طلال سلمان

وزراء في مخيمات عار

هي ثمرة طيبة لمؤتمر الحوار الوطني أن »يتوغل« وفد وزاري لبناني في »مجاهل« مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي طالما نظرت إليها، بل وعاملتها، السلطة في لبنان ومعها معظم القوى السياسية، وكأنها »دولة في قلب الدولة«، يعادل دخولها »الحرب« التي لا قبل لأحد بكلفتها المادية والمعنوية، وهي الأخطر.
ثم انها المرة الأولى التي يرى فيها أبناء مخيمات اللجوء الفلسطيني بعض أصحاب المعالي من أهل السلطة في لبنان، على الطبيعة، يجوسون في الأزقة الضيقة التي لا تتسع للمواكب السيارة، ويتحركون بصعوبة بين طوابير البشر الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية… وأي عيش!
انها بادرة طيبة، ولو انها تأخرت عقوداً، ولعلها تعيد تصحيح الصورة عن هؤلاء الألوف المؤلفة من »الأخوة« المتروكين للريح، ممن لا »دولة« لهم تحميهم بنفوذها خارج حدودها، ولا مرجعية عربية معنية بحياتهم أو موتهم، في حين ان وكالة الغوث التي أقيمت بالأصل من أجلهم تتضاءل موازناتها عاماً بعد عام، ويتقلص دورها الاجتماعي التعليمي التشغيلي شهراً بعد شهر، حتى لقد بات وجودها »رمزياً« لا يرد غائلة الجوع عن هذه الطوابير من العائلات بشيوخها وأطفالها، بشبابها وفتيتها، بأثقال المرض والبطالة وانسداد آفاق الأمل:
ان هؤلاء المحاصرين باليأس، المنبوذين في مجتمعات قد تعطيهم من عاطفتها قدراً مقبولاً، ولكنها لا تستطيع ان تساعدهم في مواجهة أزمة وجودهم، بكل تفاصيلها، يعانون أكثر ما يعانون من الشعور بالمهانة: لكأنهم محكومون بالفقر المذل! ممنوعون من ان يبيعوا طاقة عملهم، جهد الزنود وعرق الجباه، لهذا المجتمع الشقيق وقد جاءوا إليه مرغمين وقبلهم مرغماً.
ان هؤلاء المطاردين بلعنة »التوطين« يزدادون »فلسطينية« على مدار الساعة، لا يريدون ولا يطلبون أكثر من ان يعاملوا كبشر، وما تزال اعناقهم ملوية إلى الخلف: في اتجاه وطنهم، فلسطين… لكن من حقهم ان يعيشوا، ان يأكلوا بتعبهم، ان يسكنوا في بيوت لا تنهار سقوفها مع أول زخة مطر، ولا تتهاوى جدرانها المتهالكة بسبب من ضغط الأعداد المتزايدة للأسر التي لم تجد لها مأوى خارج المخيم.
ومع ان المبادرة الحكومية بإيفاد فرقة استطلاع واستكشاف داخل هذه »الغيتوات« المحاصرة بالفقر وانعدام الخدمات والاكتظاظ الخانق في سراديب تكاد النفايات والفضلات تسد زواريبها الضيقة، تستحق التنويه، فإنها ليست أكثر من إعلان الاعتراف بالخطأ المتمادي.
إن كثيراً من اللبنانيين لا يرون من »الفلسطيني« إلا سلاحه المتهافت (إذا ما قورن بالفانتوم الإسرائيلية والآباتشي الأميركية) وينسون انه انسان من لحم ودم، وأب أو أم لبضعة أولاد، بالكاد يجدون ما يأكلونه، ان هم طلبوا العلم فاقموا مشكلتهم بالبطالة، وان هم تركوا المدرسة لم يجدوا ما يقيمون به الأود، وان هم تزوجوا لم يجدوا سكناً ولو في اتساع زنزانة… نظيفة!
ان اوضاع المخيمات شهادة عار على اللبنانيين عموماً، وعلى سلطتهم خصوصاً، لا سيما بعد القانون العنصري الذي يمنع الفلسطيني من تملك شقة.. مجرد شقة!
اننا نفرض عليهم ظروف عيش غير إنسانية ثم نطالبهم بالانضباط والانتظام والالتزام بموجبات »الضيف الثقيل« الذي لا نستطيع طرده حتى لو أردنا، ولا نعامله بالقانون مع مراعاة الحد الأدنى من حقوقه كإنسان.
جيد أن يتوغل طابور من الوزراء في »مجاهل« المخيمات الفلسطينية، ولكن المطلوب ان تكون لهذه الزيارة نتائج عملية أكثر من الصور التذكارية والتصريحات التي تبيع هؤلاء المحرومين من وطنهم، والممنوعين من حقوقهم المدنية، عواطف لا تسمن ولا تغني من جوع…
علينا ان نسعى لأن نزيل عن جبين لبنان وصمة العار هذه، ليس من أجل الفلسطينيين، بل أساساً من أجل اللبنانيين، بأن نشركهم في بؤسنا.. بشيء من الكرامة.

Exit mobile version