طلال سلمان

وبين ديموقراطيتين!

بينما السلطة في لبنان تلغي الانتخابات البلدية المعطَّلة منذ ثلث قرن بذريعة الحرص على الوحدة الوطنية، وترجئ الانتخابات النيابية من قبل ان يحين موعدها بعد ثلاث سنوات وثلاثة اشهر بذريعة الحرص على موسم الاصطياف في العام ألفين،
وبينما المجلس الدستوري غارق في الإشكالات الداخلية نتيجةً للضغوط من الخارج، او بفعل المزايدات والمناقصات في الداخل، مما يعطل كلمته الفصل في الطعون المقدمة اليه من مرشحين يرون انهم حُرموا من النيابة بغير وجه حق، إما نتيجةً لأخطاء مادية (جمع الارقام) او لمخالفات قانونية (عدم تقديم الاستقالة من وظيفة عامة في الموعد المحدد او نتيجة »التمتع« بجنسية اجنبية الخ)…
وبينما الجدل الفقهي محتدم بين اركان السلطة حول مَن خرق الدستور ومَن حماه، ومَن يحرص على كرامة المجلس النيابي (او مجلس الوزراء) ومَن يحرص عليها، ومَن »تآمر« لشطب حق الناس في تجديد بلدياتهم وتعويض المتوفين من »مخاتير« الأحياء والبلدات والقرى..
بينما يغرق اللبنانيون في جدل بيزنطي سيظل مفتوحا حول حقهم في الانتخاب وفي نتائج صحيحة له، تجيء تجربة اليمن لتقدم نموذجا اكثر اشراقا، والأهم: لتقدم شهادة قاطعة بأن العيب ليس في »الانسان« العربي ومدى تعلقه بالحرية واستعداده للاعتراف بالآخر، وحقه في الاختلاف، بل العيب دائما في السلطة »العربية« وعلاقتها بهذا الانسان وحقوقه، وابرزها واخطرها حقه في ان يؤكد ذاته وفي ان يختلف مع حاكمه، وعنه.
لقد طيّرت وكالات الانباء ونشرت اجهزة الاعلام صورا »نادرة« للانتخابات النيابية في بلد عربي ما زال يتلمس طريقه للخروج من ليل القمع الطويل والتخلف المريع الذي رماه خارج التاريخ دهوراً طويلة:
البندقية على الكتف، وصفان من »الفشك« يتقاطعان فوق الصدر تخترقهما »جانبية« معقوفة الغد مسنونة الحد، وعلى الوجه قتامة القهر الابدي وبعض قسوة الطبيعة.
.. أما داخل الفم فبعض محاولاته البائسة للتعويض عن شقاء العمر بوهم الحذر او الانتعاش الذي يفترض انه يجيئه من القات.
واما اليد المعروقة والتي لم تتعرف الى القلم الا حديثاً، فانها تمتد بكثير من التهيب نحو »الصندوقة السحرية« الصغيرة التي تصطنع من رأيه نواباً، وتؤكد حضوره الى جانب الآخر، المختلف، وبالتمايز مع السلطة التي اعترفت اخيراً بوجوده واشركته بهذه النسبة او تلك، في قرارها الذي طالما اتُّخذ في غيابه وعلى حسابه.
ليست نموذجية في ايمانها بالديموقراطية سلطة علي عبد الله صالح في اليمن.
ولا جاء حكمه، اصلا، نتيجةً للصراع الديموقراطي في هذه البلاد التي كانت مغيبة داخل ليل الإمامة، والتي كلفتها »الجمهورية« حرباً اهلية طويلة، ثم كلفها توحيد الشطرين حرباً اهلية اخرى.
لكن السلطة في اليمن تحاول، او انها تسمح لمواطنها بان يحاول تبديل الصورة التي كانت سائدة عن بلاده وعن سلطته وعنه هو شخصياً.
انها تتقدم بطلب للانتماء الى العصر.
اما في لبنان العريق بتجربته الديموقراطية، فنكاد نصوّر الانتخابات، ولو على مستوى النقابات، بانها دعوة الى الحرب الاهلية، او اندفاع نحو الدكتاتورية والحكم العسكري، او محاولة للتخريب على خطة النهوض الاقتصادي.
لقد اعترف اللبنانيون باكثريتهم الساحقة، بسلطتهم مع كل ملاحظاتهم عليها.
فمتى تعترف هذه السلطة بمواطنيها حتى لو تطرفوا فطالبوا مثلا، بحق الاقتراع؟!

Exit mobile version