طلال سلمان

وصاية دولية بدلا من احتلال

بين أهم ما يفترض أن تنجزه جولة رئيس الجمهورية على معظم دول الجزيرة والخليج العربي ومن ثم مصر، بعد محطة ذات أهمية استثنائية في إيران الثورة الإسلامية، هو أن توحد القراءة، ومن ثم الاستنتاجات، في ما يتصل بإعلان إسرائيل (المتأخر جدا عن موعده) قبولها القرار 425 وسط عاصفة من التأييد الدولي غير المسبوق، وكأن أحدا لا يصدق، وبالتالي فإن الكل يتبرع للمساعدة على تنفيذه على الأرض… اللبنانية بطبيعة الحال.
ذلك أن ثمة أكثر من قراءة للقرار الإسرائيلي،
وثمة من يعيد النظر في فهمه لنص القرار الدولي ومضمونه بما يتلاءم مع التفسير الإسرائيلي الجديد، وهو تفسير يتصل باللحظة السياسية الراهنة، وإمكان سحب هذا السلاح من يد لبنان لاستخدامه ضد لبنان وضد سوريا في سوريا وضد سوريا في لبنان!
نص القرار الدولي قاطع في وضوحه. ومضمونه قاطع في تحديد التفاصيل بحيث لا مجال للالتباس أو سوء الفهم.
مع ذلك، فإن »حرب القرار 425« تتخذ سياقاً يكاد يُخرج القرار من نصه ومضمونه معاً،
فهناك، بين الدول »الصديقة« من يريد استغلال هذا »الخضوع« الإسرائيلي المتأخر، والمفاجئ، لقرار »الشرعية الدولية« سحب قوات احتلالها من لبنان، لتبرير »إخضاع« لبنان (وبعد تحرير أرضه من هذا الاحتلال) الى »وصاية دولية«،
وهناك بين الدول »الصديقة« من باشر الجهد بإعلان استعداده للمساهمة عسكرياً في ضمان أمن »الحدود«، أي ضمان أمن إسرائيل، بما يمكِّن لبنان الصغير والضعيف والمرتهنة إرادته، لكي يلتفت إلى معركته الحقيقية وهي »تحرير نفسه« من »الوجود السوري«!!
»حرب القرار 425« مفتوحة، إذن،
فإسرائيل التي تنسحب من لبنان مرغمة، تريد أن يأتي العالم كله لحمايتها من الدم اللبناني المقاوم، بدل ان تظل هذه المهمة محصورة بقواتها العسكرية التي كاد بعض قادتها والكثير من عناصرها يجهرون برفضهم الموت في »الجحيم اللبناني« الى حد التمرد،
وفوق هذا فإسرائيل التي تخلي نقاطاً ضعيفة على خط المواجهة العسكرية، إنما تحضر لهجوم سياسي مضاد يشمل سوريا اضافة الى لبنان كله،
وتوحيد القراءة للتحرك الاسرائيلي واستهدافاته يفترض ان يؤدي الى وضع خطة لمواجهة هذا الهجوم السياسي الذي يرفع شعارا لبنانيا، هو تنفيذ القرار 425، لكي يحقق اغراضا عديدة تعذر على اسرائيل ان تحققها بجهدها المنفرد، ليس اولها ضمان امن حدودها وليس آخرها محاولة عزل سوريا واستفرادها واستعداء العالم عليها، ودائماً انطلاقاً من »المسرح اللبناني« وانتهاء به.
كذلك فان توحيد القراءة يفترض ان يركز على:
1 ان اعتراف اسرائيل بالقرار 425 لا يحول مضمونه الى نقيضه، ولا هو يتسع لما تطمع اسرائيل في فرضه على لبنان،
2 ان لبنان هو المرجع الصالح، الاول والاخير، لتنفيذ هذا القرار: فهو الذي يحدد المهمة التنفيذية الموكولة الى قوات الطوارئ الدولية، أين ومتى وكيف وبأي مدى، وهو الذي يوافق او لا يوافق على زيادة عديدها او تعزيز قدراتها القتالية الخ.
3 ان لبنان يرفض ان يكون حرس حدود للاحتلال الاسرائيلي
وبديهي ان يرفض ايضا ان تكون ارضه (المحررة) مركز حراسة دولية لهذا الاحتلال لبعض ارضه، او لبعض ارض اشقائه سواء في سوريا او في فلسطين، وبرغم كل ما بينه وبين »السلطة الفلسطينية«.
4 ان القرار 425 وضع من اجل لبنان وليس من اجل إدامة الاحتلال الاسرائيلي او تأمينه، وبديهي ان يتطابق التنفيذ مع نص القرار ومضمونه، لا ان يأتي لمسخ المضمون وقلبه الى النقيض تماما.
ان للبنان رصيداً ممتازاً، ليس فقط نتيجة لدوره في الماضي، بل لانجازاته في الحاضر الراهن، وأعظمها أثراً ما حققه دمه المقاوم في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.
ولعل لبنان واحد من قلة من الدول التي تلقى مثل هذه الحفاوة وهذا الاهتمام وهذا الاستعداد للعون، في كل من الرياض والكويت والامارات المتحدة والبحرين وقطر وإيران ومصر معاً (وهي الدول التي شملتها الجولة الرئاسية)، هو استحقاق ناله بدمه وبصموده، وأصاب خيره العرب جميعاً في كل ارضهم… وهم يردون له الآن بعض عطائه المميز.
وبالتأكيد فإن بلداً على مثل هذه القوة لا يحتاج، وهو لن يقبل قطعاً ان يتحرر من الاحتلال الاسرائيلي لكي تفرض عليه الوصاية الدولية، او ان تتحول قوات الطوارئ الدولية التي جاءته للمساعدة على بسط سيادته على ارضه الى حرس حدود لحماية الاحتلال الاسرائيلي، تتخذ من ارضه القاعدة والمنطلق، وتقلب بنادقها الى صدور اهاليه، بمن في ذلك وبالاساس الطليعة المجاهدة من مقاوميه الابطال.

Exit mobile version