طلال سلمان

يورانيوم طائفي مخصب

وصل الشقاق بين اللبنانيين لأسباب ظاهرها سياسي وباطنها طائفي مذهبي ملتبس إلى حد أن جريمة في مثل خطورة استخدام إسرائيل اليورانيوم المخصب في حربها على لبنان لم تستنفر وطنيتهم، ولم تنبّههم إلى أن الخطر يتهدد الجميع، ولم تجمعهم بعد فرقة غير محددة الأسباب.
إنهم يدركون، قطعاً، أن خطر التلوث القاتل لا يميّز بينهم بحسب أديانهم ولا يفرزهم بحسب طوائفهم ومذاهبهم وولاءاتهم فيتوجه بالأذى إلى ذاك الفريق وحده، ولا يتعرض لهذا الفريق الثابت في ولائه بعد الاطمئنان إلى هويته السياسو طائفية!
لكأن اليورانيوم المخصب، الإسرائيلي المصدر، يتمتع بدقة في التصويب والتوجيه بحيث لا يمس إلا أولئك الذين قاتلوا أو كانوا في المواقع التي دار من حولها القتال، أو جاهروا بضرورة مواجهة النار الإسرائيلية وتصدوا لدباباتها وكتائب النخبة من جيشها الذي احترف الانتصار!
لكأن اللبنانيين يتمنون لبعضهم البعض الموت، لشدة إيمانهم بالوحدة الوطنية.
لقد صاروا شعوباً شتى وأمماً محتربة، محققين لإسرائيل أكثر ممّا كانت تحلم به من نتائج لحربها عليهم، معوّضين عليها فشلها في الميدان على امتداد ثلاثة وثلاثين يوماً طويلة لم تترك خلالها سلاحاً إلا وجرّبته: من الطيران الحربي (وضمنه الأم. كا) إلى المدفعية الثقيلة، إلى الصواريخ، إلى مدافع الدبابات، إلى الإنزال أو محاولات الإنزال خلف خطوط المقاومين الذين لم يكن لهم خلف، إذ ظلوا حاضرين وبكامل أهليتهم القتالية طوال مدة الحرب.
… وصولاً إلى اليورانيوم المخصب الذي يظل يقتل الأطفال والنساء والشيوخ والرجال حتى بعد زمن طويل من إيقاف الحرب.
صارت أي مسألة، خطيرة كانت أم عادية أم حتى تافهة، تدفع بهم إلى الاصطفاف في معسكرات متواجهة، متباغضة، متحاقدة، متكارهة، يشكّك بعضهم ليس في وطنية البعض الآخر بل أساساً في إمكان العيش جنباً إلى جنب… وقد تجنبنا لفظة العيش المشترك حتى لا نستفز أحداً من مصنِّعي الشعارات الجديدة التي تقدم السيادة على الوحدة الوطنية، في حين لا سيادة ولا استقلال ولا حرية من دون وحدة وطنية، وتقدم الديموقراطية على السلام الأهلي في حين أن الديموقراطية هنا هي الغلاف المذهّب للفتنة، فالطوائفية لا تنتج ديموقراطية والمذهبية لا تعطي إلا ثماراً مسمومة أبسطها الاقتتال الذي ينهي الوطن ومعه السيادة والاستقلال والعنفوان والرخاء والازدهار وسائر مقومات المستقبل، أي مستقبل، وليس الأفضل فحسب.
لقد أصاب اليورانيوم المخصب المفاهيم جميعاً، فذوت وتشوّهت وصارت لها مدلولات غير التي كانت لها، بل ومتناقضة معها.
ولعل أبسط موجبات التشاور أو الحوار تفرض المباشرة بتوحيد المصطلحات ودلالات الكلمات، واستنقاذ ما يمكن استنقاذه من المفاهيم التي أصابها التلوث الإسرائيلي في أصله وفي المستفيد منه.

Exit mobile version