طلال سلمان

ومعادلات معارضات

كما الحكم، كذلك معارضاته في افتقاد التناغم والانسجام ووحدة الهدف.
وللمعارضات، التي تتجاوز »الترويكا« عدداً، معادلات أكثر تعقيداً من المعادلات التي تحكم العلاقات بين أطراف الحكم، والتي مهما اختلفت فهي محكومة بأن تُبقي خلافاتها تحت السقف الضابط، وبأن تتجنب دفع الأمور الى حافة الانفجار، لأنها جميعاً على ظهر المركب المثقوب القعر نفسه!
أما المعارضات فهي متعددة المنابع والمصادر والتوجهات والأغراض، ولا تشكل القواسم المشتركة (المفترَضة) في ما بينها، برنامجاً أو نواة لبرنامج للإصلاح، فضلاً عن التغيير.
ولولا التناغم الذي تطور إلى نوع من التلاقي بين وليد جنبلاط والبطريرك الماروني على نقاط محددة ومحدودة، وتتصل بالمناخ السياسي العام أكثر من اتصالها بتصور مشترك للمستقبل، لما أمكن لسائر المعارضات ان تتلاقى وان تتوافق ضد »بعض« الحكم، دون البعض الآخر، وضد بعض سياساته لا كلها.
إن عباءة البطريرك الماروني توفر قدراً كبيراً من الحماية المعنوية.
أما اقتحامية وليد جنبلاط فتوفر شيئاً من الحصانة السياسية، وتنفي الطابع الطائفي للتجمع تحت عباءة بكركي، فمن استظل بدار المختارة يصعب اتهامه بأنه إنما ينشئ حلفاً ثلاثياً جديداً (موديل 2001) أو رباعياً أو خماسياً أو سداسياً، وفئوياً بالانتماءات الطائفية للمنتمين إليه، وإن كانوا متعددي المشارب والارتباطات.
لقد أعفى لقاء قرنة شهوان البطريركَ الماروني ومجلس المطارنة من حرج القيام بدور المكتب السياسي للمعارضة »المسيحية«… ثم ان التنوع فيه مكّن »الملتقين« من إعادة صياغة الموقف »المسيحي«، فاستدركوا حيث يتوجب الاستدراك، وصححوا حيث لا بد من التصحيح، واستذكروا المقاومة ومجاهديها، وقد كانت منسية أو موضع تجاهل مقصود وموضع انتقاد ضمني، واستذكروا بالتالي الاحتلال الاسرائيلي عائدين الى الموقف المبدئي من »العدو«، وانتبهوا إلى ان جيرة سوريا ثابتة ودائمة وليست عارضة ومؤقتة، وانها كانت (وما تزال) ذات دور »شرعي« في حدود ما هو معتمد »رسمياً« في العلاقات بين الدولتين.
الأهم أن الملتقين في القرنة انتبهوا الى المذبحة المفتوحة التي تنظمها قوات الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين فوق أرضهم، وبالتالي فإنه لا بد من التفاتة الى الانتفاضة البطولية لشعب فلسطين.
ومع وليد جنبلاط، بات ممكناً أن تمد »قرنة شهوان« الجسور نحو »المنبر الديموقراطي« بكل مَن احتشد فيه من متحدري الأحزاب، ولا سيما الحزب الشيوعي، والشخصيات المثقلة بتاريخها، والنقابيين وهواة الصف الأول في أي اجتماع.
لكن النص غير الممارسة…. والنصوص الجيدة لا تغطي الممارسات الرديئة، ولا تمحو من الذاكرة تجارب وأخطاء وخطايا سياسية مكلفة، دماً واقتصاداً واجتماعاً.
فمن الصعب مثلاً أن يتصدر »أبطال« اتفاق الاذعان (17 أيار 1983) صفوف المناضلين لأجل الحرية والسيادة والاستقلال والكرامة والعنفوان الخ.
والأصعب أن تتلاقى المعارضات المختلفة ضد بعض الحكم، في حين تمالئ بعضه الآخر، وتحاول تحييد البعض الثالث، فلا بد في ساعة الحقيقة من الموقف القاطع في وضوحه، وهذا قد يفرط الحشد الذي تلاقى على شعار منقوص مهما بالغ في المزايدة.
وفي الحشد الذي تلاقى بالأمس تحت راية الدفاع عن الحريات، كان مستحيلاً الاتفاق على ما هو أبعد من »العموميات«. بل إنه كان لا بد من نسيان التاريخ ليمكن الصفح عن بعض متصدري الصف الأول.
فممارسات السلطة في مواجهة بعض الشبان المنتمين الى تنظيمات أو تيارات سياسية »محظورة«، تبدو »ديموقراطية« جداً إذا تمت مقارنتها بممارسات بعض معارضي اليوم من الحكام أو المتحكمين باللبنانيين بالأمس.
كذلك، فإن داخل كل »قوة« معارضة مجموعة من »المعارضين« لقيادتهم، وكان لا بد من إطار عريض لكي تضيع الخلافات الداخلية، ويمكن »انتزاع« موقف موحد من السلطة بوصفها »الخصم المشترك«.
ثم إن السلطة في نظر المعارضات ليست واحدة، وبالتالي فالمواقف تتفاوت: الكل ضد »العسكرة«، لكن البعض مع رئيس الحكومة ضد رئيس الجمهورية، والبعض ضد الحكومة لسبب وحيد هو أنه ليس فيها، والبعض الثالث صار الآن ضد المجلس النيابي متناسياً كم بذل من جهد وتنازلات »مبدئية« ليكون بين أعضائه.
هذا فضلاً عن أولئك الذين يحاولون ان يجنوا مجد المعارضة من دون ان يخسروا من منافع الحكم، ولعل بعضهم كان يستدرج عروض المشاركة من خلال رفع الصوت بالاعتراض.
لا الحكم ببرنامج موحد، ولا المعارضات لها أي نوع من البرامج.
لهذا ربما، تتفاقم أزمة الضياع: فالناس مع الموقف الوطني المتقدم للحكم من العدو الاسرائيلي، وضد بعض الأساليب القمعية التي يلجأ اليها أحياناً ضد قوى من الماضي تحمل صحيفة سوابقها في عنقها، وهي أعجز الآن من التأثير في شارع واحد، كما أثبتت الدعوة الى الإضراب التي أطلقها أحد أبطال المعارضة من منفاه قبل أيام.
وبرغم التعاطف الشعبي مع المعارضات، فإن غياب البرنامج المشترك، على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، يُبقي هذه التكتلات التي تزايدت ولاداتها مؤخراً، أشبه بأندية للنخب، أو بحلقات مقفلة يبحث كل تكتل منها عن تغطية لطائفيته بأن يستعير ممثلين لطوائف أخرى قامت »أمجادهم« على قولهم بإلغاء الطائفية.
الحال من بعضه… ونظرة تأمل في النواب الذين حضروا مؤتمر المعارضات أمس، يكشف حجم التداخل بين حكم بعض المعارضين ومعارضي بعض الحكم دون بعضه الآخر.
مع ذلك، فإن المعارضة شرط حياة للنظام الديموقراطي في لبنان..
في انتظار ان تتوحد المعارضات حول برنامج موحد من أجل غد أفضل للبنانيين جميعاً.س

Exit mobile version