طلال سلمان

هوامش

الإسلام والسلطة بين السياسي والملتحي
قال لي الصديق العائد من زيارة للجزائر التي عاش فيها لسنوات مدرّساً في بعض جامعاتها:
هل تصدق انهم، في الجزائر، باتوا يجهرون بكراهيتهم للإسلام؟! في البداية اعتبرتُ ما سمعته من بعضهم تعبيرا عن حنق أو ضيق أو حتى كراهية لرافعي الشعار الإسلامي كأداة لتحقيق أغراضهم السياسية في بلد المليون شهيد تحت عنوان »الله أكبر«!، لكنني بعد مناقشات مع العديد ممن عرفت، أصدقاء أو زملاء أو طلابا، وبعد محاورات مضنية تحققت من أن الموقف من »الجماعات الإسلامية المسلحة«، ومن قتلة النساء والأطفال والأجنة حتى لا ينشأوا في ظل الكفر والردة، ومن مدمري كل معالم التحضر بذريعة التخلص من »البدع« التي هي ضلالة، وأهل الضلالة في النار، قد سحب نفسه على الدين ذاته فاعتبر بعض هؤلاء المحنقين ان الإسلام هو مكمن العلة، وأن الموروث الديني هو السبب في التخلف الذي لا علاج له إلا بالتغرب والانتماء إلى الحضارة الأخرى.. حضارة الانفتاح والديموقراطية وحقوق الإنسان!
شهقت لهول ما أسمع، وقبل أن أتمالك نفسي عاد صديقي يقول:
أعرف سبب استغرابك، فالدين الإسلامي كان الرافعة الأساسية وكان مصدر الزخم العظيم للثورة الشعبية المسلحة العارمة التي أعادت الجزائر إلى هويتها الأصلية، وكان ركيزة استقلالها وعودتها إلى عروبتها وطرد المستوطنين الفرنسيين منها ومعهم الادعاء بأنها مجرد امتداد لفرنسا عبر البحر!
سألت وقد فضح صوتي حجم الفجيعة الجديدة التي أضافها كلام صديقي إلى الفجيعة الأصلية بخسارة الجزائر كرصيد ممتاز للعروبة وفكرة الثورة، والإسلام كعنصر موحد للشعب وكمصدر لإيمانه بحقوقه وكمنبع لزخم نضاله من أجل استعادة حقوقه وكرامته:
هذا دليل إضافي على أننا نخسر مع الحاضر المستقبل.
ربما. ما أعرفه أن طموح المواطن الجزائري العادي اليوم يكاد يتلخص في أن تقبله فرنسا كمنظف مداخن أو كنّاس لشوارعها. لقد تبخرت صورة العدو، وجرفه عمى الدم الى اعتبار فرنسا النموذج الحضاري، وكاد يندم على ثورته التي يفترض اليوم انها السبب في كارثته، لأنها كانت بالشعار الديني وليست علمانية، وأنها أرجعته بسبب إسلاميتها إلى القرون الوسطى وحرمته من فرصة اللحاق بالركب الحضاري… ولو عن طريق الاستعمار الفرنسي!
* * *
بدرجات مختلفة، تبدو أزمة العلاقة بين الدين والسياسة في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي وكأنها وصلت حد ذروة الخطر.
ويمكن بسهولة تعداد ألف سبب لهذه الأزمة، في طليعتها النجاحات التي حققها المشروع الصهيوني (اليهودي) في إسرائيل، تقابلها الهزائم العربية المتوالية.
وللهزائم أبطالها التي قد تشتمل لائحتهم الطويلة على الحركة القومية، والحركة اليسارية، والأنظمة الليبرالية (إن وجدت)، والحركة العلمانية عموما (إن وُجدت) بحيث لا يبقى من مرجع صالح إلا الشعار الديني وقيادات التنظيمات والحركات الرافعة لشعار »الإسلام هو الحل«.
العودة إلى الينابيع العودة إلى مصدر الهداية العودة إلى التاريخ واستذكار الحقيقة الضائعة أو المضيّعة والقائلة بأن العرب لم يعرفوا الانتصار، ولم يحققوا وحدتهم ومنعتهم ودولتهم العظمى، إلا تحت لواء الإسلام.
.. ولأن »العلمانية« باتت تهمة فقد أخذ يتنصل منها السياسيون والقادة والحكام تدريجا، أو أنهم يلجأون إلى تمويهها بشعارات دينية، نفاقا أو خوفا أو تجنبا لصدام يتخوفون من نتائجه مع »من لا يفهمون ولا يرحمون«..
بعض القادة اكتشف أن اسمه الأول »محمد«،
وبعض آخر ألصق الإيمان باسمه، كصفة، كما أنور السادات.
بعض ثالث وضع على الشق الوطني كلمة »الله أكبر«،
أما الأكثرية منهم فقد باتوا حريصين على صورهم وهم يؤمّون المصلين في المناسبات الدينية وفي مساجد لها رنين تراثي محترم.
كذلك فلقد أسقط معظمهم من كلامه أي ذكر للعلمانية، وأضاف بالمقابل بعض الآيات القرآنية وبعض الأحاديث النبوية.
المنافسة الآن على أشدها بين القائد السياسي الذي يحاول أن يظهر بالعمامة واللحية، وبين المرجع الديني الذي يتسلح بلحيته والعمامة من أجل إثبات حقه الشرعي بالسلطة… الأصل أولى من المقلد!
عادت إلى السطح مناقشات »قديمة« عن أحقية المرجع الديني أو الملتحي عموما بالسلطة، فإذا كان خاتمه ضروريا لتمرير قرار الحاكم السياسي فلماذا لا يحكم هو؟!
… وإذا كان هو مَن يستقطب »الجماهير« ويعبّر عنها ويجسّد إرادتها فلماذا يتركها لمن أخذ السلطة غصبا واحتكرها لنفسه، وكاد يزعم أنه إنما ينفذ بذلك إرادة إلهية من موقع ولي الأمر الذي له على الناس حق الطاعة!
بين هذا وذاك تتعرض هذه »الجماهير« لاضطهاد مزدوج، ومعها مفاهيم العمل السياسي والحريات العامة (التعبير، التفكير، الحركة، الحق في الاختلاف عن الآخر الخ..).
فالحاكم السياسي زاد من تضييقه على الحريات بذريعة منع الملتحين من استغلالها لأغراضهم الخبيثة التي تتلطى خلف الشعار الديني.
والملتحي يضرب، أول ما يضرب، الحريات، حين يحاول استغلال الهامش المتبقي من الحريات بذريعة السعي الى كشف دكتاتورية الحاكم وقهره الإرادة الشعبية!
صار المواطن ضحية مرتين: يقتله الملتحي لكفره (عبر استسلامه للحاكم الفاسد!)، أو يقتله الحاكم لعدم تطوعه للإبلاغ عن الملتحين أو ربما بالتواطؤ معهم!؟
انه ليس صراعا على السماء والجنة. انه صراع على السلطة في الأرض، وقد ينتهي بأن يخرج الناس جميعا من الدين، إذ ان هذا الصراع الذي لا يتورع عن استخدام أي سلاح، ولا يحترم أي قيمة، سيدمر يقينهم ويجعلهم أشلاء أو نثارا: بلا شخصية وبلا قضية، ومستعدين للاستسلام لمن يخلصهم من الاثنين، ولو كان استعمارا جديدا أو قديما أو هجينا ومختلطا كإسرائيل.
فالسياسي المسلح بقوة السلطة ليس أقل قسوة من الملتحي المسلح »بالشرع الإلهي« ، والمعيِّن نفسه قيّماً وولياً للناس ، له الحق في أن يحاكم ويحكم على الآخرين، وان »يفتي« في عمق أو ضحالة إيمانهم، في ثباتهم على دينهم أو ارتدادهم عنه أو كفرهم أو إشراكهم بالله.. ثم محاسبتهم على ذلك كله!
لمن السلطة: للملك أم للمفتي؟ للأمير أم للشيخ؟ للرئيس أم لصاحب السماحة؟

بين فينوس و»الفاست فود«!
قبل حين أثيرت في بيروت ضجة من ذلك النوع الذي يحمل نذر الفتنة والذي تصعب بالتالي مواجهته بالمنطق أو بالحديث عن الجماليات وعن الفائدة من تزيين المدن، كإحدى وسائل تنمية الذوق وتشجيع الإبداع الفني.. إضافة إلى السياحة وجذب الاستثمارات العنيدة!
موضوع الجدل الذي اتخذ طابعا »فقهيا« هو: هل يجوز أم لا يجوز وضع تمثال لفينوس مقابل مبنى مسجد، أم أن ذلك يشكل مساً بالمقدسات وإهانة لأماكن العبادة وغواية للمؤمنين؟!
بعد مفاوضات وشفاعات واضطرار المعنيين إلى إثبات صدق إسلامهم واستعادة تاريخ أسلافهم والتدليل على براءة قصدهم من شبهة التعدي على الشعائر والرموز والأمكنة التي اكتسبت قداستها من خارجها وليس من ذاتها… بعد ذلك كله أمكن العفو عن »المجدفين« و»المارقين«، وأمكن الوصول إلى حل وسط (كالعادة) يقضي بإبعاد موقع »فينوس« بضعة أمتار بحيث لا تقع عليها عيون المصلين على برونزها العاري فتشغلهم عن ذكر الله، أخذا بالاعتبار أن البرونز يثير الغرائز ويهيج مكامن الحس ويعطل العقل فيضر بالإيمان وأهله الطيبين الصالحين!
على أن المكان نفسه سرعان ما شهد افتتاح واحد من سلسلة مطاعم »فاست فود« أي »الأكل السريع« الأميركية، وسط »تظاهرة« ما زالت متواصلة جمعت حشود الهاجرين بيوتهم (والمسجد) ليلتهموا »الشطائر« التي يعلم الله وحده مدى ملاءمتها للصحة، فضلاً عن توافقها مع الذبح الشرعي والطهارة وسائر طقوس الأكل الحلال!
هل هذا كلام في الذوق أكثر منه في المناسك، وفي السياسة أكثر منه في الدين؟!
اللهم إني صائم… برغم أن رمضان قد ولّى وارتاح أبو نواس العظيم!

كنت الحشد يا امرأة!
الصالة ضيقة، والحشد كثيف. كنت كلك، يا امرأة، هناك.
كنت هناك »السيدة« و»الصديقة«، »المثقفة« و»صاحبة الرأي«.
وكنت هناك، أيضا، وردة تطوي أوراقها على ذاتها وتطلق عطرها ليُنعش الآخرين.
وكان الحزن يرف ويرخي ظلاله على سمتك المدوي.
وكانت عيناك تبحثان عنه وتعيدان تجميعه من ظلال الكلام المكسور.
وكان الليل الذي وحده بقي معك فامتلأ بك ولم يملأك بعد انصراف الصوت والظل وصدى الكلمات التي لم تُقَل بعد.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
كلما التقيت حبيبين يتناجيان ويسبحان في الأحلام المزهرة وينسجان من التمنيات حبالاً ترفعهما فوق الهمّ اليومي، أخذتني البهجة الى حبيبي لعلنا نستطيع إعارتهما واحدة من نجومنا ليسكنا إليها. الحب عدوى الصحة. اللهم ليكن لكل إنسان من هذه العدوى نصيب.

Exit mobile version