القرين الكويت، »العربي« عاصمة عربية للثقافة
في الطريق من المطار الى الفندق ذي التاريخ (شيراتون) الذي انعقدت فيه الندوة الاولى من أنشطة »مهرجان القرين السابع« استهلالا ل »الكويت عاصمة ثقافية عربية للعام 2001«، كنت أبحث بلهفة، وسط الأبراج وعمارات الزجاج الأنيقة عن المبنى الذي كان يعرف باسم »مطبعة العربي« برغم انه كان المقر الرسمي لوزارة الاعلام، وفيه مكتب مؤسسها المستنير الشيخ جابر العلي الصباح، والادارات المختلفة، اضافة الى مجلة »العربي«.
كان قد استقبلنا في المطار »دينامو« الأنشطة بل المهرجان الثقافي الغني بعروضه وندواته وحفلاته الموسيقية، الدكتور محمد الرميحي القادم من مجلة »العربي« الى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.. وكان بيننا عدد قليل من الكتاب في مجلة »العربي« أما العدد الأكبر فكنا من بين الملايين الذين نشأوا وفي ذاكرتهم مساحة خاصة لمجلة »العربي«.
وكما العلاقة بين »القرين« و»الكويت« كذلك هي العلاقة بين »العربي« وبين الثقافة في الكويت عموما بمجلسها الوطني وأنشطة العاصمة الثقافية للعام 2001 ومهرجان القرين السابع.
فالقرين هو الاسم التاريخي القديم للكويت،
و»العربي« هي الاسم الحركي للثقافة المعاصرة في الكويت.
ذلك ان »الكويت« قد دخلت الذاكرة العربية، أواخر الخمسينات، من باب تلك المجلة المشعة بالثقافة العامة »العربي«.
كانت الكويت، آنذاك، إمارة صغيرة، بعد، ظهر فيها النفط حديثا فأخذ يبدل في صورتها وأحوال أهلها وعلاقاتها بعالمها العربي ويشد إليها اهتمام الدول البعيدة ذات الأطماع.
في بداية الستينات كانت »العربي« بمبناها الأنيق واحدة من المعالم المميزة التي يأخذك اليها مضيفك الكويتي، مثلها مثل »قصر السيف« حيث المقر الرسمي »لشيخ العود« و»أبو الكويت« الحديثة الأمير عبد الله السالم الصباح، ومدخلك اليه تلك الكلمة الحكمة التي استعارها رفيق الحريري لسرايا بيروت: »لو دامت لغيرك لما اتصلت اليك«، ومثل مبنى البلدية، نواة الحكومة التي ستنشأ بعد الاستقلال، وثانوية الشويخ التي ستغدو جامعة الكويت مستقبلا.
لم تكن »العربي« مجرد مجلة راقية وأنيقة ورخيصة الثمن بقرار سياسي واع ليتمكن الفقراء من شرائها. كانت أكثر من ذلك بكثير: نواة لمشروع ثقافي قومي التوجه، مع بعد عن الخطابة وتغليب للروح العلمية واهتمام بالمكتشفات العلمية واختيار أفضل الأساليب لإيصالها الى الجمهور الذي عرف العلم متأخرا، لا سيما في مجالات الفضاء والذرة والطب والمواصلات والتكنولوجيا إلخ.
ولعل الكثير من »أبوابها« التي ابتدعها رئيس تحريرها الذي جاء اليها من المجال الاكاديمي، والمتعدد الاهتمامات والتخصصات والذي كان يلقب »الدكاترة« أحمد زكي، قد حولتها الارادة النهضوية الى مؤسسات تزدهي بها الكويت الآن كمنارات ثقافية وعلمية تحضن الأنشطة المختلفة، في مجالات الفنون والآداب والعلوم المواكبة للتقدم في عصر الثورات العلمية المتلاحقة.
الكويت عاصمة ثقافية عربية للعام 2001، اذاً، وهي قد أعدت نفسها اعدادا جيدا مرتكزة الى انجازات مهمة يرعاها ويعززها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ومنها: مكتبة تراثية عملاقة تضم أكثر من خمسة وعشرين ألف مخطوطة مصورة وأصلية يرجع تاريخ بعضها الى تسعة قرون، وقد أصدر المجلس مجموعة كبيرة من كتب التراث (أكثر من 20) ويأتي في مقدمتها كتاب »المناظر لابن الهيثم« وموسوعة »تاج العروس«. أما الاصدارات الثقافية فعديدة جدا، بينها سلسلة كتب »عالم المعرفة«، وهي شهرية، وصدر منها حتى الآن 263 عددا، ومجلة »الثقافة العالمية«، ومجلة »عالم الفكر«، وسلسلة »ابداعات عالمية« وصدر منها حتى الآن 327 عددا، وحولية الثقافة والفنون.
كذلك يرعى المجلس معرض الكويت للكتاب، وقد بدأ بتنظيمه في العام 1975، والمكتبة الوطنية للدولة، ومهرجان القرين الثقافي، والمهرجان السنوي لثقافة الطفل، وينظم كل عام معرض الكويت السنوي لرسوم الأطفال، كما انه يوفر رعاية ممتازة للحركة التشكيلية وقد أنشأ أكبر صالة للفنون في العام 1974، ثم مكتبة التراث الموسيقي، وغير هذا كثير.
***
عشرة وزراء لحفل الافتتاح، بكل إجراءات الأمن ومواكب الحراسة، هذا أكثر مما تحتمله المناسبة الثقافية.
لكنها، في حقيقة أمرها، وضمن الظروف النفسية في الكويت، سياسية بالدرجة الاولى… ولقد تعاطى معها الكويتيون والعديد من الضيوف، على هذا الأساس، كذلك كان تناولها في الصحافة الكويتية.
والحقيقة أن الكويت ما زالت تعيش شعورا ممضاً بأنها »ضحية« عروبتها، والبعض يبالغ في إظهار المرارة ربما لتبرير توجه كياني عميق في نفسه، أو لتبرير قدر من الضياع ومن افتقاد القدرة على القرار، نتيجة ثقل الشعور بالامتنان »للمحرر الأميركي« الذي ينزح منذ عشر سنوات معظم الثروة الوطنية ثمنا للحماية وللسلاح.
ويعاني الكويتي، الذي لا هوية له خارج عروبته، شيئا من التمزق بين قلقه على مستقبل أبنائه إذا تركت عاطفة الانتقام من العراق والعراقيين تتجذر في النفوس أكثر فأكثر، وبين ذكرياته المرّة عن غزوة صدام حسين في صيف العام 1990 التي مسحت الكويت عن خريطة العالم، بادعاء أنها عودة للفرع الى الأصل، وإلحاقها بمحافظة البصرة.
وقد أخذت المرارة كما الرغبة في الانتقام، أو الشعور المتأخر بالتقصير، الكويتيين الى شيء من العزلة أو الانعزال بقرار، وخصوصا انهم لم ولن يستطيعوا في المدى المنظور أن يغفروا للعديد من الشعوب العربية تأييدها لصدام حسين في غزوه الكويت، وانخداعهم بفعالية تلك الصواريخ التي أطلقها لكسب الشعبية في اتجاه اسرائيل.
مهرجان القرين فرصة طيبة، إذاً، كمقدمة للكويت عاصمة عربية للثقافة العام 2001، للعودة الى العرب وعودة العرب الى الكويت، وفك أو إسقاط الحصار النفسي السياسي بالثقافة ووحدة الوجدان.
لكن العروبيين في الكويت المحاصرين بالمناخ الانعزالي كان لا بد أن يسجلوا المفارقة الصارخة المتمثلة في طغيان الكيانية وفي تراجع الشعور القومي وتنامي نبرة تكاد تصل حد »الخجل« من عروبة الكويت، او افتقاد الضمانة والأمان فيها.
من هنا كانت »صرخة« محمد مساعد الصالح التي كادت تبلغ حد رثاء العروبة في الكويت، في ظل طغيان نبرة المفاخرة بالغرب ونجدة الغرب، والتحسر على أنه يستحيل »نقل« الكويت لتكون بعض ولاية فلوريدا، مثلا، أو أية ولاية أميركية أخرى.
مقابل »صرخة« محمد مساعد الصالح تعالت أصوات تعيد للمرة المليون التنديد بالتأييد العربي لصدام حسين، والتخلي عن الكويت ونكران فضلها ومساعداتها، أو العجز عن حمايتها…
لكن المحصلة ايجابية، فعروبة الكويت ليست وافدة ولا طارئة ولا هي عارضة، والوجع مشروع وإن كان لا يجوز أن يتحول الى سجن يحبس الكويتيون أنفسهم فيه الى الأبد في قوقعة من الحقد والرغبة في الانتقام. فلا يمكن اختزال العراق بشخص صدام حسين، ولا يجوز التغافل عن أن العراقيين كانوا الضحية الأولى، وقبل الكويتيين، لهذا السلطان الدموي.
بل ان العراقيين هم الضحية الدائمة ومنذ ثلاثين عاما أو يزيد لحكم لا يفتأ يأخذهم من حرب خاسرة الى حرب خاسرة، ودائما ضد الذات.
الكويت عاصمة ثقافية عربية أفضل مناسبة سياسية للخروج من سجن الأحقاد والرغبة العمياء بالانتقام من الضحايا.
والكويت بعروبتها، وليست بذهبها… خصوصا انه لا يدوم، ثم إنه لم يحمها في الماضي ولا هو يحميها اليوم.
الدكتورة تطلبك إلى الرقص!
لم تفهم اعتذاره ولم تقبله..
كانت تقف أمامه تماما، وقد أسقطت المرأة فيها كل أدوات التنكر من الثياب الى النظارات الطبية الى الوقار الأكاديمي وحشمة ما قبل تهتهة السكر.
لا، لم يكن ارتباكه السبب، بل هو الخوف صريحا لم ينفع في تمويهه ادعاء الخجل ونقص المعرفة بالمحتفلين بعيد الاثنين، أو الثلاثاء، أو الأربعاء أو توفر »لزوم السهرة« من الممتعات.
كانت المساحة الفارغة بين مقاعد تلك الشلة من شركاء النهار أصدقاء الليل تتوهج بالذهب، مما يفاقم من شعور الفقراء بقسوة البرد الصحراوي.
في الخارج كان المطر يهطل بإيقاع منغم يثير في النفس البهجة.
وفي الداخل كانت النسوة اللواتي جمعهن السأم من مهنة الزوجات، يطلقن غرائز الرجال الذين لا يستطيعون ادعاء الحرمان فتعوي أو تحمحم، أو تصيح منتشية، لتشكل إطارا للمجون المضبوط عند تخوم الامتحان وادعاء الفوز بالمرتبة الأولى.
عادت تطلبه الى الرقص مجددا، ورأى الحلبة أشبه بسرير فوق جرف جليدي، فغاص في مقعده وقد تحول اعتذاره الخجول بداية الى رفض معلن: لا يقبل المشاع في كل ما هو حميم.
قامت الدكتورة لترقص وحيدة. جاءتها النجدة من تلك التي يزغرد حزنها الدهري فتضيء سمرتها الداكنة، ويحتل قلبها المساحة السوداء من وجهها الذي نصفه فم.
جاء الى الحلقة رجل ثم ثان… لكن الدكتورة كانت تنفلت بعيدا لتواصل رحلتها نحو حضور الغياب.
عندما عادت الى مقعدها نظرت اليه شزرا وهي تغمغم: لا تكتمل المرأة الا برجلها. لا يكتمل الرجل الا بامرأته.
وخرجت لتستحم بمطر الليل في صحراء وحشتها الاكاديمية.
تهويمات
حين لفت من حول وجهها ذلك الحجاب الأسود كانت كمن تضع إطارا لصورة الفضيحة.
قالت: ألست الآن أجمل؟!
قال: بل أعظم جرأة، لقد رفعت الشيطان الى أعلى المئذنة!
} قالت وقد بدأ يدهمها النعاس: ألا تتعب من العمل؟! أما أنا فعلى أبواب الليل أرمي اهتمامات النهار جميعا، السياسة، الاقتصاد، سوء الفهم الأبدي مع أجيالنا الجديدة، وأقرر أن أستمتع بإجازة تدوم حتى الفجر لأتفرغ للمرأة فيّ.
الحياة رجل وامرأة، امرأة ورجل والباقي عبث.
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
أعرف مَن بذل ثروة طائلة على النساء، صغيرات مراهقات، وكبيرات ناضجات، من دون أن يحظى بالحب… قنطار ذهب لا يشتري لمسة حنان، همسة تنعش الروح، لفتة بالشوق. أما تلك اللمسة أو الهمسة أو اللفتة فتفتح الأبواب التي تستعصي على الذهب.