منذ شهور ووفيق العجوز »ينسحب« من الحياة بهدوء، استنكافاً ورفضاً للكثير مما يشهد من احوال التردي، على المستوى العام، وكمدا من احساسه بافتقاد النصير وشريك »النضال« من اجل اصلاح الحال.
… فلما وقعت الواقعة في شركة طيران الشرق الاوسط، قرر »ابو علي« ان يرحل حتى لا يرى الاعظم… فلم يتحمل هذا »المؤسس« الذي كان يتعامل مع الشركة على انها بيته وحصنه وملاذ الأمان، ان تنهار هذه المؤسسة العريقة التي بنيت بالجهد والعرق وشرف الريادة، والتي كانت شامة على جبين لبنان.
ثم ان حياة »ابو علي« كادت تفرغ من الذين احبهم وعمل لهم ومعهم او احس بالكبر وهو يصادقهم: »حياة بلا ام كلثوم كمجرى جاف لنهر كان ينشر الرواء في الدنيا من حوله! فكيف بحياة بلا ام كلثوم وبلا عبد الوهاب وبلا عبد الحليم وفريد وعبد المطلب، وعلى مستوى آخر بلا جمال عبد الناصر، وبلا نجيب علم الدين وبلا صائب سلام و….«.
لم تعد القاهرة التي عاشت في قلبه تهزه كما في الماضي، لا في السياسة ولا في الادب ولا في الفن، اما بيروت التي كان يرى فيها عاصمة الغد العربي، اي العلم والتقدم والديموقراطية والانفتاح والانصهار الوطني، فقد قدم لها عمره… وصمد فيها على امتداد مأساتها الطويلة خلال الحرب الاهلية يبشر بانبعاثها مجدداً وبسقوط ليل الاقتتال وميليشيات الطوائف وعصابات القتل على الهوية الا اذا دفع »القتيل« عداً ونقداً.
وحين تقدمت ابنته رلى للانتخابات البلدية في بيروت واكبها بفرح وهي تعبر عن حبها حبه العميق لهذه المدينة الوطن، وتنفذ مجموعة من الافكار الجديدة والشجاعة لتجميلها بمشاركة سكانها الذين احتضنتهم جميعاً بغير ان تسألهم عن مساقط رؤوسهم.
لم يكن لوفيق العجوز مثيل: فهو قد يفكر بالنيابة عنك اذا كنت في ضيق، وهو يقدم خدماته بغير طلب لمن يقدر أنه قد يحتاجها، وهو يطوقك وعائلتك بالحب والرعاية ان كنت مسافراً من لحظة انطلاقك حتى يوم عودتك.
انه صديق كل الناس، لم يحمل بين جنبيه الا الحب والوفاء،
ولأنه احد العناوين المضيئة للحيوية والهمة والرغبة في التمتع بالعيش، فقد كره ان يضعف، وان يقهره المرض، فانطوى على نفسه ورحل بصمت جليل.
رحم الله »أبا علي«، هذا البيروتي الذي كان منتشراً في كل عواصم العرب، يعرف الجميع ويعرفونه ويحبهم ويحبونه ويخدمهم ولا يطلب منهم رد الجميل.
لقد نقصت شمعة في بيروت.