طلال سلمان

وطننا الأفريقي وقادته الكبار…

يحس العرب عموماً، واللبنانيون منهم على وجه الخصوص، بصلة قربى حميمة مع الأفارقة.
فالعرب ليسوا فقط جيران أفريقيا الأقربين، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وبامتداد الشرق، ولكنهم قبل ذلك يشكلون أكثر من ثلث عدد سكان أفريقيا.
وتكاد لا تخلو صفحة من التاريخ العربي، قديمه وحديثه من ذكر الأفارقة، كأخوة في الدين، أو كرفاق سلاح في معارك التحرر والاستقلال والوحدة، أو كشراء في المصير: إذا أصاب العرب خيراً نالهم منه نصيب، وإن خسر العرب وتراجعوا لحقهم سهم من الخسارة.
إنهم في مرتبة تدنو من الاخ الشقيق، في الجغرافيا كما في التاريخ، في الدين كما في الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي جعلتهم شركاء في الاضطهاد والظلم.
ثم جاء دور المغتربين اللبنانيين ليعطوا هذه العلاقة الوثيقة أبعاداً إضافية، فصارت بيننا خؤولة، عبر المصاهرات، وتنامت المصالح المشتركة حتى قام منها جسر إضافي يرفد صلة الرحم بالفوائد المتبادلة.
لهذا فقد كان العرب عموماً واللبنانيون خصوصاً طرفاً في كل معارك أفريقيا من أجل أن تكون ذاتها، وأن تكون لألها لا للمحتل الأجنبي، ولا للمستغل أو المحتكر الذي يريد أن يزيد من أرباحه بأي ثمن وعلى حساب الأرض واصحابها الشرعيين.
ولهذا ارتبط العرب عموماً بأبطال أفريقيا عن وعي بوحدة المصير وليس بتأثير العاطفة والانفعال فحسب.
إن صور العديد من أبطال النضال الأفريقي من أجل التحرر، تحتل موقع الصدارة. في بيروت كثرة من اللبنانيين جنباً إلى جنب مع أبطال حركة التحرر العربية والاستقلال الوطني.
وبين الذين يسكنون في ذاكرة اللبنانيين خصوصاً الراحل الكبير هوفيه بوانييه.
إنه يكاد يكون “زعيماً لبنانياً”، أو أنه في أقل تقدير قدوة للزعماء السياسيين المحليين، يتخذ منه المواطن مثالاً للحكمة والبراعة في قيادة السفينة الصغيرة في أعالي البحار.
وإضافة إلى أن ساحل العاج هي وطن ثان للبنانيين عموماً، وربما وطن أول للكثير منهم، يهتمون لكل ما يجري فيها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فإن “رئيسها الدائم” كان عظيم الحضور في الحياة اليومية للبناني العادي، يتحدث عنه وكأنه يعرفه معرفة شخصية، فإذا العاطفة تغالب الإعجاب، خصوصاً في موقفه من المغتربين اللبنانيين وبالذات من ذويهم الذين التحقوا بهم في العشرين سنة الماضية هرباً من الحرب وطلباً للحياة.
لم يكن هو فيه بوانييه رئيساً أجنبياً. كان مزيجاً من “الأب” و”الأخ” و”الضمانة” و”المضيف الكريم” وكذلك من “السياسي المحنك” وصاحب التجربة العريضة في مصارعة القوى العالمية الطامعة في بلاده كما في كل أفريقيا.
لكل ذلك فإن اللبنانيين يشعرون بأنهم قد خسروا برحيله كثيراً! لقد فقدوا صديقاً كبيراً، وأخاً عطوفاً، وقائداً كبرت به بلاده الصغيرة فاحتلت. نتيجة لكفاءاته العالية – مكانة ممتازة على الصعيد الأفريقي، وهي مكانة قصرت عن بلوغها أقطار أفريقية أخرى أكبر بكثير من ساحل العاج وأغنى بإمكاناىتها ومواردها الطبيعية.
وما يتمناه العرب، وفي طليعتهم اللبنانيون، أن تستمر ساحل العاج ما كانته بالنسبة إليهم دائماً: أي البلد الصديق حتى ليكاد يكون شقيقاً، الذي يسهمون في بنانئه وتطوره فيعطيهم الفرصة لكي يثبتوا جدارتهم وصداقتهم بل أخوتهم للأفارقة عموماً ولأوطانهم الثانية (وربما الأولى) في القاهرة العربية القلب والتي تستوطن القلب العربي.

Exit mobile version