طلال سلمان

وغارات داخل

بضربة واحدة مدروسة الهدف والتوقيت والمكان، كشفت إسرائيل هشاشة الوضع القائم في لبنان، بسلطته المشروخة وقواه السياسية المتناقضة في توجهاتها وشعاراتها إلى حد الاشتباك المفتوح على مدار الساعة.
فبدلاً من أن توحّد جريمة الاغتيال الإسرائيلية التي استهدفت المجاهدين الشقيقين محمود ونضال المجذوب يوم الجمعة الماضي، في قلب صيدا، تلك القوى ذات الموقف المشترك، حتى الماضي القريب، من العدو الإسرائيلي، والتي كانت ترفع شعارات الصمود للخطر الداهم الذي لا يحتاج إلى برهان أو توكيد،
.. وبدلاً من أن يتلاقى الجميع، في السلطة وخارجها، على إدانة الغارات الإسرائيلية التي مدّت نارها حتى الحدود السورية، وعمليات القصف التي غطت بقذائفها الحارقة كل الخط الأزرق على امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة،
وبدلاً من أن يتوحّد اللبنانيون في الموقف من هذا الخطر الذي عاد يعلن عن حضوره الثقيل مهدداً لأمنهم وأرزاقهم، بما فيها موسم الاصطياف الموعود،
بدلاً من ذلك كله صدرت مجموعة من المواقف عن قوى سياسية ذات تأثير، تظهر أن الانقسامات في لبنان باتت أعمق من أن تغطيها البيانات الإنشائية التي تستهجن الاعتداءات ثم توفر لها المعاذير بل والأسباب الموجبة في احتكار السلاح أو في تقصير السلطة في الالتزام بمنطوق القرار 1559 وتجريد المقاومة من سلاحها بوصفها ميليشيا.
وبينما تعبّر إسرائيل عن تهيّبها سلاح المقاومة، وإعادة حساباتها لتحديد مساحة اعتداءاتها على لبنان، وموافقتها السريعة على المسعى الدولي لوقف إطلاق النار، تجنباً لمواجهة أوسع، فإن بين القوى السياسية، وفيها من هو محسوب على الأكثرية التي يفترض فيها أنها تقود السلطة، من يخرج بموقف أقل ما يقال فيه أنه يخدم إسرائيل ويبرّر اعتداءاتها ويبرئها من دماء الشهداء الذين سقطوا في ميدان الشرف بعدما طاردتهم المخابرات الإسرائيلية زمناً طويلاً وفشلت في تصيّدهم أربع مرات، حتى تمكنت منهم في ظل هذا الشقاق اللبناني الذي يعطي إسرائيل أكثر مما تطلب.
أما في الداخل، فإن بعض أطراف الأكثرية يخوضون معارك يومية تحت شعار استكمال الاستيلاء على السلطة ، ويتصرفون كأنهم مجلس قيادة الثورة وقد أنجز انقلابه وبات على الإدارة والأجهزة الأمنية والقضاء أن تخضع لامتحان الولاء للعهد الجديد، يستبقي منها من يواليه (بغير نقاش) ويصرف منها كل جماعة العهد البائد، كائنة ما كانت مواقعهم، وبغض النظر عن الكفاءة والأقدمية والحصانة التي حوّلتها النكايات والأغراض إلى أثر بعد عين.
وفي ظل المناخ الطائفي السائد، والذي تتناوب القوى السياسية، سواء المحسوبة على الأكثرية أو المعارضة لها، على إهاجته وتسعيره، فإن الانقلاب يتحوّل إلى فتنة بين القوى التي كانت متحدة أو مؤتلفة ذات يوم على قاعدة سياسية عريضة تشكل حماية الوطن (والدولة) من الخطر الإسرائيلي إحدى أهم ركائزها.
وهكذا تبدو الدولة مهددة من داخلها، والوطن مهددا بعدوه الإسرائيلي، والسلطة لا تفعل غير التصادم على قرارات بيروقراطية مضمونها طائفي ومذهبي حتى لو مُوّهت بالسياسة.
إن الغارات في الداخل وعلى الداخل أكثر قسوة من الاعتداء الإسرائيلي.
… والآتي أعظم!

Exit mobile version