طلال سلمان

وداعاً… او إلى اللقاء؟

ما الذي حدث او الذي لم يحدث حتى الآن؟

أتلفنا مئة عام من عمر لبنان. قضينا على الماضي برمته. صار رماداً واطلالاً. ما كان جميلاً دُفن. وما كان قبيحاً تم احياؤه. لعنة اللاوطن تلاحقنا. لعنة القراصنة تنقصنا. الاديان والمذاهب تحوَّلت إلى ناي للإلحاد السياسي. لا بقعة سماء في ذلك الماضي الراهن دائماً. لم ننجح إلا في البهورة والتغني بما وهبته الطبيعة، لا بما صنعناه نحن. الماضي اطلال، ” قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزلِ”.

من ذلك الماضي النتن والقذر والتافه، خرج هذا الحاضر. مستحيل أن تنجب المسوخ الطائفية “المقدسة شعبياً”، حاضراً مؤهلاً لصيانة الحياة. موتنا كان رهانا ناجحاً لهم. دفنونا احياء. اقتلعوا أحلامنا. عقموا عقولنا. ذبحوا الآمال المتواضعة. لم يوفر الحاضر سوى المزيد من القلق حتى بلغنا حافة الهستيريا.

فما الذي سيحدث غداً؟

لا أعرف. لست ارى بارقة امل وبصيص ضوء. لقد دمروا المستقبل كذلك. الا ترونهم كيف يتفيأون افكارهم ومواقفهم. حفلات الجنون ليست كذلك. لعنة الستة ستلاحقنا. والستة كانوا من زمان بعيد او من زمان قريب، قراصنة في السياسة وزناديق في الوطنية. تصوروا: انهم اعداء متفقون على عدم الفراق. إما يكونون معاً أو لا يكون أحد سواهم. حلف الاعداء هذا، هو “الميثاق الوطني القديم والجديد”. مساكين أولئك الذين حلموا بلبنان. الشعر كان كاذباً. لا يستحق لبنان قصيدة او اغنية او مسرحية. يستحق الرثاء البليد والمعاد والمكرر. يستثنى من ذلك من كان من صعاليك الثقافة الكبار.

لا غد غداً. الآتي موغل في التوحش السياسي والدمار الوطني. المستحيل خلفنا وامامنا وقدامنا. لا شفاء من لبنان، الذي هو لبنانهم، ولبنان الناس المتمسكين بأذناب هذه المسوخ الطائفية.

لا شك بالعبقرية اللبنانية الفردية. الافراد نجوا من التبعية. هاجروا. نجحوا. كسبوا. حلموا بلبنان من بعيد. لم ييأسوا بعد. انهم يحبون من بعيد. لو كانوا هنا، لكانوا من الكافرين القديسين. لكانوا نفضوا غبار احلامهم، كما ننفض احذيتنا المهلهلة.

يتساءل اللبنانيون إلى اين؟

الجواب: كل الطرق تؤدي إلى بقاء لبنان مخلعاً. مشلولاً. فاشلاً. كئيباً. بل سيمعن أكثر في الشقاء. هو ماضٍ، بعناية القادة الستة ومن معهم، إلى اسفل الاسافيل… اسمعوهم. لم يتعلموا ولن يتعلموا. الثورة مسخوها من التاريخ. الكورونا عاثوا فيها انتشاراً. الاصلاح يكاد يدمر ما تبقى من لبنان، والاصلاح المالي سيذيب مدخرات اللبنانيين. أما الانفجار الكبير، فإنه ليس خاتمة الاحزان، بل هو باب من ابواب الجحيم اللبناني.

هل نعِّول على دول العالم؟

طبعاً. هكذا اعتادوا. من نظام القائمقاميتين إلى المتصرفية إلى تأليف الكيان على طوائف وانقسام لبنان مذهبياً. اعتادوا على الدعم الخارجي المتصارع. تاريخ لبنان السياسي، هو تاريخ ممارسته سياسة الالتجاء الخروج والمتناقض للمحاور، العربية، الغربية، الايرانية ال… كل ابن سياسة حضر إلى لبنان كي يخدمه اللبنانيون. سلام اللبنانيين فيما بينهم، تحرسه الخناجر المختبئة خلف ظهور ” الشركاء القذرين في الوطن”. وهو ليس وطنا بالمرة.

الآن، وبعد اندلاع جحيم الانفجار، ركض الجميع لستر هذا العار. يتبرأون منه. “ما خصنا”. ما أفدح كذبهم. ما اوقح كلامهم. انهم مهتمون، ولذلك لا يجرأون على الظهور في الشوارع والساحات يفضلون عليها غلالة الشاشات الفالتة من عقالها ومن عقولها. عيب أن يشبه الاعلام هؤلاء القراصنة.

هل هذا يعني أن لبنان مستحيل؟

تقريبا. جداً. حقيقة. انه لكذلك. سأترك لكم أن تتخيلوا الحلول المجرمة التي يتداولونها. يصح القول فيهم “وعلى ثيابي اقترعوا”. لقد صلبوه مراراً، وعلى ردائه اختلفوا وتفاوضوا ولكل واحد حصة. تزول الآلهة ولا تزول الطائفية… اني اراهن على ذلك. الطائفية اقوى من الله ومن الانبياء ومن الديانات.

أيها اللبنانيون، لا تحلموا ابداً بوطن. لا تحلموا بديموقراطية. لا تحلموا بمواطنة. لا تحلموا ابداً… توقعوا الكوابيس، خاصة بعدما أفرغ من لبنان كل إمكان. حتى تلك الثورة البهية، اسقطوها,. حتى تلك الحكومة الهزيلة، لم يتحملوا شبه استقلاليتها… هؤلاء هم شياطين لبنان، وهذا اللبنان جحيمهم المفضل.

التشاؤم صحي وبناء. التفاؤل مرض وغباء. تشاءموا حتى تصلوا إلى السؤال: ما العمل؟

لا جواب سهلا عن السؤال.

لعله من المفيد أن يقال لهم: هذا لبنانكم فخذوه. اما لبنانا فهو ضدكم، من كل الاتجاهات. لبنان الجديد بحاجة إلى ألفباء الثورة. ثورة 17 تشرين كتبت الألفباء. الآن، حان وقت تركيب الجمل المفيدة، ورسم الخطوات الاكيدة. ولا خطر على الثورة إلا من داخلها، خاصة وان بعض “الثوار”، على صلة وثيقة ببعض اركان النظام. هؤلاء هم اعداء الثورة. لأنهم ضد القطع مع الكل.

بعد كل هذا الخراب، وعمره قرن، لا ايمان عندنا الا بالمستحيل الوطني. والوطن يبنيه مواطنون، لا طائفيون. ولقد قلنا ذلك أكثر من ألف مرة.

أفضل أن اقول: إلى اللقاء. ولن اجرؤ على التلفظ بكلمة: “وداعاً يا احبتي”.

Exit mobile version