الديموقراطية عند اخوتنا في المناطق الأخرى، ذات الامتياز بحق الاختيار.
المسألة مسألة مبدأ، أولاً وأخيراً.
قد تكون لأهل البقاع والجنوب اسباب للاعتراض على المرشحين المتقدمين او المقدمين لتمثيلهم مجدداً، على واحد منهم او على بعضهم او على مجموعهم، وقد لا تكون.
قد يكون من اختيروا او اختارتهم الاقدار هم بعض من الاكفأ والافضل والانجح والافصح والاعظم قدرة على التشريع، وقد لا يكونون على شيء من الكفاءة والفضل والفصاحة والتبحر في علوم القانون واصول الفقه.
ما هو المعيار، ومن هو المرشد من الضلال؟
هل يكفي الادعاء: هؤلاء أبنائي فجئني بمثلهم؟
وإذا كان الإتيان بمثلهم صعبا، أفلا يجوز ان يكون الإتيان بأفضل منهم أسهل؟
ثم، ما هو مقياس النجاح أو الفشل لتبرير اختيار هؤلاء المرشحين بالذات (وغالبيتهم العظمى قد سبق اختيارهم وتم تجريبهم، وشهاداتهم تتدلى من رقابهم) واستبعاد من عداهم، من داخل »التنظيم« المعني او من خارجه؟!
وإذا كان »التنظيم« قد مارس »الديموقراطية« داخله، فاختار مرشحيه بالتصويت الحر، فهل هذا يعني ان عدم الالتزام بهم، شعبيا، هو عمل مناف للديموقراطية ومساند للدكتاتورية ومناهض للسلم الاهلي، ودعوة الى اقتتال الاخوة، والعياذ بالله؟!
ألا يحق للناخب العادي، الذي لم يهده الله الى »التنظيم«، ولم تنعم عليه الأيام بدخول جنته، ان يتعرف الى الديموقراطية بغير الفرجة على ممارستها في الجهات »الجبلية« الاصلية من حوله، حتى لقد استقر في يقين اهل البقاع والجنوب والشمال ان »الديموقراطية« كالتفاح لا تنبت ولا تعطي ثمرا شهيا إلا في جبل لبنان!
ألا يحق للتجار والمستوردين والباعة المتجولين ان يستوردوا بعض هذه المباركة »الديموقراطية« من عند أبناء عمومتهم وأبناء خؤولتهم واحفادهم او اجدادهم مشايخ كسروان، او من عند اصهارهم فلاحي بلاد جبيل، او من عند أنسبائهم خواجات المتن، أو من عند »اخوتهم بالرضاعة« وجهاء الشوف، او حتى من عند رفاق السلاح من مقدمي بشري ناهيك بطلائع النضال الديموقراطي في زغرتا وربما برواد العمل الشعبي في بلاد البترون وما جاورها من قلاع الشورى واهلها المؤمنين بقاعدة: »رجل واحد، صوت واحد«.
أليس الكل أبناء آدم وحواء والنظام اللبناني الفريد؟
أليسوا مثلهم مواطنين في هذه الجمهورية ذات النظام البرلماني الديموقراطي؟!
أليس من حقهم، إذاً، ان »يتعرفوا« إلى ديموقراطيتهم التي يباهون بها الامم من غير ان يعرفوها إلا بالسمع.. واحيانا بالقراءة؟!
أم ترى الديموقراطية نوعاً من الحرام ورجسا من عمل الشيطان علينا اجتنابه؟!
انها لقسمة ضيزى: فإن مارست حقك الديموقراطي اتهمت في ايمانك بالمقاومة او بالتفريط بدماء المجاهدين، قديماً وحديثاً، وان اقترعت »على العمياني« هدرت كرامتك كانسان.
ولو ان الخيار هو فعلاً بين نصرة المقاومة وحمايتها وبين الديموقراطية لقلنا جميعاً: ملعون ابو الديموقراطية، وقدمنا كل ما نملك حتى الروح للمقاومة…
لكن المؤسف ان ليس هو الخيار الحقيقي.
ومع ذلك لن نفرط بتراث المقاومة ودماء الشهداء.
لكننا نتمنى ان يُسمح لنا بعد اليوم أن نهتم بالحياة، وابناء الحياة، وشروط الحياة الكريمة واولها حق الاختيار الحر، وحق التعبير عن الرأي، والحق في رفض الخطأ وتأييد الصح… وذلك كان، وما زال، في اساس قيام المقاومة وانتصارها.
فالمقاومة فعل إرادي، وحمايتها فعل ارادي، وتأمين مستلزمات النصر لها فعل ارادي.
ومن يملك مثل هذه الارادة الفولاذية والتي لا يقهرها جبروت العدو الاسرائيلي ولا اغراء الذهب، ولا تذهب بها غواية السلطة، فمن حقه البديهي ان يدعي انه قد بلغ سن الرشد، وانه يستطيع اختيار »نائب« في مجلس طالما قصر عن طموح ناخبيه.
مع الاعتذار عن هذه النبرة الشخصية، حديث ارجئ تقديمه حتى لا يُتهم صاحبه بالغرض او بما هو اسوأ!.

Exit mobile version