طلال سلمان

«17 ايار» في 24 ايار وما يمكن ان يقولة حريري لاوباما

يثير هذا اليوم بتاريخه الذي عفا عليه الزمن، السابع عشر من أيار، ذكريات موجعة تعود إلى العام 1983، يصعب أن ينساها شعب هذا الوطن الصغير، فلا هي تغادر الذاكرة، ولا هي تسمح بطي صفحة «اتفاق العار» ورميها في غياهب النسيان.
فإذا كان للعدو الإسرائيلي «يوم استقلاله» في الرابع عشر من أيار 1948، فإن لفلسطين موعدها مع «يوم النكبة» في الخامس عشر منه، عبر الهزيمة العربية التي ضيّعت ذلك البلد العربي وشرّدت شعبه في أربع رياح الدنيا، وإن بقي بعضه «داخل الداخل»، بهوية مفروضة عليه هي نقيض هويته، وبعضه الآخر بهوية «لاجئ» في أرضه ذاتها أو من حولها أو في ديار الشتات البعيدة، برغم أنه كان وما زال وسيبقى فلسطينياً…
لكن مقاومة الشعب اللبناني «لاتفاق العار» سرعان ما تفجرت، بالسلاح، في بيروت وصيدا والجنوب كله والبقاع، ثم تمددت إلى الجبل، عبر مواجهات بطولية، لا سيما أن «السلطة» لقطع طريق الإمدادات الآتية من دمشق، قد استنجدت بالأسطول الأميركي فجاءت المدمرة الفخمة «نيوجيرسي» إلى مياهنا الإقليمية، وأخذت تقصف بعض ضواحي بيروت وبعض مراكز المقاومة في الجبل، بالفاتورة، إذ كان لكل قذيفة ثمن تدفعه «السلطة» نقداً، بينما يدفعه اللبنانيون بالدم.
وكانت بعض الميليشيات العالية الصوت، اليوم، بشعار «لبنان أولاً» قد شاركت قوات الاحتلال الإسرائيلي في «ضبط الأمن» في الجبل، متسبّبة بتهجير معظم المسيحيين منه، في محاولة مكشوفة لإغراق الجهد المقاوم في أتون حرب أهلية تخدم إطالة أمد الاحتلال، وقد تمكّنها من المضي قدماً في مشروعها للتقسيم أو للفيدرالية على قاعدة طائفية… وتلك أعظم خدمة يمكن تقديمها للاحتلال الإسرائيلي.
على أن الأمور اتخذت سياقاً مختلفاً تماماً: أكمل الاحتلال انسحابه ليتمترس في الشريط الحدودي، متلطياً خلف ميليشيا محلية أسماها «جيش لبنان الحر»، في حين أخذت حركة المقاومة تتعاظم قوة وتجهيزاً وحسن تدريب، ويحقق مجاهدوها الأغرار الانتصار تلو الآخر، فارضين على الاحتلال وأعوانه أن يخلوا المزيد من الأرض منسحبين إلى الخلف، ليكونوا في الحماية الدائمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
[ [ [
ذلك من الماضي؟!
ليس تماماً… فها هي إسرائيل تنشر مناخ الحرب على لبنان، من جديد، متذرّعة بأن مجاهدي المقاومة قد تلقوا ـ عبر سوريا ـ أسلحة أكثر تطوراً، بينها صواريخ سكود الروسية، تساعدها في ذلك موجة دعائية عالية الصوت تتولاها دوائر الاستخبارات في الإدارة الأميركية، حتى ليكاد واحدنا يفترض أن المقاومة في لبنان، وليس العدو الإسرائيلي، هي من يمتلك المفاعل الذري في ديمونا، وهي من تحتشد في ترسانتها الحربية مئات الرؤوس النووية!
ومن المصادفات القدرية أن يقع اللقاء المقرر بين رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الاثنين المقبل الواقع فيه الرابع والعشرون من أيار، عشية العيد العاشر للنصر المؤزر الذي حققته المقاومة المجاهدة، قبل عشرة أعوام، فهزمت جيش العدو الإسرائيلي الذي اضطر إلى الانسحاب بسرعة قياسية، تاركاً العملاء من قادة المرتزقة وعسكرها لمصائرهم، فلحقوا به متوسلين أن يوفر لهم «الملجأ الآمن» وألا يتركهم ليلقوا جزاءهم العادل كخونة لوطنهم، أمام قضائه العادل.
إن مجرد وقوع اللقاء في هذا الموعد بالذات، بقيمته الرمزية الاستثنائية، سوف يعطي الرئيس سعد الحريري فرصة نادرة ليقدم ـ بالمحسوس ـ صورة تفصيلية عما ألحق العدوان الإسرائيلي من أذى جسيم بحق لبنان خلال دهر احتلاله بعض أرضه منذ آذار 1978 وحتى إجلائه ـ بقوة المقاومة ـ فجر الخامس والعشرين من أيار 2000، وهو الذي أعلنه اللبنانيون «عيد النصر» غير عابئين بأن يكون بعض حكّام المصادفات قد ألغوه ـ رسمياً! ـ متذرعين بالحرب الإسرائيلية التي عاد العدو فشنّها على لبنان في 12 تموز 2006 بحجة أن المقاومة أسرت جنديين لمبادلتهم بالأسرى من المجاهدين (وجثث الشهداء) لدى العدو الإسرائيلي… وهي قد انتهت ـ مرة أخرى ـ بهزيمة جديدة، ميدانياً، للعدو، سارعت واشنطن إلى تعويضه عنها بالقرارات الدولية.
وبرغم أنه قد اشتهر عن الأميركيين أنهم «براغماتيون» وأنهم ليسوا «عاطفيين» ولا يتوقفون كثيراً عند الدلالات الرمزية للأحداث بل يتعاطون معها بمنطق بحت عملي، فإن الرئيس سعد الحريري يملك الكثير ليقوله للرئيس الأميركي، وبالمنطق العملي: فالمقاومة في لبنان هي من حفظ هذه الدولة الصغيرة، وهي من افتدى استقلالها بعد تحرير أرضها من الاحتلال الإسرائيلي، وهي مقاومة وطنية بقيادتها وعناصرها وشهدائها، لا هي وافدة ولا مستوردة، وقد مارست الحق المشروع لأي شعب تقع بلاده تحت الاحتلال فيلجأ إلى المقاومة لتحريرها، ولو بالدم…
وإذا ما افترضنا أن محادثات رئيس الحكومة مع الرئيس الأميركي ستتوسع لتشمل ما تشهده المنطقة من توترات، فلقد يكون مفيداً أن يتناول الرئيس الحريري أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وكيف وبأي حال يعيشون، خصوصاً وقد حفلت الأيام القليلة الماضية بتظاهرات وأنشطة ثقافية متعددة وتجمعات جماهيرية حملت فيها طوابير «المطرودين من وطنهم» واللاجئين بالاضطرار إلى أوطان أشقائهم من أبناء دول الجوار العربي لفلسطين، مفاتيح منازلهم التي أخرجوا منها بالقوة لتعطى لمن لم يشارك في بنائها ولم يبذل العرق من أجل أن يكون لأبنائه سكن يلوذ به ويعيش فيه في وطنه.
إن المسألة لا تتعلق بنيات المقاومة واستعدادها لشن حرب جديدة ضد إسرائيل، فكل الحروب التي شهدتها المنطقة إنما أعدت لها ونفذتها إسرائيل ضد «جيرانها» جميعاً، مصر وسوريا والأردن… ثم لبنان، فضلاً عن حربها الأولى لإقامة دولتها فوق أرض لم تكن لها يوماً بطوابير المستوطنين الذين استقدموا من أوطانهم الأصلية في أوروبا أساساً، وبعض أميركا، فضلاً عن اليهود الذين اقتلعوا من حيث كانوا يعيشون كمواطنين طبيعيين في بلادهم العربية حيث لم يتعرض لهم أحد بسوء، حتى بعد إقامة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين وطرد شعبها العربي منها.
ولقد يكون مفيداً، بالمقابل، أن يشير الرئيس الحريري ـ في سياق عرضه وجهة نظر لبنان ـ إلى النتائج المأساوية للاحتلال الأميركي للعراق، وانعكاس تلك النتائج على مجمل المنطقة بما يهدد استقرارها، عبر النفخ في جمر الحرب الأهلية بتوسل الفتنة المذهبية، إن على مستوى السنة والشيعة، أو العنصرية بتأجيج الصراع حول هوية العراق العربية بتحريض الأكراد فيه (وهم عراقيون أصلاً وفصلاً) على «تطوير» استقلالهم الذاتي إلى حد الانفصال بذريعة أن تكون لهم «دولتهم» المستقلة على حساب الدولة ـ الأم: العراق.
[ [ [
في 17 أيار 2010 كان ضرورياً استذكار اتفاق العار في 17 أيار 1983، وخصوصاً أنه كان للرئيس الشهيد رفيق الحريري والد الرئيس سعد دور خاص في «تسريبه» إلى دمشق، بصحبة رجل المهمات الوطنية الدقيقة في الظروف الاستثنائية جان عبيد… وذلك حديث آخر عن كيف أسقط ذلك الاتفاق برغم التأييد شبه الشامل للطبقة السياسية وإقراره في المجلس النيابي وفي مجلس الوزراء أيضاً!
وللحديث صلة حول الرحلة الأميركية وما يتوقع اللبنانيون (والعرب) منها… وخصوصاً أنه سيتاح للرئيس الحريري خلالها أن يجلس فوق كرسي «رئيس العالم» في مجلس الأمن، ولو لمدة كافية لإعلان موقف واضح.

Exit mobile version