طلال سلمان

3 <دول> لبنانية لا تصنع باريس 3

تبدو باريس 3 أبعد من حلم،
فأول شروط مثل هذا الاجتماع الدولي أن يكون البلد الذي انعقد من أجله دولة ، وأن يكون لهذه الدولة مؤسساتها الدستورية المؤكدة لديموقراطية نظامها وسلامة هيكلياتها التشريعية والتنفيذية والإدارية التي توحي بالثقة و تضمن احتمال سداد الديون أو القروض ولو ميسرة في مدى زمني معلوم.
ومن أسف فإن الدولة في لبنان مشلولة، فمؤسساتها الدستورية متخاصمة، متجافية، متباعدة، متقاطعة لا اتصال في ما بينها ولا تواصل.. حتى ليتبدى للوافد من الخارج وكأن اللبنانيين على قلتهم، يتوزعون بين ثلاث دول!
فرئيس الجمهورية، المطعون في شرعيته وإن عجز خصومه عن خلعه لألف سبب وسبب، يعتبر أن الحكومة القائمة باتت فاقدة الشرعية وخارجة على الدستور والروح الميثاقية منذ استقالة الوزراء الخمسة في 11/11/.2006
والحكومة البتراء قرّرت أن تستغني عن توقيع رئيس الجمهورية حتى على المعاهدات الدولية، أو ما يعادلها، واستقوت عليه بموافقة الأمانة العامة للأمم المتحدة، ومن ثم مجلس الأمن على تجاوز رئيس الجمهورية والتعامل معها مباشرة، وتثبيت شرعيتها حتى بعد استقالة الربع من وزرائها، أقله في ما خص المحكمة ذات الطابع الدولي (فضلاً عن الحرب الإسرائيلية على لبنان).
بالمقابل فإن رئيس المجلس النيابي الذي حاول دائماً ألا يظهر كطرف، بات بعد تمسكه بحرفية النص الدستوري فيما يتصل بالمعاهدات الدولية، موضع هجوم واعتراض وتهديد بتجاوزه وعقد جلسة طارئة للمجلس، ولو خارج مقره الرسمي، لإقرار مشروع إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي..
على هذا فإن الدعوة إلى باريس 3 قبل حسم هذه الأوضاع غير الطبيعية تبدو في إحدى صورتين:
? إما أنها متعجلة بناء لطلب الحاضنة الفرنسية لهذا المؤتمر، مع الإشارة إلى أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك يمضي الشهور بل الأسابيع الأخيرة من ولايته، وهو حريص على تقديم هذه الخدمة للبنان، وبشخص حكومته تحديداً، قبل أن يترك قصر الإليزيه لخلفه الذي ترجح التقديرات أن يكون من خصومه السياسيين، وفي كل الحالات ممن عندهم أولويات كثيرة تسبق لبنان، خصوصاً مع مباشرة مهام الرئاسة.
? وإما أنها مناورة سياسية تهدف إلى إحراج المعارضة وتصويرها وكأنها تعترض على مؤتمر يهدف إلى مساعدة لبنان في تأجيل ديونه الهائلة، بقروض جديدة مرجأة السداد لسنوات إضافية… وبالتالي إلقاء مسؤولية الوضع المتردي أصلاً والذي تتهدده انهيارات مقبلة بسبب العجز عن الوفاء بالتزامات ثقيلة مرجأة، على من يعترض، بغض النظر عن أسباب اعتراضه، وهل هي تتصل بالمؤتمر تحديداً أم بالحكومة وموقعها كطرف على خريطة الصراع السياسي المحتدم حالياً.
ولعل المناشدة التي توجه بها رئيس الحكومة إلى الأمين العام ل حزب الله تؤكد الاستنتاج الثاني… إذ لم يكن موقف حزب الله سبباً لاغياً لا لباريس 1 ولا لباريس ,2 وبغض النظر عما إذا كان صوت نوابه بالموافقة أو بالاعتراض في المجلس النيابي.
ثم، لماذا تخصيص حزب الله دون غيره من القوى السياسية بهذه المناشدة التي وجْهُها الآخر إلقاء مسؤولية الفشل، سلفاً، على القيادة الفعلية للمعارضة، وبالتالي اتهامها بالتسبّب ليس فقط بإدامة الأزمة الاقتصادية الخانقة بكل تداعياتها المحتملة، وهي خطيرة، بل وكذلك بوضع حزب الله في مواجهة الدول الراعية أو المدعوة، بالرغبة أو بالأمر، لهذا المؤتمر الذي فيه وفيه وحده الإنقاذ؟!
لكأن الاقتصاد أمر خارج السياسة،
أو لكأن مؤتمراً دولياً على هذا المستوى العالي والمؤثر يمكن أن يعقد خارج القرار السياسي للدول صاحبة القرار في كل شأن، في أي بلد، فكيف والأمر يتعلق بمليارات الدولارات… مع التنبيه، بلطف، إلى أن الدول، خاصة الكبرى منها، وبالأخص العظمى، ليست جمعيات خيرية مهمتها إعانة العاجز أو إغاثة الملهوف.
وبالأمس القريب، وبشعار بسيط مكوّن من أربع كلمات هي إنه الاقتصاد يا غبي استطاع سياسي ناشئ (من الأرياف) يدعى بيل كلينتون أن يهزم واحداً من الرؤساء الكبار والمجربين في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية هو الرئيس الأسبق جورج بوش (الأب) وليس الغبي الفعلي الذي يتحكّم بالعالم الآن، والذي يفجّر في منطقتنا على وجه التحديد الفتن والحروب الأهلية ومخلفات العهود الماضية من مآسي الصراع بين الأكثريات والأقليات، سواء على المستوى القومي أو الوطني الديني أو الطائفي أو المذهبي.
لكنها السياسة هذه المرة، تستخدم الشعار الاقتصادي.
ومع تمني النجاح لمؤتمر إعادة بناء لبنان، فلقد كان الأولى بالاهتمام أن نعالج الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد… فالوفاق الوطني ممر إجباري لمؤتمر كهذا، بغض النظر عن حسن تنظيم الورقة الإصلاحية بكل أثقالها الضريبية وبكل البراعات التي صيغت بها لتخفي العيوب والمساوئ ونقص الدقة في الأرقام الراهنة أو الموعودة.
السياسة أولاً، فإن لم تعالج أوضاعنا المحلية بالجدية المطلوبة فعبثاً نطلب باريس .3
الداخل أولاً وبعدها يمكن أن نقدم أنفسنا إلى الخارج بما يليق بحيث يوافق على إقراضنا هذه المبالغ المهولة التي… لن نعيدها إلى الدائنين، وهم في أي حال قد جنوها كمال حرام من بلادنا!

Exit mobile version