طلال سلمان

وداعاً أيها »الحكيم«

بهدوء ينسجم مع طبيعته انسحب الدكتور نزيه البزري من حياتنا مرتاحا الى أنه لم يقصر في أمر انتدب نفسه لإنجازه، ولم يتخلف عن واجب ناداه بل غالبا ما سعى اليه فأداه بصمت من قبل أن يناديه.
انسحب بهدوء بحيث أنك تفترض أنه ما زال حاضرا في انتظار صاحب الحاجة الى استشارة أو الى رأي مستنير أو الى نصيحة عاقلة… أما الموقف القومي فلقد كان يبادر اليه فيسبق ويكون الداعي لا الملبي، يقدم ما يستطيع، ثم يعود الى صومعة هدوئه واثقا من قدرة أمته على تحقيق أمانيها مهما طال الطريق وتزايدت الصعاب التي كان يعرف أن معظمها من إنتاج »الداخل« وإن استثمرها »الخارج«.
واحد من قلة صارت كلمة »الحكيم« تدل عليه وحده من دون غيره من الأطباء، بأجيالهم التي زاملته أو وعت عليه والذين كان من بينهم من أتيحت له فرصة تحصيل ما لم يكن متاحا في زمانه.
هو »الحكيم«، وغيره »أطباء«، بغير أن ينقص تقدير الناس لمكانتهم العلمية، أو لتخصصاتهم.
وهو »الحكيم« في السياسة أيضا، بغير أن يؤثر توصيفه هذا على منافسيه وأقرانه، ولا سيما منهم الوجه الشعبي للعمل السياسي والنضالي في صيدا والجنوب الشهيد معروف سعد.
ربما لهذا اتخذت المنافسة في صيدا طابعا سلميا راقيا حتى في عز احتدامه، وحفظ المحازبون لكل من »القطبين« تقديرا للثاني ولاجتهاده في خدمة عاصمة الجنوب ودرته العريقة في تاريخ الجهاد: صيدا.
وداعا أيها »الحكيم« الذي سنتذكره دائما، والذي لا يمكن أن يغفل من سيرته السياسية أنه كان أحد الجنود »المجهولين« في حرب 1973 المجيدة، فشكل بموقعه الرسمي كما بموقفه أحد وجوه المشاركة المباشرة للبنان مع سوريا ومصر في تلك المحاولة العربية المجيدة لإسقاط ليل الهزيمة.

Exit mobile version