طلال سلمان

هوامش

جائزة للصحافة الممتازة في صحافة عربية غير مميزة!
أمضيت وزملاء جيلي في الصحافة اللبنانية، التي كانت صحافة العرب في بداية الستينيات، سنوات طويلة من عمرنا المهني ونحن نتقاضى رواتبنا الشهرية الفخمة بالتقسيط المريح… من أصحاب المطبوعات التي كنا نعمل فيها!
كان واحدنا، مدفوعا برغبته وحماسته ثم بحاجته، يعمل على مدار الساعة نهارا وليلا، ويكتب في كل الموضوعات من السياسة الدولية الى الاقتصاد (الذي كنا وما زلنا لا نفقه منه شيئا) إلى الثقافة والفن والاجتماعيات، عدا عن المحليات السياسية وطرائفها غير المحدودة.
ولم تكن حالة فردية أو استثناء، أن تجد أيامها مجلة تقوم على محررَين ونصف، أو محرر وربع، وجريدة يومية يقوم بأعبائها ثلاثة محررين وثلث.
كذلك لم يكن مستهجنا أن تقرأ للمحرر نفسه حوارا صحافيا ساخنا مع قطب أو زعيم سياسي لبناني، ومع مسؤول عربي بارز، ومقابلة مع مطربة من الدرجة الثالثة، وتعليقا على ارتفاع أسعار النفط، وتحليلا »علميا« لأسباب ثقب الأوزون، ورأيا في تربية الأطفال، وترجمة لمقالة في صحيفة أجنبية عن الحياة الجنسية لمارلين مونرو، مع افتتاحية عن القومية العربية، بغير أن ينسى مراجعة الأبراج والرد على أسئلة القراء.
ولأن الصحافة هي المساحة المكشوفة للصراعات السياسية، بخلفياتها العقائدية الحاجبة للمصالح، والمعرضُ المفتوح للأفكار والآراء والمؤثرات في الذوق العام، فلقد بتنا »نجوما« لأسمائنا وهج لا يتناسب مع القروش التي نتقاضاها ولا مع ثقافتنا العامة التي كانت محدودة فصارت تتوسع بالسماع ثم بالمشاهدة العينية حين جاء عصر »المراسل المتجول« الذي توفده مطبوعته لتغطية حدث عربي معين وتحاسبه بتقتير يكاد يمنعه من تغطية ساقيه بلحاف في الفندق الذي ينزل فيه محبوسا في دائرة الرعب من أن تقصر مكافأته عن تسديد حسابه!
كانت القاهرة، مركزُ الكون آنذاك، مقصدَ الجميع.
وكان في نهارها ما يرضي صاحب المطبوعة وما يشبع النهم الصحافي، وفي ليلها ما يرضي المحرر المتعطش الى فترة تنفس وإلى نغم عذب وصوت أعذب وجو يستعيد معه إحساسه بوجوده كبني آدمي يتذوق الجمال والسحر الحلال.
أما الخليج، المكتشَف حديثا، فكان مقصده هواة جمع الساعات وأنواع العملات القديمة كالروبية والشيلنغ وريال ماريا تيريزا، ولطائف مشايخ النفط الذين كانوا في بداية تعرفهم الى بلادهم وطاقاتها الكامنة وقدرتها الخارقة على فتح أبواب العالم أمامهم، بقصوره الأمبراطورية وأندية المتعة التي تتجاوز خيال مؤلف ألف ليلة وليلة وحكايات الشاطر حسن.
نجح بعضنا في القاهرة فصار كاتبا ومحللا وخبيرا محلفا في الشؤون العربية وموقعها على خريطة الصراعات الدولية.
ونجح بعض آخر في تبديل مهنته، في الخليج، فصار منهم الخبير في العملات والعقارات والعباءات والأمزجة الأميرية وأصول الحديث الأنيس في مخاطبة الشيخ الرئيس، والدليل السياحي في العواصم البعيدة الباردة جدا والتي فيها من وسائل التدفئة والمتعة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
ذلك بعض ما كان في صحافة ذلك الزمان، حيث لم تكن الصحافة مهنة تدرَّس في الجامعات وتمارَس بالاختصاصات العلمية وبالتمرين الجدي وبالتقدم المتناسب مع الكفاءة والمعرفة.
ولقد حدث لبعضنا أن عوقب بالطرد لأنه نجح أكثر مما تتحمله مصالح صاحب المطبوعة، أو أكثر مما تتحمله أعصابه من هذا »المنافس« الطارئ الذي بات معروفا أكثر منه، تصله رسائل القراء وإليه تتوجه اتصالات المسؤولين، وقد تُحوَّل إليه عطاياهم وهداياهم.
ويشرفني أنني قد »طُردت« أربع مرات على الأقل، بسبب ما نسميه في المهنة اقتباسا من الغرب، »سكوبات صحافية«، أو بالتعبير الدارج »خبطات«، أي إثارة موضوعات جدية لها دويها عبر حوار صحافي أو كشف فضيحة مخفية أو نبش ما يبين حقيقة »زعيم« دجال أو مسؤول مختلس أو »كبير« أخذته الرشوة (أو المرأة) إلى الخيانة.
أكتب هذه الكلمات وأنا أستعد للسفر إلى دبي، إحدى الدرتين في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث اختارني من بيدهم الخيار عضوا في »المجلس الأول لجائزة الصحافة العربية«،
وجائزة الصحافة العربية أنشئت في العام الماضي (نوفمبر 1999) بمبادرة من الشيخ محمد بن راشد المكتوم، بهدف »المساهمة في تقدم الصحافة العربية من خلال تشجيع الصحافيين العرب على الإبداع والتجويد وتكريم المتفوقين والمتميزين«.
أما الحاضنة لهذا المشروع فهي »نادي دبي للصحافة«، بالتعاون مع »الاتحاد العام للصحافيين العرب«.
ويستحق نادي دبي للصحافة حديثا خاصا عن »الروح الشابة« التي تحركه بحيث بات »منارة« ثقافية تكسر حدة الطابع التجاري لهذه المدينة »العالمية«، إذ يضفي عليها مسحة من الاهتمامات الفكرية عبر المحاورات التي يقدمها النادي لجمهوره مع ضيوفه المميزين على مدار العام.
للصحافة المكتوبة وحدها تسع جوائز، قيمة الواحدة منها خمسة عشر ألف دولار أميركي، وهي تشمل الصحافة السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية والتحقيقات والعلوم والتكنولوجيا وأفضل عمود أفضل صورة صحافية ثم الرسم الكاريكاتوري.
قد يثير مشاعر الأسى حقيقة أن الصحافة العربية تتناقص، كقوة تأثير ومبشر بالتغيير، بقدر ما يتزايد عدد العاملين فيها أو المنتسبين إليها.
وان الصحافة العربية المعززة الآن بأحدث ما أنتجه العقل البشري من وسائل الاتصال والمواصلات ومن تقنيات المتابعة والطباعة، أقل انتشارا مما يجب ومما يجوز، وأبعد عن قارئها وهمومه الفعلية، فضلا عن طموحاته، مما ينبغي.
وان الصحافة العربية، بأكثريتها الساحقة، صحافة حكام وحكومات لا صحافة محكومين، وان مواردها الشرعية أقل مما يمكّنها من الاستمرار كلسان حال للناس، ومعبّر صادق عن الرأي العام، فضلا عن التوسع الضروري لحمايتها واستمرارها.
مع ذلك، فإن هذه المبادرة الطيبة قد تشجع الصحافي على إجادة عمله، ولو وفق الأصول المهنية، إن لم يكن وفق مزاج صاحب أو أصحاب المطبوعة.
ولا بأس في أن يكون لدينا صحافيون متميزون حتى لو كانت صحافتنا، بعامة، لا تتميز إلا بحجم صفحاتها المثقلة بالإعلانات الغالية التي تعكس في جملة ما تعكس مدى رضى الحاكم عنها.
أما الصحافة فقيامها يتطلب ما يفوق طاقة الصحافيين وأصحاب النوايا الطيبة من أهل النفوذ في البلاد العربية.

قصص مبتورة
قال لي وهو يلخص مشاهداته في الشارع:
الاستنساخ قائم، عمليا، من قبل أن ينجح العلماء في تجاربهم فيباشروا الانتاج! لننسَ الرجال… أنظر الى جنس حواء، فتيات صغيرات، وسيدات متوسطات العمر، ونساء بلغن سن الكهولة أو قاربن الشيخوخة لكنهن لا يرغبن في الاعتراف بأن سن الشباب قد غدا خلفهن.
ان كل فتاة تشابه الأخرى، في كل ما يظهر منها: نمط التبرج، أو الماكياج، تسريحة الشعر، اللباس سواء ما »يكشف« الصدر أو ما يبرز صرة البطن أو ما يرسم حدود الاستدارة في الخلف.
الصغيرة تريد أن تظهر كبيرة، والكبيرة تصر على أن تبدو صغيرة، والعجوز ترتدي لباس الصبايا، فتضيع!
لم أعلق فأضاف: أرأيت لماذا ضعف نظري فاضطررت للذهاب إلى طبيب العيون؟
} قالت متأففة: لماذا يتضاءل حجم الليل؟ انه لا يكاد يكفيني لأتمدد فيه.
وردت صديقتها متباهية: أما أنا فأشغل النهار والليل ثم أفيض فأسرق بعض ساعات الغد. السر في رفيقك، يا غبية!
} قال شاكيا: تحاصرني صديقتي بغيرتها حتى لأكاد أجن. إنها كلما رأت امرأة انطلقت تشهّر بها، تذم طولها إن كانت طويلة، تحقِّر ضآلتها إن كانت قصيرة، تكتشف عيوبا في وجهها إن كانت جميلة، تقرّر أنها ضعيفة النظر إن كانت ساحرة العينين. إنني محاصَر، لا أكاد أرى غيرها، وانني لخائف أن أقتنع أخيرا بأنها المرأة الوحيدة في العالم!

الزمن مدى الوصول
أغوانا الليل، واستجبنا لغوايته فأدخلنا تحت عباءته وشرع لنا أبواب دنياه المسحورة، فلا هو أغفى ولا نحن تركناه يأخذنا نائمين الى نهار البُعد ووجع الفراق.
تقلبنا في بطن العتمة مستضيئين بنور الشهوة وبمعرفة المشردين والأسرى والمنفيين عناوين بيوتهم التي لم يتمكنوا من ولوجها، خوفا من رقابة القمر وعيون النجوم الراصدة لنواياهم.
لا تقرع الباب، ولا تنتظر دعوة من أنهكه الشوق في انتظار الذي لا يأتي.
لن يزيد إعلان القبول في لهفة الترجي.
لا وقت لمجاملات الزيارة الأولى. لا مجال للياقات الوداع. الزمن هو مدى الوصول.
دع الحارس في مكمنه يتلذذ بالتلصص للاستمتاع بتأوهات الحقل وهو يتلقى زخات المطر الذي طال انحباسه في غيم ينتظر الريح ليتدفق طوفانا.
كلنا مرضى بالانتظار.
تنتظرين منتظرا، وأنتظر أن تضجري من انتظارك فتنظريني.
والليل موعد مفتوح لرؤية ما لا يراه إلا الناظر بقلبه.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
لا يحتاج الحب إلى توصيف. ليس هناك حب كبير أو كثير من الحب. تلفظ الكلمة فإذا المدى ينفتح بغير حدود فيتسع للناس جميعا. أعرفت لماذا أعتبر حبيبي الناس جميعا؟!

Exit mobile version