طلال سلمان

وحدة حكم وثمنها

افتدى الحكم وحدته بمؤسساته.
فخلال الأسابيع القليلة الماضية تبدت رئاسة الجمهورية وكأنها بلا حصانة، ليس في وجه المعارضات المتعددة، بل وكذلك أمام »شركائها« المباشرين في مسؤولية القرار.
… وتبدت الحكومة، بشخص رئيسها، وكأنها مهمشة أو مستبعدة تماماً عن »القرار الأمني«. وقيل في التفسير إن هذا الموقف منها قد استدعاه اختلاف النظرة الى العلاقة الجدلية بين الأمني والسياسي، وخصوصاً ان السياسة هي مصدر القرار الأمني: منها ينبع وعليها يُبنى.
وفي ذروة احتدام »الصراع« لحماية الحصانة أو الدور، انزلق المجلس النيابي الى موقع الطرف، بقصد أو من دون قصد، عبر إقراره القانون الذي سيغدو بعد الآن »علامة فارقة« في تاريخ التشريع، وهو »أصول المحاكمات الجزائية«.
كان المجلس قد أقر صيغة متقدمة لهذا القانون، ظاهرها توفير مزيد من الضمانات للمتهمين أو الموقوفين على ذمة التحقيق مجاراة للموجة العالمية التي تتخذ أكثر فأكثر شكل المطلب الأميركي (والأوروبي) الملح تحت عنوان »حقوق الانسان«.
لكن المجلس أغفل سهواً أو انه قفز عمداً عن خطورة الاوضاع الأمنية التي تحركها وتتحكم بمسارها السياسات، لا سيما في وطن صغير وضعته الأقدار في قلب دوامة الصراع المصيري مع الكيان الصهيوني، وكانت الذريعة المنطقية: اننا نشرّع للغد، وليس لمرحلة أرييل شارون وموجة التطرف الاسرائيلي التي تحكم مسار الأحداث في المنطقة اليوم والتي لا يمكن ان تدوم الى الأبد.
وهكذا فقد ردّ رئيس الجمهورية القانون الى المجلس مرفقاً بالعديد من التعديلات المقترحة، تحت وطأة الهاجس الأمني والتخوف من احتمال لا يمكن استبعاده تماماً، هو إمكان ان تلجأ اسرائيل وقوى أخرى الى محاولة »التخريب« في لبنان، مستفيدة من تعارضات وإشكالات سياسية داخلية، ومن الانعكاسات المباشرة للأزمة الاقتصادية على الشارع، مما يفرض »حالة ضبط« لأي تحرك محتمل، من ضمن »الاصول« وليس من خارجها، وفي ظل ما يشبه »حالة الطوارئ«.
وتلقت رئاسة الجمهورية لطمة بإقرار المشروع من دون التعديلات المطلوبة، مما »كشفها« أمام المعارضة الخارجية التي بدا وكأن الحكومة والمجلس النيابي قد انخرطا فيها، ولا سيما ان صورة »الغداء الثلاثي« كانت مثيرة لريبة من يريد ان يستريب.
وكان لا بد من »تسوية« ترمم حصانة الرئاسة، بغير ان تكون »هزيمة« للمجلس أساساً، ومن ثم للحكومة التي »تواطأت« بغالبيتها معه، فكان ان وقّع رئيس الجمهورية القانون ونشره، مقابل تعهد مُلزم بأن يتولى المجلس إدخال التعديلات المطلوبة باقتراح نيابي، للمحافظة ولو في الشكل على القاعدة الذهبية القائلة ان »المجلس سيد نفسه«.
في هذه الفترة بالذات تمت جولة البطريرك الماروني في بعض الجبل، بكل ما حفلت به من مظاهر الحفاوة والترحيب، والتي لم تخل من إشكالات وتصرفات شكّل بعضها مساً مباشراً بكرامة الرئاسة وليس بحصانتها أو بهيبتها فحسب.
ومن المؤكد ان بعض ما تعرضت له رئاسة الجمهورية كان في »خلفية« التدابير الأمنية القاسية التي تجاوزت المألوف، خلال الاسبوع الماضي، وقبل ان تتكشف حكاية الاتصال بين »المستشار السياسي في القوات اللبنانية« وبين بعض المسؤولين الاسرائيليين.
ثم كانت جلسة المبارزة العلنية في مجلس الوزراء، التي كان لا بد من ان تنتهي »بتسوية« في ظل المعادلة المقلوبة التي مفادها: الاستقالة مستحيلة والاتفاق متعذر، والخلاف ممنوع إعلانه، لأن »الشارع« يتربص بالجميع تحت ظلال الأزمة الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة.
أمس، وفي جلسة التعديل الاستثنائي والطارئ للقانون، كان على المجلس النيابي كما على الحكومة، ان يعودا الى موقع التضامن الكلي والمطلق مع رئاسة الجمهورية.
لقد توزعت الخسائر على المؤسسات الثلاث، فتأكدت وحدة الحكم سلباً. وليس رئيس الحكومة وحده من يستطيع القول ان لا بديل منه، بل كذلك شريكاه اللذان يتقدمانه في البروتوكول ويتقدمهما في مواجهة »الشارع«.

Exit mobile version