غدا، يحلّ اليوم المئة للحرب الهمجية على غزة. مئة يوم كأنها قرن. ويصعب القول إن هناك من يعتاد على الحرب. كل ما يمكن قوله هو أننا نؤمن بأنها ستنتهي يوما، وبأن النصر سيكون حليفنا.
غدا، يكون قد مر على بدء الحرب مئة يوم. كل يوم يمضي يحمل معه المزيد من دمنا وعذاباتنا الكثيرة. المعاناة هائلة، والجرح كبير، لا جدال في ذلك.
ربّما أن ما يخفف بعض الشيء من شدة الألم هو كون بحر دمائنا يُحرك العالم، ويُغرق إسرائيل، ويضع علامات استفهام، ليس على حقيقة تفوّق قوتها فحسب، وإنما أيضا على مستقبلها كلّه.
ليس سهلا أن تنطلق مظاهرات في كبريات المدن الأوروبية والأميركية، تهتف بشعارات تدعو إلى حرية فلسطين، وأن فلسطين ستتحرر “من البحر الى النهر”. كل الدعاية السياسية المستمرة منذ حوالي قرن تقريبا حول هذه الدولة تتبدد في حمى المواجهة.
وإسرائيل ترى أن حربها الحالية هي حرب وجودية وأنها امتداد لحرب 1948، واستكمال لها. صحيح أن الولايات المتحدة، وقوى غربية كثيرة تساند اسرائيل وتستمر في دعمها. لكن هناك شيئا جوهريا قد تغير، وهذا أمر بالغ الأهمية.
واشنطن ولندن تحاربان اليمن دفاعا عن إسرائيل. واشنطن حشدت جيوشا وأساطيل دفاعا عن إسرائيل، في ما صار يبدو أنها حرب لا تريدها ولا ترغب في توسيعها. والعالم كله يراقب المحاكمة الجارية في لاهاي لواحدة من أكبر جرائم العصر، وهي محاكمة إسرائيل ومن يساندها.
ومن المهم جدا ملاحظة أنباء عدة تعني الكثير.
الولايات المتحدة تبلغ إسرائيل في رسالة ذات مغزى أنها (إسرائيل) لم تعد قادرة على حماية نفسها بنفسها كما كان الوضع في الماضي.
المخابرات المركزية الأميركية تشكل طاقما خاصا لمتابعة قيادات “حماس” ومسألة الأسرى الإسرائيليين لمساعدة إسرائيل على تحقيق أهداف الحرب.
ولا حاجة لاستذكار الجسرين الجوي والبحري لنقل الأسلحة لإسرائيل لتخوض حربها ضد غزة. ما سلف يطرح سؤالا أكبر: ماذا كان سيحدث لو أن الحرب كانت أوسع من غزة؟
بذلت واشنطن، ومازالت تبذل، جهودا لمنع توسيع الحرب مع “حزب الله” في الشمال، وهي لا تريد لإسرائيل أن تتورط في حرب مع إيران.
مسعى التطبيع، خصوصا مع السعودية، والذي كان ظاهرا بقوة قبل 7 أكتوبر، توقف وصار سقف شروطه السياسية السعودية أعلى. وصارت السعودية، وعلى لسان عدد من مسؤوليها، تشير إلى أن إسرائيل باتت أضعف بعد 7 أكتوبر مما كانت عليه قبلها، وأن ثمن التطبيع صار قيام الدولة الفلسطينية.
والأميركيون يجدون أن حكومة إسرائيل صماء تجاه كل الحديث عن “اليوم التالي” في غزة.
وبالرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر أن اليمين الإسرائيلي سيسقط شر سقطة في أي انتخابات مقبلة، إلّا أنّ ذلك لن يخفف من الانحياز اليميني التاريخي في الكيان.
وقد أظهرت محاكمة إسرائيل في لاهاي أن الجهاز القضائي الصهيوني الليبرالي هو الأقدر على مخاطبة القانون الدولي، فلجأ اليمين إلى القاضي أهرون باراك للدفاع عنه بعدما كان يعتبره من أشد أعدائه.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة أهمية للعريضة التي وقعها 170 من كبار القادة العسكريين والأمنيين السابقين يطالبون فيها بالخروج من الوضع الراهن عبر إجراء انتخابات عامة جديدة.
وهناك من يتساءل عن طبيعة الحكومة الحالية التي طالب الرئيس الأميركي جو بايدن شخصيا بتغيير الائتلاف الذي يشكّلها.
وأخيرا، ثمة أهمية في التساؤل الذي طرحه المراسل السياسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” ايتمار آيخنر في مقالة نشرها اليوم حول الكابينت السياسي الأمني في حكومة نتنياهو: “هل هو سيرك سياسي أم منتدى جدي؟” وقد عرض في مقالته العديد من المواقف الهزلية لبعض نقاشات هذه الهيئة التي تتحكم بمستقبل إسرائيل، وكيف أن خوف نتنياهو من شركائه يمنعه حتى اليوم من السماح بإجراء نقاش أوّلي حول “اليوم التالي”.
وإلى ذلك كله، تضاف الانتقادات التي توجه للجيش في هذه الحرب وأهمها أن إسرائيل، وبعد مئة يوم من العدوان، لم تحقق سوى إنجازات ميدانية تكتيكية، كما أن حصيلة الجهد العسكري حتى الآن هي صفر من الناحية الإستراتيجية.
بعد مئة يوم، لم يتحقق أي من الأهداف “المعلنة” للعدوان: القضاء على “حماس”، وتحرير الأسرى، وإنشاء نظام “يضمن الأمن” لإسرائيل على المدى الطويل في قطاع غزة.