طلال سلمان

هوامش

ديموقراطية السلطان الأبدي ورئيس الصوت الواحد للامبراطورية!
تجاوزت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية حدود المهزلة فصارت نوعاً من التشهير بديموقراطية كانت تعتبر »المثلى« في العالم، الخالية من أي عيب، سواء في النص ام في التطبيق!
ومن بين ديموقراطيات الغرب، كانت الولايات المتحدة تنفرد بدعوة الصحافيين من مختلف انحاء العالم، ليتفرجوا وليروجوا من ثم لهذه الانتخابات المعقدة والفريدة في بابها حيث ثمة »ناخبون صغار« لا قيمة لاصواتهم وهي بعشرات الملايين، وثمة »ناخبون كبار« موزعون على الولايات بحسب عدد سكانها وضرورة حفظ التوازن الدقيق بين »المؤسسين« و»الملتحقين« بعد حرب التحرير أو »المخضعين« بالقوة بعد الحرب الاهلية الضارية التي لولاها لما كان التوحيد.
كان الصحافيون يرجعون مبهورين، ويكتبون لقراء لا يعرفون الكثير عن الداخل السياسي لتلك البلاد الهائلة الغنى، الهائلة القوة، الهائلة التقدم، والهائلة الانتاج والأهول في الاستهلاك.
لا شرح الصحافيين كان يشفي الغليل الى معرفة آلية الانتخاب الواحد ذي الدرجتين او المستويين المنفصلين، ولا هو كان يضيف الكثير الى معلومات القارئ عن تلك العملية الشديدة التعقيد المفروضة على أعظم الناخبين سذاجة في الكون، وأقلهم التصاقاً بالأرض، وأبأسهم معرفة بالشأن السياسي، والوافدين بمعظمهم من أصقاع بعيدة ، والمحتفظين بلغاتهم الغريبة عن الانكليزية وبسلوكهم المنتمي الى بيئات اخرى…
لكنها اميركا… واميركا تبهر، والإبهار يغشي على العين فلا ترى، ولكن الاعجاب لاعلاقة له بالنظر، بل بالاحجام، او بالمشهد البسيط لآلية في غاية التعقيد: فكيف يمكن لوافد جديد حصل على الجنسية قبل فترة وجيزة ان يختار »الرئيس« وبعض اعضاء المجلس النيابي، وحاكم الولاية وقائد الشرطة ومدير التعليم ومدير الصحة الى آخر السلم الاداري، من بين من لا يعرف صوتهم في الغالب الأعم، ولا يعرف عن تاريخهم بالنجاحات والاخفاقات، عن ثرواتهم، وعن مغامراتهم المالية والجنسية الا ما يقدمه خصومهم، او ما تقدمه المنظمات اليهودية تشهيراً او تمجيداً لطلب التأييد!
الآن يقف العالم أمام مشهد سوريالي يعجز عن تخيله اي مخرج سينمائي لأفلام العبث او الخيال السياسي او تجسيد حكايات او اساطير كالغول والعنقاء والخل الوفي.
في البلاد التي ابتدع بعض ابنائها الكومبيوتر، والتي ما تزال تحتفظ بالجهاز الاول منه، وهو بحجم صالة كبيرة، في متحف خاص في بوسطن، والتي انزلت اول انسان على سطح القمر، والتي اخترعت واستخدمت القنبلة الذرية، والتي يحظى من يحملون جنسيتها بالعدد الاهم من جوائز نوبل للعلوم سنويا،
وفي البلاد التي انفردت بتقرير مصائر الامم والدول والشعوب: تتحكم بثرواتها، وبسلامها الاهلي، وبدورها او تأثيرها في السياسة العامة… تسمح بالوحدة الاوروبية وبعملتها الهشة الجديدة او تحاصرها فتضعفها، تسمح او تمنع الاقراض عن الاتحاد الروسي فتلغيه سياسياً وتجعل مبادراته وخطابه السياسي لغوا.
في البلاد التي تفسد البيئة، وتتحكم بأسعار النفط وأسواقه عالميا، وتصدر أطعمتها الهجينة وملابسها الخالية من الذوق، الى أربع رياح الدنيا، فتجعلها بين علامات التقدم، مثلها مثل الصرعات الموسيقية التي تصدع ولا تطرب وتحرك كل جسمك وغرائزك بتعطيل عقلك.
هذه البلاد تتخبط الآن وهي تسعى لمعرفة شخص رئيسها الذي انتخبته قبل ثلاثة اسابيع، وسط فضائح لا تحصى (ليس أقلها انتخاب الميت او اكتشاف بعض صناديق الاقتراع في كنيسة او في مزبلة)… ولا تدري هل تعتمد الفرز اليدوي وحده، ام الفرز الالكتروني وحده، ام هذا وذاك معا، وتطعن محكمة في حكم محكمة، وتطعن هيئة ادارية في قرارات هيئة ادارية اخرى…
هناك رئيس مع وقف التنفيذ، وهناك »رئيس« يعتبر ان ثمة مؤامرة انقصت من أصواته بعض مئات عمداً (نتيجة وقف الفرز اليدوي) لمصلحة منافسه، فلا يعترف بنجاح المنافس، ويلجأ الى القضاء، ويكاد ينعى الديموقراطية الاميركية.
اما في الغد فسيواجه العالم حالة فريدة في بابها: فرئيس الكون مطعون بسلامة وصوله الى منصبه، كما اي سلطان في اي من بلاد العالم الثالث.
ولقد انهالت التبرعات بالخبرة والكفاءة في اعلان النتائج قبل الانتخابات او من دونها، وبعد اجرائها ومن دون فرز الاصوات، او بعد فرزها حسب الطلب، من طرف العديد من السلاطين الذين يحتقرون الناخب والصندوقة والمنتخب والقاضي وإعلان النتائج المتقاربة التي تسمح للفائز بفارق صغير في ان يحكم بلاداً كبيرة!
وبالكرام تشبهوا! خمّنا الباشا باشا! كلنا في الانتخابات شرق! أين هؤلاء الكاوبوي من حضارة اوروبا وديموقراطيتها العريقة! نريد ان نعرف من هو رئيس اميركا لنعرف مرجعنا!.
هزلت! وأصاب الديموقراطية الضرر العظيم وبشر المبشرون بحرب اهلية اميركية! وانتبه الملايين الى ان أصواتهم بلا اي قيمة…
بعيدا عن انهيار اسطورة الديموقراطية الاميركية، أجرى الناس فجأة مقارنة بين سقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي العظيم، وبين صمود هذا النظام الاميركي برغم فضيحة الاصوات والبطاقات ذات الثقوب، وهل ترى بالعين المجردة، ام بواسطة المجهر، وفي الضوء ام في العتمة.
كانت الامبراطورية الاشتراكية تتلخص في فرد، واحد احد، يختزل السلطات والمؤسسات جميعا: فهو الامين العام للحزب، رئيس الدولة، القائد الاعلى للقوات المسلحة هو ما كان يطمح إليه لويس الرابع عشر حين تباهى فقال: أنا الدولة!
وكان الرفيق الامين العام الرئيس القائد ينتخب مرة واحدة، ثم تسحب نسخ إضافية عن الانتخاب الاول في الدورات التالية، حيث لا منافسون… ويحكم حتى آخر العمر حيث لا محاسبون، بل ولا مناقشون. فيهرم ويهرم معه النظام، ويشيخ فيأخذ النظام معه الى القبر!
وهكذا كان يكفي ان تختل صحة الرفيق الامين العام مرة حتى يتهاوى نظام دول الستار الحديدي وكأنه من الكرتون!
اما الديموقراطية، ولو اميركية، فتعالج امراضها بالمزيد من الديموقراطية وعبر المؤسسات: القضائية والتشريعية والتنفيذية… وفي النور، وعلى مرأى من العالم كله!
صحيح ان الرئيس سيصل البيت الأبيض مثقلا بالجراح والديون (وآخرها ما دفعه لاستئجار مكاتب مؤقتة لان الادارة الحالية رفضت ان تسمح له باستخدام مكاتب الادارة للفترة الانتقالية بين رئيسين).
وصحيح ان أخطر الاتهامات التي ستطاوله ان شيئاً من الالتباس، حتى لا نقول من التزوير، قد وقع في الولاية التي يحكمها اخوه.
وصحيح ان العالم لن يتعامل باحترام مع رئيس الدولة المهابة، وقد يرى فيه شهادة ضد الديموقراطية.
لكن النظام الاميركي الممسوك جيداً من القوى الهائلة التأثير والهائلة المصالح والثروات والنفوذ، سيتخطى الازمة… ديموقراطياً!
للمصالح ديموقراطيتها، كما للمال ديموقراطيته، وكما للسلاطين ديموقراطيتهم!
هي فرصة، على اي حال، تفرجنا فيها على الديموقراطية الاميركية وقد فُتح بطنها فكُشف المخبوء فيه… وما أمتعها فرجة!

في صالة الذكريات
لم تكن المناسبة تسمح بأكثر من حوار العيون، في ظل صمت ثقيل تجلله مهابة غياب من على اسمه اجتمعوا.
كانت ضجرة، تبحث عن شخص او شيء او أمر يسليها ويشغلها عن ثرثرات النسوة المتكئكات حول ذكريات عتيقة، يستعدنها فتتوهج الكلمات دون ان تنجح في اعادة ملامح الصبا الى الوجوه المشدودة والمزركشة بطبقات من مستحضرات الزينة والتجميل.
انتبهت الى ان الحزن، ايضا، قد يأخذ الى الحب، بل انه قد يكون أقصر الطرق واكثرها أمانا: انها مشاركة في الوجدان، والوجدان صنو القلب او هو مرجعه.
وكأنما بتواطؤ مقصود: ما التفتت مرة الا رأته يتأملها، وما انتبه مرة الا تحت وطأة نظراتها الذابلة والتي يتسلل منها شعاع آسر!
هل الاجتماع على ود ثالث سبب كافٍٍٍ لانطلاق الشرارة التي ستحدث اللهيب وتبني جسرا من الوهم بين غريبين لا يعرف احدهما شيئاً عن الآخر، حتى اسمه؟!
حاولت ان تطرد الفكرة من رأسها: ما هو إلا لقاء عابر في ظلال ذكريات منفصل ما يخصها منها عما يخصه… ولقد غاب المشترك الذي يجتمعان في ظلاله.
هل يصير الغائب زمنا للحضور البهي؟!
اقنعت نفسها: اقصر الطرق ان نحب هذا الذي يقاسمنا هم الغياب!
عند الباب همست له: وحدك تغنينا عن الآخرين… لا تتركنا لاننا لا نحتاج معك الى احد.
هز رأسه، فعادت تلح: ليست مسألة قوة. ما ينقصنا هو الحب. ولست احب ان يكون اللقاء وداعاً.
رفع عينيه الى وجهها فاغضت ببصرها وانفلتت عائدة الى مقعدها في صالة الذكريات!

»روميو« في غابة قرون الاستشعار!
قال لي بلهجة من هبطت عليه الحكمة بعد تجربة قاسية:
اياك أن تعلق بين امرأتين صديقتين، لا سيما اذا كانتا غير مرتبطتين. قد يأخذك الغرور الذكوري بداية الى الافتراض بأنك »روميو« العصر، تتنافس عليه النساء الى حد الاحتراب. حذار، والا خرجت من هذه المغامرة وأنت الضحية الوحيدة لمنتصرتين!
ليس أشد فتكا من الغرور الذكوري إلا الدهاء الانثوي.
أبسط النساء يمكن ان تتحول فجأة الى أمكر المخلوقات واعتماداً على الغريزة وحدها.
للمرأة قرون استشعار مرهفة تكشف لها عواطف الآخرين حيالها، فكيف اذا اجتمعت عليك قرون امرأتين لا ينقصهما المكر والمعرفة بالرجال واحوالهم؟!
صحيح ان المرأة يسكرها المديح الرجالي، لا سيما اذا كانت قد تخطت الثلاثين من عمرها، واذا ما قارب النفاق حدود الغزل وتداخل معه… لكنها تظل في حالة شك وحذر واسترابة، فتتولى الغريزة حراسة المعابر جميعاً وتفجير الافخاخ عن بعد!
لا يعطل غريزة الحذر والشك الا الحب يعلن عن نفسه جهارا نهارا.
سحب نفسا عميقا من لفافته، ونفث الدخان بقوة، ثم عاد يقول:
في البداية، أسعدني التنافس بينهما، وظللت قادراً على الإفادة من هامش التناقض لأحظى بموعد من هذه، وبرقصة من تلك، بقبلة لقاء واعدة بما هو أكثر من عناق وداع حار. ولم أنتبه الا متأخراً الى انني قد أعدت على مسامع هذه بعض حكاياتي التي رويتها لتلك… فتكشف الاعتراف الحميم عن ثرثرة لاستدرار العطف او إثارة الغيرة!
وفي غمار الغيرة تقاطعت عليّ السكاكين.
ابتسم بمرارة ثم قال: نحن الآن أصدقاء، كأننا ثلاثة رجال، فهل تريد ان تكون الرابع؟!
زادت ابتسامته اتساعاً ولمعت عيناه قبل ان يضيف:
هكذا يصح الحساب وفقاً لقاعدة »كل الاحبة اثنين اثنين«، ومن يدري، لربما ينتصر العدد الزوجي على الغريزة!
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
الحب ان تفتح عينيك فترى الناس والطبيعة وتأخذك حركة الحياة في عبابها، تصدمك وتغريك، توجعك وتفرحك، تؤلمك وتجذبك إليها، فإن ترددت اهملتك واخذت غيرك الى الفرح.
حبيبي هو الأجمل والأبهى والأكرم والأطيب والأعذب، لانه ملخص لكل الناس… ولذا أناديه باسم الحياة.

Exit mobile version