طلال سلمان

وضع عربي بلغة مونديال

لعل العرب قد استعادوا بعض وعيهم الآن وقد انتهت مباريات كأس العالم في كرة القدم بنصر برازيلي قد يعوّض بعض شعورهم بالمهانة نتيجة هزيمتهم السعودية النكراء…
لعلهم وقد هدأت نفوسهم واستعادوا فراغ الوقت وافتقاد القرار يلتفتون مجدداً إلى ما كانوا فيه وما هم باقون فيه من هموم ثقيلة ومن ضياع عن الاتجاه الصحيح سواء في فلسطين وما يدبر فيها ولها مما يعجزون عن وقفه، أو في العراق والمخططات المعلنة لضربه وتدمير ما تبقى من بنيانه،
هذا دون أن نغفل التهديدات المتواترة إسرائيلياً والموجهة لسوريا ولبنان، سواء عبر المطالبة »بالتخلص« من »حزب الله« أو بالتوقف عن إيواء »المنظمات الإرهابية الفلسطينية«، أو بضرورة الامتناع عن الاعتراض مجرد الاعتراض على حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعب فلسطين في ما تبقى من أرضه ومن سلطته المتهالكة سياسياً وعسكرياً والمطلوب رأسها بذريعة أنه لا يتناسب مع آخر موديلات الديموقراطية الأميركية.
فأما في لبنان فالهدوء ولله الحمد كامل شامل، والجو رايق وصافٍ بعد وقف عملية تفجير الجسر المفخخ في الأوزاعي والتي التبس على البعض توقيتها واستهدافاتها فرأوا فيها فصلاً إضافياً من فصول الحرب الكبرى التي تتوالى فصولها المأساوية على امتداد هذا المشرق العربي الفسيح!
وممّا يعزز الهدوء وصفاء الجو أن »الحكم« غائب، بجناحيه المتعاركين أبداً، وكلٌ يمضي »إجازة« حيث يرتاح ومع من يريحه، استعداداً للجولة الجديدة من الصراع المفتوح والتي قد يكون عنوانها الهاتف الخلوي أو خصخصة بعض مؤسسات القطاع العام التي نسمع عنها كثيراً ثم لا نرى ما يؤكد أنها قيد التنفيذ، أو ممكنة التنفيذ، فضلاً عن صدقية الأرقام المقدرة كمردود صافٍ لبيعها إذا ما توفر الشاري، ثم تأثيرها على خفض الأرقام الفلكية للدين العام أو لخدمته التي تأكل الآن نصف خبزنا.
* * *
عقد الرعب ألسنة أنظمة العجز العربية فلم تجرؤ على الاعتراض أو التحفظ على ما أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش من »رؤى« حول فلسطين و»دولتها المؤقتة« والمرجأ إعلانها إلى ما بعد الإصلاح السياسي والاقتصادي والأمني والمالي والقضائي والزراعي والتربوي، وإلى ما بعد النجاح في امتحان الديموقراطية تحت إشراف رسول الديموقراطية في الألفية الثالثة: أرييل شارون!
لكن الرعب لم يمنع بعض هذه الأنظمة من اتهام البعض الآخر بأنه قد تعهَّد بتسويق هذه »الرؤية« مستفيداً من خبرته في تسويق »المبادرات«، في حين رد المتهم بالادعاء أن »غيره« قد أسهم في إقناع الإدارة الأميركية بأن العرب جاهزون لقبول أي شيء وما عليها إلا أن تعلن ارادتها فيكون ما تقول، بمعزل عن إرادة الفلسطينيين، الذين يمكن أن يكتفوا »بوعد« جورج بوش فيوقفوا انتفاضتهم آمنين!
ومؤكد أن هذا الوضع العربي قد أغرى الإدارة الأميركية بأن تفرض مناخ الحرب على العراق لتغطي بها حرب شارون على فلسطين ولتلزم الأطراف العربية المعنية جميعاً بموقف دفاعي ضعيف يلهي كلاً منها بمحاولة إنقاذ رأسه ولو على حساب الأمة كلها.
كذلك فإن حالة العجز العربي ستكمل طوق الحصار على فلسطين بما قد يدفع التعارض بين »سلطتها« المستضعفة وفاقدة السلطة على »أراضيها«، وبين فصائل المقاومة الفلسطينية، إلى شفا الحرب الأهلية التي يرشحون غزة لتكون مسرحها الدموي الأخير!
ومؤكد أن حكايات القيادة الفلسطينية البديلة، وما رافقها من تسريبات عن مداولات أميركية عربية، وعن مقترحات قدمها أطراف فلسطينيون وعن ترشيحات أوحت بها »أوساط دولية صديقة« أو كُلِّفت بالعمل من أجلها لوقف المذبحة الإسرائيلية القائمة حالياً، ولمنع المذبحة الفلسطينية المقبلة، كل ذلك قد سمم الأجواء العربية العربية والفلسطينية العربية، إذا جاز مثل هذا التوصيف.
بالمقابل فإن خطة أميركية مشابهة حول العراق يجري التسويق لها بتسميم الأجواء ومحاولة تحريض كل طرف عراقي على الآخر، مرة بالإيحاء أن الأكراد جاهزون، فإذا ما كذَّب الأكراد هذا الادعاء تركزت الدعاية على »الشيعة«، فإذا ما ثبت كذبه إعيد التركيز على »العملية الخاصة« المعدة باتقان للخلاص من صدام حسين باغتياله بالسمّ أو بالرصاص أو بالغارة الجوية أو بتدمير بغداد وضواحيها… لا يهم!
لقد بات العرب موضوع تندر وتسلية وتمارين حربية..
والمصير العربي، بمنطق المونديال، أشبه بكرة يتقاذفها البطلان اللذان لا يُقهران ولا قِبَل لأحد بمواجهتما: أرييل شارون الإسرائيلي وجورج و. بوش الأميركي، وهما اثنان في واحد إذ لا فاصل بينهما ولا قدرة على تمييز الحدود.
المهم أن البرازيل قد فازت »لنا«، ويكفينا بهذا النصر نصيباً من دنيانا.
وأقصى أمانينا الآن ألا تنجح الولايات المتحدة الأميركية في اختراع »تحالف شمال« في العراق، أو تنجح إسرائيل في دفع »السلطة« الى الاشتباك مع شعبها في ما تبقى من الضفة الغربية ثم في المحطة الأخيرة: غزة بني هاشم..
والحمد لله أن شعوبنا، وبرغم كل المحن، ما تزال أرقى من القيادات التاريخية بل والأسطورية والدائمة والباقية ما بقي الاحتلال.. حديثه والقد

Exit mobile version