طلال سلمان

هوامش

تحقيق الديموقراطية العلمانية بالاقتراع الطوائفي!
تلاقوا في موعدهم المفتوح، في مقهاهم الأثير على الرصيف، ثم جمعهم حديث الديموقراطية لمناسبة الانتخابات.
قال الأول: هي المرة الاولى نشهد فيها انتخابات حرة ونزيهة.
قال الثاني: مع أن القانون أخرق، والتقسيمات عشوائية، ولو مقصودة، واللوائح مركبة بطريقة هندسية بديعة.
قال الثالث: ومع أن المال كان يهدر في الطرقات طوفانا.
قال الرابع: حددت الانتخابات السقف، فالفقير او متوسط الحال لا يمكن له أن يرشح نفسه، وإن تورط كمرشح فهو لن يستطيع تأمين النفقات اللازمة لنقل ناخبيه.
استدرك الخامس: وإطعامهم… وقبل، تجهيز بطاقاتهم الانتخابية.
عاد الأول الى دائرة الكلام فقال: كنا نسمع عن الديموقراطية، الآن تعرفنا عليها.
قال الثاني: بالفعل، كانت دائرة الخيار واسعة بحيث تتيح لكل منا ان ينتخب من يريد.
أمن الثالث على كلام الاول: لم تُغضب طائفة، ولم يُفرض على أي مذهب نوابه. كل فريق لبناني حمل الى المجلس من رآهم جديرين بتمثيله.
اعترض الرابع: هذا انتخاب لمجلس ملّي وليس لمجلس نيابي.
تشدد الأول في التمسك برأيه: على الأقل لم يزوّروا النتائج. لم يعتقلني احد لأنني اعطيت صوتي لمن أريد، ولم يقطعوا الكهرباء عند الفرز، ولم يبدلوا »المظاريف« ليسقطوا ناجحا أو ليؤمّنوا الفوز لساقط يريدونه بين الناجحين.
قال الخامس: أنظروا الى النتائج؛ الشيعة مددوا لمرجعيتهم، والدروز أكدوا ولاءهم لزعامتهم الدائمة، والموارنة انتخبوا من كانوا ممنوعين من اختياره، ولقد استطاع السنة هذه المرة ان يفرضوا زعامتهم من خارج النص الرسمي.
نبر الرابع محتجا: هذه انحيازات طائفية، فأين الديموقراطية؟
قال الأول: هي ديموقراطية داخل الطوائف.. إنها البداية!
رد الخامس بشيء من السخرية: بداية ماذا… الحرب الأهلية؟! لقد قسمتم البلد، ديموقراطيا!
سانده الرابع: بل إنه خيار مفروض داخل كل طائفة! لقد صار لكل طائفة »مرجعيتها« المفروضة، بقوة الأمر الواقع المكرس الآن بالقانون الانتخابي وبتقسيم الدوائر. مع اعتماد هذا القانون بهذا التقسيم تم إعلان نتائج الانتخابات، فهو حدد الحصص والأنصبة وأسماء الناجحين!
أكد الخامس: أما التصويت فكان أشبه بغلالة تغطي الواقع، بغير ان تخفيه، لتضفي على المشهد الطائفي المعيب والمحزن مظهرا ديموقراطيا!
غضب الأول فرد معترضا: إذا اخترت للمسيحيين نوابهم، واختار المسيحيون للمسلمين نوابهم، تكون تلك ديموقراطية؟! شرط الوحدة الوطنية في بلد متعدد الأديان والطوائف أن تتوفر بداية الحرية الدينية.
ارتفعت الأصوات محتجة: من يتحدث الآن عن الحرية الدينية؟ وأين علاقة الدين بالانتخابات؟! وأين علاقة الطوائف بالديموقراطية؟
قال الثاني محاولا »تبريد« الجو: ربما كنا نتعرف الآن على الديموقراطية، أي على حق الاختيار.
نطق »المنظّر« الذي كان يتابع النقاش من برجه العاجي، قال: أنتم تخلطون بين أمور مختلفة.. الديموقراطية نتاج التطور الانساني، وهي تتويج للجهد الدائب الذي بذلته الشعوب للفصل بين الدين والدولة. الديموقراطية هي عنوان العلمانية، أي أنها تجسيد لإرادة المجتمع، ووسيلة دفاعه عن حقوقه (على الأرض)، ومصالحه المشروعة.
قال الأول: ومن الأجدر بالدفاع عن حقوقي في نظام طائفي، من »زعيم« الطائفة و»مرجعها«. لولا مراجعنا، المعززة بأصواتنا، لما أمكننا تحصيل »حقوقنا« كطائفة، ولا مصالح أبنائها كمواطنين!
أضاف الثاني: ولكي يكون »الزعيم« قويا وكلمته مستجابة لا تُرد، علينا أن نؤكد التفافنا حوله… والانتخابات وسيلة ديموقراطية لتأكيد ثقتنا به وتفويضنا له، فيصير طرفا نافذا في الحكم، ويمنع ان تغتصب طائفة أخرى حقوقنا، كما كان يحدث في الماضي، ويحفظ حصتنا مستندا الى صحة تمثيله لنا.
كانوا يجلسون في مقهاهم على الرصيف، وسط غابة من الصور الضخمة واللافتات الملونة الكلمات.. وكانوا مشغولين عما حولهم بنقاشهم الذي كان أخذ يحتدم، لكن موجة من الضجيج والصخب اجتاحتهم في لحظة، فجعلتهم يلتفتون إلى مصدرها: كان موكب واحد من »الزعماء« يعبر الطريق متمهلا، ومن بعض سياراته المكشوفة والمطلقة أبواقها على مداها، والمشعشعة مصابيحها في عز النهار، أطلت رؤوس وأياد تلوح في الهواء وسط هتافات مدوية بحياة »الزعيم«، وشتائم مغلفة لمنافسيه..
انشق أصدقاء المقهى على بعضهم… ديموقراطيا: فالذين من طائفة الزعيم بهرهم المنظر، وعزز حججهم في النقاش، بينما أبناء الطوائف الأخرى أخذوا ينتقدون البذخ في الموكب والرداءة في الشعارات اضافة الى »سوقية« الهتّيفة وبذاءة الهتافات.
فأما »المنظّر« فقد انشغل بتنظيف غليونه قبل أن يملأه بالأفكار الجديدة عن الديموقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان.
* * *
استدراك أول: في حملة النفاق الاولى التي سبقت الانتخابات، استهلك المرشحون الكلمات المضيئة من »القضية« الى »المقاومة« الى »الكرامة« الى »الضمير« الى »الارادة الشعبية« و»كرامة الانسان« و»الوحدة« و»الحرية« الخ.
بعد إعلان النتائج انطلقت حملة النفاق الثاني:
المرشحون جميعا، أو من كانوا مرشحين، بالفاشلين منهم والناجحين، يشكرون الناخبين، ويمتدحون وفاءهم وأصالتهم ونبلهم والتزامهم الاخلاقي وشجاعتهم في التصدي للقهر، واندفاعهم الى المواجهة للتعبير عن عمق إيمانهم بالديموقراطية.
ما كل هذا النفاق لديموقراطية الذين بالكاد سُمح لهم ان يعرفوا معنى الديموقراطية!
استدراك ثان: داخل المكاتب والغرف المغلقة كان المرشحون، الفائز منهم والفاشل، يقولون كلاما مختلفا… كانوا يشتمون الناخب الجاهل، المتعصب، قليل الأصل، عديم الوفاء، بيّاع مواقفه، عديم الذمة، الذي وعد فأخلف أو أنه كان غبيا فلم يعرف مصلحته.
الأخطر ان الجميع أدركوا في الناخب عقدة »التزامه« الطائفي، ومع ذلك لاموه على نقص وعيه الديموقراطي، وهم بين مصادر النقص والعلة فيه.
داخل الحكاية.. خارج الحكاية!
موعدنا الخريف. زهر الغيم وشمس ما بعد المطر الأول، واللقاء الآتي من الغياب.
اختنقت مواعيد الصيف بقيظ الغموض، واحترقت ملامح اللقاء في ذاكرة يتكاثف فيها الرماد فيطمس الاسماء والأيام واليقين.
انا خارج الحكاية. »أنا« الذي داخل الحكاية هل أحببتني ذات مرة؟
سيتحدث »عني« الجميع بعينيك أنت، وفي الموقع الذي اخترته ل » أنا« الآخر الذي استولده غرورك فيكونني ولا أكونه، ويعرفك الناس منه ولا يعرفونني، وقد يحبونه فيك وينكرونني خارجه، وأعيش ضياعا بيني كما ترغبين وبين رغبتي فيك التي تأخذني الى التنكر، وبين »الأنا« التي لا تتنازل عن وجودها ليحبها »الآخر«.
إن كنت أنا »الآخر« ربحتُ وهم حبك وخسرتُ نفسي.
ولكنني أحب »أنا« أكثر مما تحبين »الآخر«.
ولست أعرف إن كنت احبك »أنت«، فأنت متعددة ولا عنوان للعتاب.
موعدنا الخريف، مع ارتعاش أوراق اللون قبل السقوط الى الارض التي تحلم بالمطر ليجيئها المخاض من جديد.
لا الصيف أعطاني فرصة الامتلاء بالربيع، ولا غيوم تتكاثف مبشرة بشتاء الاحزان.
الفرح معلق خلف الموعد المعلق على سفر الفصول بين المصادفات.
يتقافز خيالك بين شمسين، وتتوالى ظلال »نسخك« فأكاد لا أميز أيها تلك التي خمنت أنني أحبها من تلك التي خمنت أنها تحبني.
موعدنا على الحد الفاصل بين الوهم والحلم والطبعة الجديدة.

من أوراق النسيان
} ليست الذاكرة حضنا دافئا. إنها سرير من الشوك.
} الحسد ليس مستودع ذكريات، والحب لا يمكن ان يكون ماضيا. يبدأ ولا ينتهي، ولو في صمت العجز او في غربة الهجر المر.
} لا يسكن الحب النجوم وإن تخيل المحبون أنهم يتخذون منها وسائد او أرائك تحميهم من الاحتراق بالغيرة، او من الاختناق في حبس التقاليد و»سمعة العائلة«.
} يتسامى المحبون، لكنهم متى نسوا انهم بشر تحول حبهم الى اخيلة مجنحة ترف لحظة فتزهر اوهامهم ثم تهبط عليهم عتمة الفجيعة.

عمري الحب

}}} كتبت إليه تقول:
ترى عمري ولا ترى قلبي؟!
سأظل أراهق حتى أملأ الأيام عشقا وعيونا للهفة وقصائد غزل للذين لا يعرفون القراءة.
سأظل عند العتبة، »بواباً لذلك النعيم الذي لا يراه إلا المحبون، لا ادخل دنياه فأجعله صالة ومطبخا وخزائن لثياب المناسبات، ولا أنصرف عنه بداعي أنه أثقل من أن تحمله أكتاف السنين المنهكة بالقصص التي بترت قبل نهاياتها.
أحب على مدار الساعة. أحب صباحا، أحب ظهرا، احب عصرا، احب مساء، وأذيب الليل حبا. وقبل ان تشرق الشمس الثانية اكون قد باشرت حبي الجديد.
ماذا قلت؟
ما أطيب أن تكون ضوء الحب وعتمته والشمس الأخيرة«.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لا تُعرف له مهنة إلا الحب:
لا يقبل الحب النقاش من خارجه. المحب أصم إذا جاءته النصائح ممن »تقاعدوا« وصار حبهم القديم ذكريات قد تبعث على الندم او على الحسرة. يسمع الحب حديث المحبين، يسمع من يخاطبه من داخله لا من خارجه، بعد أول »آه« يفتح المحب قلبه وأذنيه وعينيه. أما من يحاول مخاطبته من الخارج وبصيغة »لما كنت بعمرك« فيتركه لكي يعيش عمره هو.

Exit mobile version