طلال سلمان

واشنطن والتصعيد الإسرائيلي مع لبنان

غزة ـ حلمي موسى

بعد اغتيال الشهيد وسام الطويل أمس، أعلن “حزب الله” أنه لم ينته بعد من الرد على اغتيال الشهيد صالح العاروري. وبدا للوهلة الأولى، وبوضوح، أن أمر الساعة الإسرائيلي هو تصعيد متزايد على الحدود مع لبنان، ربّما يصل إلى حدّ حرب واسعة في ظل استمرار التهديدات القائمة.

ومن المؤكد أن ذلك يؤدي إلى فشل المساعي الأميركية لتقليص التوتر على الجبهة اللبنانية، ومنع نشوب حرب واسعة فيها، وهو أحد أهم أهداف جولة وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن الحالية.

ولذلك، وكما كان اغتيال الشهيد العاروري وسيلة إسرائيل للتصعيد في الشمال، فإن اغتيال الشهيد الطويل هو تأكيد على السياسة الإسرائيلية الرامية لتوريط واشنطن في الحرب. وربما أن ذلك هو ما أشار إليه معلقون من أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان يطمح لاستنزاف بوتين في أوكرانيا لكنه صار أكثر انشغالا بمنع التورط واستنزاف بلاده هو في الشرق الأوسط.

وفي كل حال، ترى وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه من الواضح أنّ إسرائيل غير مرتاحة من الضغوط الأميركية لتخفيف حدّة القتال أو إيقافه في غزة لتسهيل منع نشوب حرب مع لبنان أو توسيعها.

وكتبت صحيفة “إسرائيل اليوم” أمس أن الضغط الأميركي يواجه معارضة إسرائيلية لفكرة الحسم المتداخل بين الجبهتين الشمالية والجنوبية. وذكرت أن رجال بايدن يضغطون لإنهاء الأعمال الحربية في شمالي القطاع والسماح للفلسطينيين بالعودة الى بيوتهم، وذلك برغم حقيقة أن مهمة تدمير الأنفاق في المنطقة، ومنع إطلاق النار على الغلاف أو أبعد، لم تتحقق.

وبرأي الصحيفة، فإن مبعوث بايدن الى الشرق الأوسط، آموس هوكشتاين، كما بلينكن، يطالبان إسرائيل بالإعلان بشكل رسمي عن انتهاء المرحلة الثانية من القتال، على الرغم من معارضة المستوى العسكري لذلك. وبحسب ما قيل عن أنه خطة أميركية، يسعى رجال بايدن للربط بين انسحاب الجيش الإسرائيلي من شمالي القطاع وبين اتفاق تفاهم يمنع الحرب مع حزب الله.

ومن المفترض أن يستكشف هوكشتاين، الذي أقلع الى بيروت، ردّ حزب الله على هذا الاقتراح الذي سيبدو في نهاية المرحلة الثانية من الحرب على غزة، على أنه إنجاز لبناني، على أمل أن يؤدي الى إنهاء إطلاق النار على شمالي فلسطين المحتلة.

وزحمة الزيارات التي بدأت مع هوكشتاين، وصلت الى ذروتها مع زيارة بلينكن الذي نقل رسالة عن إطار زمني للقتال في غزة. وهو يسعى إلى منع التصعيد في شمالي فلسطين من خلال تفاهمات على نمط “عناقيد الغضب” في التسعينيات، والتي أرست معادلة عدم إطلاق النار على المدنيين، والتجمعات السكانية والمنشآت المدنية، عند طرفي الحدود.

ومعروف أن نتنياهو ورجاله معنيين بالتصعيد في لبنان، ويرفضون الضغوط الأميركية لاعتبارات شخصية وحسابات سياسية داخلية. ويكرر نتنياهو في الآونة الأخيرة عبارات من قبيل: أنّ “وقف الحرب محظور حتى ننهي كل أهدافها ـ تصفية حماس، إعادة كل مخطوفينا وضمان الا تشكل غزة تهديدا على إسرائيل بعد اليوم”.

وأشارت “إسرائيل اليوم” إلى أن خطة البيت الأبيض التي عرضها هوكشتاين على القيادة السياسية الإسرائيلية في الأسبوع الماضي، تقترح أن تعلن إسرائيل رسميا عن نهاية المرحلة الثانية من الحرب في غزة في الأسابيع القليلة الآتية، ويقوم الأميركيون من بعدها بتقديم ذلك الإعلان لحزب الله على أنه سبب ليوقف الهجمات على المناطق الحدودية.

لكن إسرائيل أوضحت لهوكشتاين بأنها تطلب إبعاد تهديد الاجتياح والنار على المستوطنات الشمالية، ليس فقط كواقع يتشكل في الميدان، بل كنتيجة لاتفاق تفاهمات مبرم. ومازالت هذه الفجوة قائمة بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة، ومن المفترض أن يكون بلينكن خلال زيارته الحالية قد ضغط ضد نشوب حرب في الشمال، ولإنهاء المعركة في غزة.

من جانبه، أكد المعلق العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن واشنطن مصممة على منع حرب شاملة مع حزب الله. وأشار إلى أنه إلى جانب سعي بلينكن لبلورة وتقليص حدة الحرب في غزة، فإنّ مهمته الثانية المستعجلة هي محاولة تهدئة النفوس المشتعلة على الحدود مع لبنان. فالصواريخ والقذائف المضادة للدروع التي أطلقها حزب الله يوم السبت الماضي على وحدة المراقبة الجوية في جبل ميرون، ردا على اغتيال قائد حماس صالح العاروري في بيروت، عزّزت أجواء الحرب. وتطلق جهات إسرائيلية رفيعة تهديدات مؤخرا بمواجهة أوسع مع حزب الله إذا لم يتم التوصل الى تسوية يصار من خلالها إبعاد حزب الله عن الجدار الحدودي.

ونقل هارئيل عن صحيفة “واشنطن بوست” أن الرئيس الأميركي كلّف رجاله بمهمة “منع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله”. وبحسب الصحيفة، فان موظفين أميركيين يخشون من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يمكن أن يعتبر أن حرب ضخمة في لبنان هي مفتاح لبقائه السياسي إزاء انتقاد الجمهور لأداء حكومته في الهجوم من غزة في 7 تشرين الاول.

وفد حذّرت الإدارة الأميركية نتنياهو من حرب واسعة. وتوجد لدى رئيس الحكومة مصلحة واضحة في إطالة فترة الحرب في غزة على امتداد العام الحالي، ويصعب تبديد الخوف الأميركي لأن نتنياهو، المحاصر، لم يدرس أيضا عواقب تسخين آخر على الساحة الشمالية.

وبحسب صحيفة “هآرتس”، قدّر تقرير لوكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأميركية بأن الجيش الإسرائيلي سيجد صعوبة في مواجهة حرب من هذا النوع، بسبب الحاجة الى توزيع قدراته بين لبنان وبين قطاع غزة. ويبدو أن تسريب التقرير للصحيفة هو خطوة متعمدة من قبل الإدارة الأميركية، لكن يجب النظر إلى التقرير بقدر معين من التشكيك. فالمخابرات الأميركية كانت قد توقعت أيضا هزيمة فورية لأوكرانيا عندما قامت روسيا بغزوها قبل سنتين تقريبا.

وكان وزير حرب العدو يؤآف غالانت قد قال في نهاية الأسبوع الماضي أن إسرائيل تفضل الدبلوماسية على القتال مع حزب الله، وتسوية الوضع على الحدود وإعادة السكان الى بيوتهم. ولكنه أضاف “نحن نقترب من نقطة انقلاب الساعة الرملية لحل المشكلة”.

أما عضو كابينت الحرب، الوزير بني غانتس (من المعسكر الرسمي) فاعتبر أن “وضع سكان المنطقة الشمالية العاجزين عن العودة الى بيوتهم، يحتاج الى حل مستعجل. والذي بدأ بالتصعيد هو حزب الله. إنّ إسرائيل معنية بالحل السياسي، وإذا لم يتحقق ذلك، فإن الدولة والجيش الإسرائيليين سيعملان على إزالة هذا التهديد. وجميع أعضاء مجلس الحرب يتفقون معي حول هذا الموقف”.

وفي نظر هارئيل، فإن مشكلة الموقف الرسمي لغانتس هي الشريك المفروض عليه، أي نتنياهو. فقرارات سير الحرب يتم اتخاذها في الواقع لدى التوصل الى قرارات في مجلس الحرب. لكن الوزيرين ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين احتفظ بهما نتنياهو خارج هذا المنتدى المصغر، ما زالا ينجحان في التأثير على سير الامور.

فممثلو اليمين المتطرف يؤججون طوال الوقت الخلافات بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة وداخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، فيما يبثون السموم على الجيش الاسرائيلي. ويبدو أن نتنياهو هو أسير لديهما.

Exit mobile version