شغلت جرثومة “كورونا” التي لا تُرى بالعين المجردة وتستبطن بعض المواقع الحساسة داخل الجسم البشري، العالم كله بالأعداد الهائلة ممن اصابتهم، وهم بالملايين، وان كانت اكثريتهم الساحقة قيد العلاج، بعدما تم ترحيلهم من المستشفيات، لاستقبال الاصابات الجديدة.
ولقد كانت الصين المسرح الاول لهذه الجرثومة الفتاكة، وان كانت قد نجحت في اكتشاف الدواء الشافي وحصر الوباء في مدينة ووهان، متسببة في تفجر غضب الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي اندفع إلى اتهام الصين بأنها المسؤولة عن وصول الوباء إلى الولايات المتحدة الاميركية!! قبل أن يعلن حالة الطوارئ ومنع “الاغراب” من الدخول إلى بلاده التي للمناسبة، قد انشأها وبناها “الاغراب” الذين جاءوا من اوروبا اساساً، فرنسا ثم بريطانيا، فضلاً عن اسبانيا ، قبل أن تأتي بطوابير من افريقيا ليخدموا اهلها “البيض”.
ما يعنينا، هنا، تعامل السلطات العربية مع ضحايا هذا الوباء فيها: في البدء كان الانكار.. وكأن العرب، والبدو منهم خاصة، من عرق آخر مختلف تماما عن سائر البشر في أربع انحاء الدنيا.
ثم، استحال الاستمرار بالإنكار، وأعداد المرضى في تزايد مضطرد، وهكذا بدأ الاعتراف مع تعمد انقاص اعداد المصابين بالوباء… ولما توالى اعتراف الدول العظمى (اوروبا بكل اقطارها من اسبانيا إلى ايطاليا إلى سويسرا إلى اسوج والنروج والدانمارك، ثم بريطانيا، جاء اعتراف الولايات المتحدة، متأخراً بالأعداد الهائلة ممن ضربهم هذا الوباء في مدنها الاكبر نيويورك، فيلادلفيا، بوسطن، شيكاغو الخ) .
عندها، وعندها فقط، توالى اعتراف الدول العربية (الأغنى فالأفقر) بهذا الوباء، وكانت الكويت سباقة في اعلان اعداد المصابين.. ثم اضطرت السعودية إلى “الاعتراف” وان كانت قد أنقصت اعداد المصابين إلى الحد الادنى (غير المقبول)، ولكنها اجبرت على الافراج عن ارقام معقولة بعدما ضرب الوباء مكة المكرمة، فاضطرت إلى حظر العمرة، بل حتى الصلاة في جوار الكعبة وشمل حظر السفر إلى المدينة المنورة، قبل أن يمتد إلى جده والرياض وسائر انحاء المملكة الاوسع بالمساحة من اوروبا بدولها كافة..
وتميزت دولة الامارات العربية المتحدة بقدر من الصراحة، فاعترفت بانتشار الوباء فيها وثابرت على الاعلان عن تزايد اعداد المصابين.
كذلك فعل العراق، حيث تبدى انتشار الوباء خفيفا ثم اخذ يتزايد ولو بمعدل متدرج..
وان انت سوريا قد تأخرت في الاعتراف بانتشار الوباء فيها، فإنها عادت فأفرجت افرجت عن هذا “السر الحربي”، بعدما بات الاعلان عن الاصابات هو القاعدة والتكتم يثير الشبهات.
كذلك حاولت مصر، في البداية التكتم، لكن الوباء اخطر من أن يمكن حجبه، وهكذا اخذت تعترف بالإصابات، التي كان لا بد أن تتزايد، خصوصا مع اكتظاظ الاحياء الشعبية بسكانها الفقراء.. وهكذا فقد اضطرت الحكومة إلى فتح مستشفيات محددة لعلاج المصابين..
وفي حين استوقف تضاؤل اعداد المصابين في السودان، فإن اعدادهم في تونس كان في تزايد مستمر، بينما باتت ارقام المصابين في الجزائر بمئات الآلاف، وكذلك في المغرب، في حين أن هذا الوباء قد رحم موريتانيا الفقيرة جداً “فأصدر عفوه” عن اهلها عربا وبربر..
الامر، هنا، لا يتعلق بالوباء، بل باحترام “المواطن”، باعتباره الاساس في قيام الدولة (وليس العرش).. والمخجل هو انكار الحقيقة التي لا يمكن انكارها، خصوصا وان الانكار يشكل خطراً اكيداً على الدولة جميعاً، بحكامها من اصحاب الالقاب لمذهبة، ومن ثم شعبها..
قد يصعب تحديد المسؤولية عن انتشار هذا الوباء في الدنيا بأقطارها جميعاً (وآخر الاخبار تفيد بأن هذ الوباء يتمدد الآن في مختلف اقطار افريقيا ويضرب آلاف الالاف من مواطنيها الفقراء)، من دون أن يثير هذا الامر اهتمام الدول المشغولة بهمومها، والمستنفرة حكوماتها (ولا سيما في اوروبا) بتأمين القبور الجماعية لضحايا هذا الوباء الفتاك، مع ارجاء الدفن إلى ما بعد زوال الخطر الداهم والعودة، تدريجياً، إلى الحياة الطبيعية.
لقد اضطر معظم رؤساء الدول في اوروبا إلى الظهور يوميا امام اجهزة الاعلام، والتحدث عن حقيقة ما تتعرض له بلادهم ومصارحة الشعب بأعداد الاصابات وما تبذله الحكومات من جهود لوقف انتشاره فضلاً عن تأمين العلاج وتكريس جهود العلماء لابتداع انواع العلاج الشافي.
لقد “أقام” الرئيس الاميركي دونالد ترامب في التلفزيون، وظهر مرات عدة في اليوم الواحد ليشرح ما اتخذ من اجراءات كحصر انتشار الداء ومعالجة المصابين، والعمل الدؤوب في المختبرات لإنتاج الدواء الشافي.. لا سيما بعدما ردت الصين على اتهامها بأنها مصدر الوباء، واثبتت سلطاتها انها أكثر اهتماما بالمليار انسان من رعاياها، من مختلف حكام العالم.
ومن نعم الله على سوريا المبتلاة بالاجتياح التركي والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على الجهات المختلفة من ارضها، أن انتشار وباء كورونا فيها ظل محدوداً جداً (العشرات من المصابين حتى الآن..)
أما لبنان فقد توفر له وزير للصحة لا ينام.. وهو قد جاب البلاد من ادناها إلى اقصاها، جنوباً حتى الحدود وشمالاً حتى بشري فضلاً عن عكار وطرابلس، واثار همة الاطباء والممرضين والممرضات في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، لمعالجة الاصابات التي ما زالت، بحمد الله، دون السبعمائة اصابة، وقد عرف كثيرون منهم الطريق إلى الشفاء في حين ما زالت الوفيات دون المائة.
لقد كشف هذا الوباء دولاً كانت تشتهر بتقدمها (كما في اوروبا..) كما كشف انظمة لا تحترم شعوبها ولا تصارحها بحقيقة المخاطر التي تتهددها.. وهكذا حوصرت هذه الشعوب مرتين: بالوباء القاتل وبالصمت الرسمي المتواطئ مع هذا الوباء.. كما عند الانظمة العربية..
تنشر بالتزامن مع السفير العربي