طلال سلمان

وظيفة لبنانية لجثة رابين

من بكركي تحديدù، وبقرار واعٍ، أطلق رئيس الجمهورية بشراه إلى اللبنانيين »بالصلح القريب جدù«… حتى لقد أغرى البعض من المستريبين أبدù، باستعادة الروايات القديمة التي طالما رُوِّجت عمدù وبتوقيت لافت، والتي لم تسحب من التداول كلية، ومفادها: »كبِّر عقلك. لقد انجز الأمر تمامù. لقد وقعوا، فعلاً، وما يجري ليس أكثر من ضرورات فنية يمليها الإخراج السياسي المتقن«!!
على ان الرئيس الياس الهراوي لم يكن يقصد الإيحاء بمثل هذا المعنى بل بنقيضه..
فهو يدرك، شأن أمثاله من المسؤولين المطّلعين على خفايا السياسات، أن »الصلح« بين سوريا (ومعها لبنان) وبين إسرائيل لم يتم قطعù، وانه قد يكون قريبù، خصوصù بعد التطورات الدراماتيكية، داخل الكيان الصهيوني، لكنه أبعد قليلاً مما أوحت به كلماته التي استبقت بتفاؤلها الغزير جلسات التفاوض التمهيدية المغلقة التي تبدأ اليوم، في جو يؤكد جديتها.
الأمور واضحة الآن: بالمسافات وموضوعات الخلاف، وكلها خطير لأنه مؤثر على صيغة المستقبل، بدءù بهوية هذه الأرض وانتهاءً بمصالح أهلها (ودولها)، ودورها في العالم.
ربما لهذا حدد رئيس الحكومة الاسرائيلية شيمون بيريز مدة »عشرة أشهر من المفاوضات الجدية والمكثفة«، استعدادù لاتخاذ »قرارات صعبة بشأن لبنان وسوريا«.
اذù لا بد من التفتيش عن معنى آخر قصده الرئيس الياس الهراوي ببشراه، قبل ان يتوجه الى رأس الكنيسة المارونية بالنصيحة عن ضرورة قيام الكنيسة بدورها الاجتماعي وتخصيص جزء من ريع املاكها والأوقاف لتحسين أحوال الفقراء والمعوزين.
مع استدراك لا بد منه: فالرئيس الهراوي لم يتوقف طويلاً عند »النداء الأخير« الذي أطلقه السينودس من أجل لبنان، وقد انعقد برعاية الفاتيكان وفي افيائه، برغم ما أثارت بعض فقراته السياسية من ردود فعل حادة ومتوترة غلب عليها الطابع النقدي المغلف بكل اللياقات والمجاملات المألوفة بين الطوائفيين.
لا تتبقى غير دلالة واحدة لبشرى الرئيس الهراوي هي التوكيد ان »الحكم«، وهو شخصيù بوصفه »الرئيس«، هو من يفاوض، وهو من يقرر في شأن المفاوضات، وهو من يعلن النجاح أو الفشل فيها، وهو من يتحمل المسؤولية عن النتائج.
الحكم وليس أية جهة أخرى، مدنية أو روحية،
الحكم هو الجالس فعلاً الى طاولة المفاوضات، وهو وليس غيره صاحب القرار، وبالتالي فلا مبرر لتجاوزه، أو إدانة قصوره أو تقصيره.
والحكم بالتالي ليس بقاصر، ولا يحتاج الى وصاية، ولا تمارَس عليه وصاية، وهو في سن الرشد ومؤهل لاتخاذ القرارات المصيرية، ولا يحتاج الى تحريض كما لا يقبل التعريض، وهو يخوض غمار المعركة الصعبة في حين ان »غيره« مقصر في أمور أبسط، هي في صلب واجباته، ولكنه لا يؤديها ولا يوليها اهتمامه المركز كلية على تسجيل العيوب والنواقص والهفوات في مسلك الحكم، وفي تصرفات »الرئيس الأول« بالذات.
إنه الهجوم المضاد.
ولعل اللحظة السياسية هي التي وفرت للرئيس الهراوي الفرصة الذهبية لهذا الهجوم، بدل ان يظل قابعù في موقف دفاعي ضعيف.
جثة اسحق رابين لها وظيفة سياسية في بيروت أيضù.
بقي أن يكون »أسلوب« شيمون بيريز »مثمرù« بقدر جثة سلفه، وألا يتشدد »الكنيست« مع المتطلع الى زعامة اسرائيل ودور »بطل السلام«، بقدر تشدد الكنيسة في لبنان مع رئيس المصادفة الذي جعلته الأقدار أو تكاد تجعله »الرئيس التاريخي« عن »حق وحقيقة«، كما يقول عامة اللبنانيين!

Exit mobile version