طلال سلمان

يوميات مواطن لبناني

يعيش المواطن في هذا البلد الجميل حياته، الآن، يوماً بيوم، بحيث يتعذر عليه التفكير بغده. يبدأ صباحه مبكراً بنشرات الأخبار، لا لأنه اشتاق إلى وجوه قياداته السياسية، لا سيما الحكومية منها، بل لكي يستخلص جواباً على سؤال ظل يقلقه طوال ليله: هل أرسل أطفالي إلى المدرسة، أم أبقيهم مزروبين في البيت حتى لا أعاني مشكلة معقدة في الوصول إليهم لاستنقاذهم والعودة بهم إذا علقت ؟!
بعد أن يحسم أمره بقرار ما، ينتبه على وجه الخصوص إلى ما تطلقه الهيئات الاقتصادية من إنذارات جدية: الفنادق الخاوية باشرت صرف موظفيها، المصانع على وشك الإقفال، كل ما له صلة بالسياحة مشلول، العقار جامد تماماً والعديد من المشروعات الإعمارية الضخمة صرف أصحابها النظر عن إنجازها، الحركة التجارية مشلولة والمخازن الكبرى حددت استيراد البضائع لتناقص القدرة الشرائية، حركة الأسهم (على ندرتها) في تراجع، الحركة الوحيدة المتصاعدة باستمرار هي التي تتصل بهجرة الشباب، ذكوراً وإناثاً، أكاديميين متميزين، أطباء أكفاء، دارسين مجتهدين كانت بداياتهم العملية مبشّرة بمستقبل طيب، مهنيين يتمتعون بخبرة واسعة، مهندسين كانت أحلامهم أعلى من أعلى ناطحة سحاب في دبي التي صارت في موقع الأمنية.
بغير رغبة في المقارنة يشده الفضول إلى الاستماع إلى نشرة عن حركة أسعار الأسهم في مختلف الأقطار النفطية، والتي باتت بورصتها مجال نشاط مفتوح للخليجيين والخليجيات، فتصيبه الأرقام بالذهول، وبقدر ما يفرحه ازدهار أحوال إخوانه اللاهين عنه بأرباحهم، فإن شيئاً من الكمد يتملكه وهو يحسب نظرياً الربح الفائت الذي كان يمكن أن يجنيه لبنان لو أن أحواله طبيعية… ولكي تقفل عليه دائرة الغم، يتلقى مكالمة من صديق هناك ليطمئن عليه قبل أن يصرخ به: ألا ترحمون بلادكم؟! إرحموننا نحن، يا أخي، كان لبنان المتنفس الطبيعي لنا، ليس كمصيف أو كمنتجع للراحة، فحسب، ولا كجامعة ومستشفى وصحيفة ومطبعة ودار نشر، فقط، بل كذلك كمجال رحب للاستثمار. كان لكم مركز دولي وأنتم تفقدونه وعيونكم مفتوحة.
خلال عمله يستمع إلى من ينقل إليه ما تقوله المؤسسات الدولية عن لبنان وأوضاعه المالية، بأثقال الديون المتراكمة والتي يتفاقم عجزه عن سداد أقساطها مع فوائدها التي تنهش رزق أبنائه ورغد عيشهم غداً.
وبرغم التطمينات اليومية التي يدأب على إطلاقها حاكم المصرف المركزي، التزاماً بواجبه في كشح المخاوف على الوضع النقدي، فإن المخاطر باتت أعظم من أن تغطيها الاجتهادات المبتكرة التي يبتدعها هذا الخبير المتمكن والذي حقق نجاحاً استثنائياً استحق عليه المرتبة العالمية التي يتمتع بها الآن.
يحاول أن يرفه عن نفسه بالاستماع إلى ما يقوله كبار المسؤولين عن الوضع ، عن الأزمة وعن الحلول . يسمع جعجعة ولا يرى طحناً. يسمع مرافعات هائلة الفصاحة في الدفاع عن المواقف الخطأ. ويسمع من هيئات معارضة مرافعات مضادة تفضح ارتكابات الحكومة وقصورها وتقصيرها، فضلاً عن مخالفاتها… ولكنه لا يسمع ما يريحه عن الحلول، بعيداً عن الاشتباك في الشارع، وبعيداً، بشكل خاص، عن مخاطر الفتنة.
وعلى اعتبار أنه ليس فقيهاً في الدستور أو في نواقض الشرعية أو في مقتضيات العرف، وعلى اعتبار أن ذلك كله لن يحل أياً من مشكلاته التي تحرمه من النوم، فإنه يزداد قلقاً على غده… خصوصاً أن هذا الجدل حول الدستورية والشرعية يعيد إلى ذاكرته أياماً سوداً عاشها في الملاجئ ونجا من مخاطرها القاتلة بمحض المصادفة.
كلما التقى بصديقه، أو هتف له واحد من معارفه، سبق كل منهما صاحبه إلى السؤال: أترى هي الحرب الأهلية مرة أخرى؟!… وعبثاً يضيع الاجتهاد في ابتداع الأجوبة المطمئنة، لا سيما إذا ما استذكرت المواقف السياسية الناضحة بالتحدي والتي تستدر مواقف تحمل إنذارات بالتصدي.
لكأن المشكلة تجاوزت السياسة. ففي بلاد الله ثمة قواعد للعبة السياسية، لا سيما إذا ما صدقنا المزاعم عن ديموقراطية نظامنا الفريد في بابه. لكن حياتنا السياسية، ومؤسسات الحكم في بلادنا لا تخضع لأية قاعدة معتمدة في الدنيا، إذ كيف تأتلف الديموقراطية مع الطائفية؟! وكيف يقوم عدل بين ركائزه المذهبية؟! وأين الأكثرية والأقلية في مجتمع يحتقر الأرقام، بدءاً بعدد السكان وانتهاءً بالدخل القومي؟
لبنان يمشي في طريق مسدود … الأزمة مسكرة، ولا حلول.. .
إلا إذا تدخلت العناية الإلهية لمنع الانفجار… خصوصاً بعدما أشاح أصحاب العناية الملكية والجمهورية بوجوههم عن لبنان، تاركين لأصغرهم أن يبشرنا بحرب أهلية ثالثة بعد فلسطين والعراق تحت الاحتلال الأميركي.
هل العراق وحده تحت الاحتلال الأميركي؟!
مع ذلك يجب ألا نفقد الأمل بل علينا أن نخترعه، كما قال يوماً الرئيس سليم الحص.

Exit mobile version