يملك السيد توني بلير في سيرته الذاتية خصلتين نادرتين: الأولى، أنه ينتمي تاريخيًا إلى الإمبراطورية القديمة صاحبة “إعلان بلفور” الذي ساهم في تكريس فلسطين “كأرضٍ بلا شعب”. الثانية، وهي أكثر التصاقًا بالشخص، أنه يملك خبرة مذهلة في أمور القتل والإبادة والتهجير؛ خبرة استمدها بجدارة أثناء حربه، وحرب لبيبه الأمريكي، على العراق. والحقيقة أن رجلاً بهذه الكفاءات يُصعُب الاستغناء عنه، خاصةً وأنه، رغم كل الأسى الذي سببه وكل ضحاياه العراقيين، لا يزال صديقًا حميمًا لأطراف عربية عديدة، ليس من الضروري تعدادها.
ولأن الأمور تشي بحقيقتها حتى عندما تحاول إخفاء وجهها الحقيقي، فلا بد من ملاحظة أن لجنة السلام التي يتزعمها أشقر العصر وصديقه بلير، ليس فيها فلسطيني واحد. فهي لا تزال أرضاً بلا شعب، على الأقل شعبٍ يُعتَبر أهلًا لحكم نفسه بنفسه! لِنُراهنْ على أن عربًا كُثُرًا سيكونون داخلها، فللكومبارس أهمية قصوى في نجاح كل فيلم.
لا مكان للصدف هنا. فقد كان المبعوث الأمريكي ذو الأصول العربية، بوراك، قد أعلن أكثر من مرة نهاية حقبة سايكس بيكو، وأكد – بعد أن نهانا عن “حيوانيتنا” – أننا لسنا أكثر من قبائل وعشائر، لا دولًا ولا بشرًا بالمعنى الحديث. لا بأس، فالكولونيالية الجديدة عائدة بلباس جديد، وعلى رأسها العزيزين: دونالد وتوني… الفرق أننا اليوم نطالب بها، نحبها ونصفق لها!
لا أهمية. فالأمة باتت تكتفي باعتذار هاتفي بعد عامين على الإبادة، والأمة تبارك “خطة الرئيس ترامب” وهو الذي لا يتوقف عن ابتزازها، والأمة فيها من يصفق ويقدم الهدايا “لصديق السوريين” وهو يؤكد بوقاحة سيادة إسرائيل على الجولان.
لا أهمية. ففي الأمة من يقتل الآخر على هويته، وفي الأمة من يرفع أعلام العدو القديم هربًا من بطش الفاتحين الجدد، وفي الأمة من يستكثر على البلاد جغرافيتها، فيستعير مقصًّاتٍ جديدةً تُفتِّت الحدود كما تُفتِّت البشر والحجر.
في هذه الأمة أيضًا، وجوه قتلها العوزُ والقهرُ وآلاتُ الموت. وفي هذه الأمة من استطاع التغلب على النهايات المُعَدَّة سلفًا. وفي هذه الأمة من لا يزال يتساءل: كيف لم نختفِ من على وجه البسيطة؟ وكيف لم تنتهِ فلسطين بعد كل هذا؟
ربما إننا، بكل بساطة، عصيّون على النهايات الممنهجة… عصيِّون وحسب!
جلَّ جلالك فلسطين