تطلَّب الأمر ثلاثين سنة من الانتكاسات والهزائم والإخفاقات التي طمست بعض الصفحات المشرقة في تاريخ النضال العربي من أجل تحرير الأرض والإنسان، لكي يتم الانتقال من شعار »خذ وطالب« إلى سياسة »أعطِ وطالب«…
من »المجاهد الأكبر« التونسي إلى »المخاتل الأكبر« الفلسطيني أعيد الاعتبار إلى الشعار المرذول، في حينه، وأدين جميع الذين رفضوه بتهمة قصر النظر والمزايدة والمراهقة الثورية التي أضاعت ما كان تبقى من فلسطين، وها هو الآن يغدو أو يصوَّر وكأنه التطرّف بعينه!
»أعطِ القدس وطالِب ببعض غزة، أعطِ معظم الضفة وطالب ببعض المدن فيها، أعطِ القضية والانتفاضة ودماء الشهداء وطالِب بالجولان الفلسطيني، أعطِ رأس المعارضين والمعترضين وطالِب بالمتعاملين متعهدù بالعفو عنهم وإدخالهم في ملكوت الحكم الذاتي…«.
لقد فتح ا” علينا وتعلّمنا أخيرù السياسة: »أعطِ رابين وطالِب كلينتون، أعطِ الإسرائيلي المعتدل شمعون بيريز وطالِب الإسرائيلي المتطرّف موشي فيفلين بالتخلي عن بعض المستوطنات الجديدة التي تبنى بينما أنت تفاوض على المستوطنات القديمة!! وإجمالاً أعطِ إسرائيل وطالِب سوريا ولبنان بدفع الثمن«.
تعلّمنا السياسة، أخيرù: يتطرّف الإسرائيلي فنبالغ في الرقة حتى الانفلاق، يتخوّف من »الإسلاميين« فلا نستبقي من الإسلام كله إلا صلاة الجمعة وبإذن مسبق مع تحديد لعدد المصلّين، يعجز عن الوصول إليهم فنرشده فإذا تعذَّر عليه اعتقالهم تولينا المهمة بالنيابة: »أليس الأكرم لهم ولنا أن تحاكمهم سلطتهم الوطنية وتحتجزهم في سجونها بدل أن يقفوا أمام قضاة الاحتلال ويمضوا مدد الأحكام في زنازين معتقلاته..«.
أعطِ ولا تخف: كل ما تحتاجه إسرائيل هو الأمن، فوفِّره لها بأي ثمن، وبعد ذلك طالب.
لكن الأمن متعدد الجبهات: أمن الدولة، أمن المستوطنات، أمن المستوطنين، أمن العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل، ثم: الأمن الاقتصادي والأمن الغذائي وأمن الصناعة والزراعة وبعض تلك الأصناف من الأمن تشمل »العمالة الفلسطينية«.
أعطِ ولا تخف: الجوع أفعل من الاحتلال. الجوع سيأخذ الناس صاغرين إلى الاحتلال، فأعطِ العمال وطالِب بجعالتك من أجورهم، أعطِ الأسواق وطالِب بحصتك من الجمارك، أعطِ السيادة وطالب برواتب الشرطة بأصنافها وأجهزتها المتعددة التي بلغت حتى الآن تسعة والحبل على الجرار.
أعطِ الاتفاق الجديد وطالِب فورù بمفاوضات حول اتفاق على تنفيذ هذا الاتفاق غير القابل للتنفيذ إلا بمزيد من المفاوضات والاتفاقات على الحلقات الجديدة من عروض التفاوض المتعدد الأمكنة والموضوعات والمفاوضين،
إن لم تستطع المفاوضات على كل شبر ففاوض في كل شبر!
السياسة أن تستمر في التفاوض، وليس الموضوع هو المهم.. أنت أصغر سنù من رابين ومن بيريز، فأنهكهما بالمفاوضات حتى يهدهما التعب فتطالب آنذاك بنصيبك من تركتهما… ألم يقل بيريز »إننا نتفاوض مع أنفسنا«؟!
التفاوض في طابا، وغزة مقفلة بجيش الاحتلال، والشرطة الفلسطينية تنذر »المحرَّرين« العتيدين من أهل الضفة الغربية بالويل والثبور إن هم اعترضوا على الاتفاق الجديد..
لقد تعلّمنا السياسة أخيرù: فكلما امتدت المفاوضات تضاءل ما نفاوض عليه، فيسهل الاتفاق النهائي، ويجيء السبت فترتاح…
أما الجمعة فهو يوم الصلاة بالإذن وبالعدد المحدود، وخارج الحرم القدسي الشريف.