طلال سلمان

هوامش

أسئلة تتجاوز هواية الخيانة عند صحافيين جزائريين مبتدئين!
ليست حادثة عابرة تجيء من خارج السياق، انها ظاهرة تستحق الدراسة:
لماذا يكثر عدد المنحرفين او »الخونة« بين أبناء شهداء التحرير من أبطال المعارك الفاصلة ضد الاحتلال الاجنبي؟!
هل هي عقدة الصغارة تجاه الآباء العظماء الى حد تخليد ذكراهم؟ هل هو ظهور متأخر لحقيقة الأسطورة التي حجبت السيرة الفعلية لأولئك الذين قضت المصلحة الوطنية في تصنيمهم ورفعهم فوق مستوى البشر، ليكونوا المثال والقدوة، فأخرجوا من حقيقتهم البشرية حيث يتصادم ويتعايش الصح والغلط، ومنع التوغل في ممارساتهم ومباذلهم، لحظات جنونهم وضعفهم، طيشهم واندفاعاتهم الحمقاء، لكي يظلوا في مرتبة عليا تتجاوز الملائكة لتقارب الرسل والانبياء المطهرين؟!
هل هو الرفض للخطاب الرسمي المقرر والذي تنقضه الممارسة العملية للحكم القائم؟!
هل هو تعبير عن سقوط اليقين أمام طوفان الغلط والتزوير والكذب العلني في الشعار السياسي وفي مسلك حملته، وهم هم الذين يستخدمونه سلّما للوصول ومن ثم التعالي على الذين تحت، والحرص على البقاء فوق بإبقائهم تحت، ولو سخّروا من أجل ذلك الله والمقدسات جميعا؟!
هل هو الانبهار بالخارج، الذي يتم التركيز على تصويره وحشا، حتى اذا استتب الامر لمن بيدهم القرار، فتحوا له الأبواب باعتباره الامل بالانقاذ والنموذج للتحضر والطريق الوحيد الى التقدم وولوج العصر؟!
كيف ينقلب العدو، قاتل الملايين، مبيد الجماعات والافراد، سفاح الاطفال، مغتصب القاصرات والعجائز، مدمر المنازل والمدارس والمحاصيل، حارق الزرع والضرع والسنونو والفراشات وزهر الياسمين، الى قائد للعصرنة وقدوة في الديموقراطية وراع لحقوق الانسان؟!
إن تجربة هؤلاء الهواة او المبتدئين من »الصحافيين الجزائريين« الذين جاؤوا من أرض المليون شهيد لزيارة إسرائيل، مبهورين سلفا بتجربتها »العلمانية« الفذة، مأخوذين بوجوه تقدمها التقني، مشدوهين بديموقراطيتها وقدرتها على دمج العناصر، ومرتبكين أمام »تعدديتها« المسلّم بها من الاطراف المتنافرة فيها جميعا، والأخطر: الواثقين ثقة عمياء بالتزامها منهج السلام والسعي الى تأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في أرضه،
ان تجربة هؤلاء، بمعزل عن مدى سذاجتهم او فصاحتهم، براءتهم او ارتباطهم، تستحق ان تُدرَس وان تُناقَش بعيدا عن الرفض المبدئي والانفعال الذي يضيّع أساس الموضوع كما يشوه الاستنتاج المنطقي الذي لا بد لنا من ان نتوقف أمامه مليا، دارسين، متفحصين.
بمعزل عن أشخاص هؤلاء الفتية، ومعظمهم دون الثلاثين، وعن الترحيب الحار الذي استقبلتهم به وزيرة الخارجية الاميركية التي كانت في زيارة دورية لإسرائيل،
وبمعزل عن الموقف المتناقض وغير المفهوم للسلطات الجزائرية منهم، كأشخاص، ومن صحفهم وكتاباتهم فيها، ومن الصحافة والديموقراطية عموما،
وبمعزل أيضا عن الموقف المتناقض وغير المبرر لهذه السلطات من إسرائيل، كمثل اندفاع رئيسها لمصافحة باراك بغير طلب، وبغير تبرير، وبغير تمهيد، واللقاءات الرسمية مع مسؤولين إسرائيليين داخل الكيان الصهيوني وفي فرنسا وأنحاء اخرى،
بمعزل عن هذا كله فان »الانهيار« الجزائري، الذي شمل العقيدة الدينية والقيم الاخلاقية والمبادئ السياسية جميعا، يستحق وقفة بالتأمل والدراسة، لمعرفة أسبابه العميقة وتداعياته الخطرة والتي تتجاوز الجزائر الى كل الوطن العربي والعالم الاسلامي، بشكل خاص، والعالم الثالث عموما.
هل جرف طوفان الغلط الذي مارسته السلطةالجزائرية، جيشا وحزبا وحكما، على امتداد الاربعين سنة الماضية، كل التراث العظيم لتلك الثورة الفريدة في التاريخ العربي الحديث والتي أنهت حقبة استعمارية استيطانية طالت لحوالى مئة وثلاثين سنة (ولعلها ما تزال مستمرة؟!).
هل يكمن السر في هشاشة التكوين السياسي لرواد الثورة ولجمهورها من بعد؟!
هل تكشفت الضحالة الثقافية لأولئك المقاتلين الشجعان، ففضحهم الحكم الذي لم يكونوا مهيئين لإدارته كوسيلة للارتقاء بالمجتمع كله الى مستوى طموحاته؟!
هل كانت التركة الاستعمارية على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، أثقل من ان تحملها كواهل أولئك الفتية الذين »هزوا السلاح« و»طلعوا الجبل« وقاتلوا كأعظم ما يكون القتال، ثم لما وصلوا الى مؤسسات الحكم لم يعرفوا كيف يشغلونها وكيف يديرونها وكيف يحملون اليها طموحات أهلهم فيحولونها الى قرارات والى مشروعات والى فرص عمل ورواتب وبيوت وخبز وأمل يؤكد ان التضحيات لم تذهب عبثا، وان الوطن يستحق الأمان والكرامة والحياة الأفضل.
هل أزعج الجزائريين، الذين عزلهم الاستعمار لدهور عن اخوتهم في الأقطار الاخرى، هذا التباهي العربي المبالغ به(؟) في دعمهم للثورة الجزائرية، ثم في توقع مردود عال منها؟! وهل أحسوا بشيء من المنة؟ وهل خذلهم الواقع العربي فلم يجدوا فيه ما كانوا يطلبونه بالثورة ضد الاستعمار الفرنسي (الغربي)؟!
وهل هذا الانبهار الجديد القديم بإسرائيل هو امتداد بل ذروة للانبهار بالغرب المتقدم عموماً، خصوصا وقد أعاد الجزائري العادي الاعتبار الى فرنسا، بل وعاد يطمح الى الهجرة إليها ولو تسللا، وعاد يتباهى بأنه يتقن الفرنسية ويكره اللغة العربية الصعبة والتي تأخذه الى التخلف؟!
انهم منحرفون، وقد يصل بهم الامر الى حافة الخيانة العظمى.
لكن حركة هؤلاء الهواة من الصحافيين الجزائريين تكشف واقعا عربيا مفجعا، فتفضحه بقدر ما تفضحهم: ليس هو الوطنية الصافية، ليس العروبة الثورية، ليس الاسلام الانساني المتفتح بالفكر والاجتهاد والمعاملة، ليكونوا هم الخونة مع سبق الإصرار والتعمد!
خطاة يحاكمون مخطئين؟!
عِمْيٌ بالتعصب يحاسبون مبهورين بانفتاح لم يعرفوه؟
جلادون يحاسبون ضحايا أخذهم الخطأ الى موقع المروّج لجلاد أكبر؟!
الاسئلة نهر لا مصب له.
علينا، بعد الإدانة، ان نفكر طويلا بأمثال هؤلاء الذين نعرفهم في مختلف أقطارنا، بل ربما من حولنا…
انهم عنوان الموضوع. أما الموضوع فأكثر تعقيدا وتشعبا من ان نحله باللوم او بتقريع الذات او بتوزيع التهمة بين الجيش السفاح من أجل الاستمرار في السلطة وبين إسرائيل قناصة الفرص لاستفراد العرب وبين أولبرايت باعتبارها إحدى أدوات المقصلة التي تحاول إبادة القضية الفلسطينية، وأحيانا بأياد فلسطينية!

خريطة الرموز الوراثية كاكتشاف عربي قديم!
يعيش العالم حالة انبهار تقارب الذهول بالانجاز العلمي الخارق الذي تحقق باكتشاف خريطة الرموز الوراثية المحدِّدة لخصائص الحياة البشرية والمكونات الرئيسية للانسان.
يكاد ينكشف السر الأعظم، فها قد تم إنجاز 97 في المئة من »كتاب الحياة«، الذي تطلب خمسين سنة من الجهود الدؤوبة والدراسات المعقدة والأبحاث المضنية، والتعاون غير المألوف بين شبكة هؤلاء من مراكز البحث والمعاهد العليا تلاقى في أفيائها آلاف آلاف العلماء والمجتهدين.
العالم ساذج جدا جدا، بل هو غارق في الغباء المطلق!
وبالدليل العربي الحسي فلم يكن ضروريا ان تهدر كل تلك السنوات وكل تلك الجهود المضنية والأبحاث التي تذهب بنور العيون وهي تطارد الجينات (او الجنيات) المكونة للحامض النووي الريبوزي (دي. ان. ايه).
لو ان هؤلاء العلماء جاؤوا الى الوطن العربي، بمشرقه ومغربه، لوفروا على أنفسهم الكثير من الشقاء والعذاب في مطاردة الصبغي الوراثي الثاني عشر والخلايا البكتيرية والشفرات الوراثية التي يتراوح عددها بين ستين ألفا ومئة ألف، عدا عن الجينوم والكروموزوم وسائر المشتقات.
ان بضعة من السلاطين العرب، مع حفنة من قادة الاجهزة الامنية وبعض المسؤولين عن التعذيب في أقبية المخابرات والسجون العربية، قد توصلوا الى نتائج أكثر إبهارا وأعظم تأثيرا في الرموز الوراثية المحدِّدة لخصائص الحياة البشرية والمكونات الرئيسية للانسان!
لقد نجح هؤلاء العباقرة الأفذاذ في استيلاد الحيوان داخل الانسان، وفي استيلاد الانسان من الحيوان.
نجحوا في إنهاء العقم، فحملت العاقر، وعقموا القادر فلن ينجب.
نجحوا في اعادة الانسان الى قرد، وفي إنطاق الأبكم، وإخراس الناطق، وفي إسماع من به صمم، وفي صمّ السميع.
إنهم يستطيعون إنتاج مخلوقات حسب الطلب طولا وعرضا، عقلا وجنونا، شذوذا وصحة، هدوءا وثورة.. ثورة حتى النصر.
بل لقد تجاوزوا ذلك كله الى التحكم بالحواس، فهم ينتجون مخلوقا بعينين ولا يرى، وأعمى يرى ما في الضمائر وما في السرائر، وآخر بأذنين ولا يسمع، ولسان ولا يتكلم، ويدين ولا يعمل، وجهاز هضمي ولا يأكل، وجهاز تناسلي ولا ينسل… والعكس صحيح دائما!
ان في دست الحكم في مختلف البلاد العربية من أضافوا الى »كتاب الحياة«، ومن أعادوا إصداره منقحا ومزيدا وفي طبعات مختلفة!
على اننا شعوب لا تكرّم أبناءها، ولا تعترف بفضلهم، لأنها مبهورة بالاجنبي!
ألا تستحق مثل هذه الشعوب التأديب وجعلها حقل اختبار لإنتاج أصناف أرقى من البشر، وإضافة فصول جديدة الى »كتاب الحياة«.
يقولون في الغرب، الآن، انهم يشاركون الرب…
اما أربابنا فلا يقبلون شراكة، لأن الشراكة شرك والشرك يأخذ الى الشيطان… أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!

قصص مبتورة
} دقت الساعة الثالثة فجراً فقامت المراهقة التي كان قد أنهكها الرقص وغزل من يكبرونها سنا، لتنصرف.
قالت: ياه! عائلتي محافظة، لا أستطيع ان أتأخر أكثر لأوزع قبل الوداع!
} كتبت إليه تقول: »تعلقني على حبل التمني ثم تنساني. أعرفك عابثا، لكنني لا أملك ترف العبث، لا سيما مع الهواة«!
ورد برسالة جاء فيها: »عابث أنا، نعم.. لكنني لم أجد، بعد كل الذين عبروا قبلي، ما أعبث به! تحدثينني عن الحب الكبير، وأرى صدري »مشتلا« للقلوب المهجورة، تستعرضينها كل يوم ألف مرة لتستوثقي من سحرك القاتل… اما شفتاك فأشبه بتينة صيفية التهمت العصافير عسلها ولم تبقِ منها غير القشرة المشققة. في كل لفتة أجد أثرا لمن سبقني، وأجد وعدا غامضا لمن سيأتي بعدي. سأظل هاويا، صديقتي المحترفة، أفضّل الثمار الفجة تاركا لغيري معارض التحف التي قيمتها بعدد الأيدي التي عبثت بها!«.
} نبتت أمامه فجأة، في أقصى الأرض، وهتفت: أحلى من كل ما توقعت، أليس كذلك؟
قال وهو يداري تبرمه بهذا الظهور المباغت: الحياة أكرم مما نتوقع! يعز علينا الرغيف فتمنحنا فرنا كاملاً!
} لم يصدق أنها تمتلك كل هذه الجرأة على الاقتحام، فحاول تقليدها، وتبادلا التحية حارة أمام عيون الجمهور الحميم وكأنهما رفيقا دراسة في إحدى مغامرات الاجازة الصيفية.
وحين أتيحت لهما لحظة للالتصاق داخل حمى المنتشين بالفرحة الكبرى، قالت: انها لحظة عظيمة تستحق الفضيحة!
سقط التقليد أرضا فابتلعه الغبار!

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
الحب إعادة خلق لذاتك وللناس وللدنيا. انه يمنحك عينين جديدتين ومعهما فيض من الأمل، ويعيد اليك الثقة بأنك على كل شيء قدير، فتتهاوى الصعوبة وينتفي المستحيل.
تصور… أنت المخلوق الضئيل، العاجز، الضعيف، المحتاج الى الآخرين، وقد انقلبتَ الى جبار فيه من القدرات الاسطورية ما لم يخطر ببالك؟! الخلق الاول لا شأن لنا فيه، اما الخلق الثاني فاختصاص الحب، منه وإليه وفيه.

Exit mobile version