طلال سلمان

هوامش

الداخل للسلطان والخارج لإسرائيل والفضائيات … عربية؟!
انتفت الصفة »العربية« عن الإعلام المسمى »عربيا«.
صار الاعلام، وهو دائما تابع كأنظمته وحكوماته التي لا تفتأ تتنصل من هويتها »العربية«، هجينا، و»بندوقا«:
فهو في الداخل صوت سيده، لا يعترف بغيره، ولا يشير إلى »الآخرين« من خارج الأسرة الحاكمة ولو بكلمة…
أما في الخارج فهو »موضوعي« تماما، ومحايد ونزيه وغير عنصري ومؤمن بحرية المعلومات والتعددية الثقافية بحيث يغدو نسخة طبق الأصل عن الإعلام الغربي عموما، والإسرائيلي على وجه الخصوص!
في الداخل لا يعترف هذا الإعلام »العصري« بالشعب إلا كرعايا، ولا يقدم الشعب إلا كطوابير من أصحاب الحاجات المحنية ظهورهم، المطموسة ملامحهم، المكسورة جباههم، الممتدة أياديهم »بالمعاريض« والطلبات والاسترحامات… وتلك فرصة لإثبات كرم السلطان ورحمته وديموقراطيته وعدالته وقيامه بواجباته كراع مسؤول عن رعيته، ثم ان هيبته في مقامه العالي تقطع الشك وتدحض افتراءات »الخوارج« وترد كيد الكائدين الى نحورهم، إذ تثبت بالصورة النقية والملونة انه ظل الله على الأرض، لا يرد سائلاً ولا يخيب رجاء معوز أو محتاج!
أما في الخارج، أي مع أخبار الخارج، فإن هذا الاعلام المدجَّن تماماً والمؤدب تماما، فإنه يتحول إلى داعية للديموقراطية، يلعن الحكام الدكتاتوريين ويتعقب بينوشيه سفاح تشيلي (وقد كان يمشي في ركابه أيام تسلطه)، ويطارد النواب العنصريين في النمسا ويعترض على دخولهم الحكومة برغم ان رئيس حزبهم هايدر لا يخفي إعجابه بهتلر والنازية، ويشهر بالصرب وطاغيتهم ميلوسوفيتش الذي »يطنش« عن الدعوات المتكررة من طرف معارضيه الى الاستقالة، بعد كل ما ارتكبه من مذابح ضد الأعراق والديانات الأخرى في يوغوسلافيا القديمة، ويلعن سنسفيل الشيشان ويعرض مآسيهم وكأنها عقاب إلهي لأنهم يطلبون الاستقلال والحق بتقرير مصيرهم، ويتمنون حصولهم على حقوق الإنسان!
الأطرف ان هذا الاعلام »العربي« اسماً، والناطق بلسان سلاطين لم يعرفوا الديموقراطية يوما ولم يعترفوا أبدا بتلك البدعة الغربية التي هي ضلالة والمسماة »انتخابات«، يتبارى في عرض المباريات الانتخابية في بلاد الله، بدءاً بالمنافسات المضحكة على رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، الى اختيار بديل لرئيس كرواتيا الراحل، إلى المناقشات الحامية داخل الكنيست الإسرائيلي، معددا التيارات والأحزاب والكتل، الدينية والقومية و»الوطنية«، بلا حرج أو تحرّج، باعتبار أن ما عند »أصحابه« أعظم وأبقى!
كل هذا هيّن… لكن »الطرافة« تطل مع وجوه المذيعين والمذيعات التي كأنما قدت من صخر أو اصطنعت على عجل من طين أو من جلود الأحذية، حين يبدأ السرد الوقائعي لمجريات ضربة إسرائيلية جديدة لأبناء الحياة أو لأسباب الحياة في لبنان، الذي اصطنع من دمه هويته العربية.
بألسنة خشبية، وبلهجة حماسية كمن يصف مباراة لبطل العالم في كرة القدم، أو في الملاكمة، أو في المصارعة الحرة، يبدأ المذيع أو المذيعة نشرته وكأنه يزف (أو تزف) إلى نفسه وإلى جمهوره بشرى، فيصف الغارة/ الغارات الجديدة، وكيف انقضّت الطائرات الحربية الإسرائيلية على أهدافها الساكنة فأصابتها بدقة استثنائية، وكيف شبّ الحريق في المولدات والأسلاك الحاملة النور إلى بيوت »أشقائه« الفقراء فلم تبقِ على مصباح واحد متوهجا بالضوء!
ثم تنتقل الكاميرا، بخفة ملحوظة، إلى ملاجئ الإسرائيليين في المستوطنات الشمالية، ويتابع المذيع الذي يشبه اللحام أو المذيعة المغناج التي تحسبها ستنهي النشرة بوصلة رقص، وصفه المؤثر للحالة النفسية التي يعيشها هؤلاء الرواد المتحضرون الذين جاؤوا لتعمير الأرض الخراب، فيكاد يبكي ويستبكي بينما الكاميرا تدور فوق وجوه النساء المتعافيات والفتيان والفتيات والصبية الأصحاء والمزينة رؤوسهم بالطاقية اليهودية.
ما قيمة أن تُقتل الكهرباء وتُفرض العتمة على شعب شقيق مقابل أن يضطر هذا الصبي الإسرائيلي الى النوم ليلة في ملجأ نظيف الجنبات، مكيف الهواء، وبه براد وثلاجة وفرن ومياه جارية؟!
إنها الكاتيوشا اللعينة، (وهي لم تطلق) سبب الرعب والتعاسة وتعثر »العملية السلمية«!
فالخوف من أن تطلق الكاتيوشا تسبّب في ضرب البنى التحتية في لبنان.
واحتمال أن تصيب الكاتيوشا، إذا ما أُطلقت، تلك المستوطنات الشمالية المبنية فوق أراض جاء بها اليهود المستقدمون في حقائبهم من مواطنهم الأصلية في روسيا وأوكرانيا وبولونيا والحبشة، كان لا بد من أن يسرِّع القرار بالضربة، فالحرب الوقائية مبررة ومشروعة، واللبنانيون أصحاب نوايا سيئة فليقتلوا قبل أن ينفذوا ما ينوونه!
… ثم ان المقاومة أو حزب الله أو الأصوليين أو الإسلاميين أو الإيرانيين أو، بوجه الإجمال، المتطرفين من أعداء »السلام« في الشرق الأوسط، كانوا هم البادئين: تصدى المقاومون لبعض الجنود الإسرائيليين الذين كانوا »يساعدون« الفلاحين في جنوب لبنان على تطوير حياتهم وذلك بتهديم منازلهم الآيلة للسقوط، حتى لا يتأذى أطفالهم، أو بإحراق أشجارهم المثمرة لأن أسعار المحصول لا تسدد كلفة إنتاجه، ولا بد من البحث عن »زراعات بديلة«.
الخلاصة: على الشاشات »العربية« العديدة، ما شاء الله، والتي رفعتها إرادة السلاطين إلى الفضاء لتنافس شبكات التلفزة الغربية، وحتى لا يظل الهواء محتكرا للكفار، ولا تظل وجهات النظر السلاطينية مغيبة وكذلك إنعامهم على رعاياهم مطموسا، وإيمانهم العميق مشطوبا… لا تجد أثراً ولا صورة »عربية« ولا تسمع كلمة »عربية«!
أخبار الداخل للسلطان، وأخبار الخارج لإسرائيل، وإن بلغة عربية!
إنها فضائيات ناطقة بالعربية ولا تخدم سياسيا إلا إسرائيل ومشروع هيمنتها على المنطقة!
وكيف تكون عربية هذه أو تلك من الأدوات الاعلامية ما دام السلطان قد أخرج نفسه من العروبة، وأخرج بلاده من الالتزام بموجبات العمل القومي؟!
إنها عربية اللسان إسرائيلية السياسة والهوى، هذه الفضائيات التي باتت بمجملها منابر تشهير بالعرب، أمة وثقافة وتاريخا، والتي تحترف تحقير المواطن العربي وإهانته بتشتيت اهتمامه بين رياضة ليست له، وبين هرطقات في الدين لا تخدم إيمانه، وبين مجادلات بين أهل الماضي لتيئيسه من حاضره ومن مستقبله، ثم تريحه بزجه في تلك المسابقات التافهة ذات الجوائز التافهة يقدمها مجموعة من المذيعين المهرجين والمذيعات الغواني اللواتي يغرهن الثناء!
إنها تضن على ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية بنعي كريم!
إنها لا تفعل غير تعظيم العدو عسكريا مع التنويه بإنسانيته وديموقراطيته، فقاتلنا هو هو نموذج الديموقراطية إذ لا يمكن أن يتخذ قرار إبادتنا إلا إذا أجازته أكثرية محترمة من قواه السياسية والدينية المحبة للسلام وفي استفتاء شعبي وعلني!
المقتول إرهابي والقاتل بطل للحريات!
والمجد للسلطان في الأعالي وعلى الأرض السلام الإسرائيلي!
لا تؤاخذنا قطعنا عليك استغراقك في متابعة المنوعات الغنائية على هذه الشاشات التي أوصلت فضائحنا القومية إلى.. سابع سماء!

قسمة ضيزى: خذوا عقولنا وأعطونا ما يذهب بعقولنا!
للمناسبة: استوقفتني بعض الاعلانات المروجة لفضائيات عربية جديدة.
كانت الدعايات تمثل مجاميع من الأعراب، أو بعض البدو بالدشاديش البيضاء يخبطون خبط عشواء في محيط الرمال كالتائهين في صحراء التخلف والجهل والضياع، ثم تسطع أشعة الليزر كالنور الهادي، وتستدير لتصطنع الشعار فإذا الضائع قد اهتدى والضال قد عثر على اليقين، والحمد لله رب العالمين!
وقبل سنوات التمعت في ذهن بعض السلاطين فكرة جليلة، فجاء في بعض عروضه العسكرية بالطيارين على جمال حتى إذا وصلوا إلى مهابط الطائرات الحربية الأسرع من الصوت قفزوا إليها قاطعين دهور التخلف في لحظة وارتقوا بها إلى السماء السابعة توكيدا للإعجاز العربي!
أن نستورد أسباب التقدم أمر حتمي وجليل،
ولكن ترى ماذا نستورد من تلك الأسباب، وفي أي مجال نستخدمها، وإلى أي حد أسهمت في تطوير مفاهيمنا وإدراكنا وقدرتنا على الانجاز؟!
ليس العيب في أن نكون، بداية، مستهلكين، نشتري من الخارج ما ينفعنا في حياتنا،
ولكن حتام نظل مجرد مستهلكين لا علاقة لنا بالسلعة التي تظهرنا متقدمين ومن أهل العصر؟!
وأين شبابنا الذين كان يمكن أن يكسروا هذه المعادلة المهينة؟!
نصدّر إليهم أبناءنا ونستورد منهم ما يوهمنا بأننا انتسبنا إلى العصر!
أحسب كم تكلفنا كل سيارة، بل كل دراجة، قبل أن نصل الى الطائرة والباخرة والكومبيوتر وسائر وسائل التقدم والعصرنة من شبابنا؟!
خذوا عقولنا واعطونا ما يذهب بما تبقى من عقولنا.
هل عرفت الآن ما هي القسمة الضيزى؟!

تهويمات
* فضحني شحوب وجهي.
قرأ فيه الآخرون غيابك وشوقي،
وقرأت فيه النقص فيَّ متى خرجت مني!
* قال: يا صغيرتي بيننا فاصل يصعب تجاوزه. زماني خارج ذاكرتك، وزمانك خارج قدراتي. لا مشترك حتى في اللغة. كريه هو الفعل الماضي!
قالت: والمدى؟! معك وحدك اكتمل! هل تعوضني اللغة!
لن أقبل أن تجعلني بعض الماضي، فخارج مداك لا أكون!
* قالت المتصابية المقتحمة: لو أنك تغيبين قليلاً، أنت ستفسدين الجلسة بالمعابثة.
وردت الصبية: ولكنني إن غبت ضاعت عليك الجلسة.
قالت المتصابية: أوتصمتين إذاً؟!
قالت الصبية: لست مثلك، فأنت يستحضرك الكلام أما أنا فأستحضر الكلام… وستثرثرون جميعا في قلب دوي صمتي الذي لن يسمع الرجال غيره!

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
الحب خالق. بلمسة تتبدل الدنيا. تنتبه إلى الورد وكنت تمر به فيخدشك ولا تشمه. تنتبه إلى بهاء القمر ومناجاة النجوم وتسمع صوت الليل وكنت تعتبرها مجرد أجرام سماوية. يبهرك جمال البحر وتسحبك أمواجه إلى عوالم الدهشة وكنت تراه مجرد صدى لحركة الريح. ثم.. تكتشف الناس: لا أحد هو ذاته قبل الحب. الحب يدخلك إلى مدى الروح فترى من الإنسان روحه، أما خارج الحب فالناس آلات أو أشباح أو مخلوقات عجيبة.. تولد إنساناً حين تحب.

Exit mobile version