طلال سلمان

هوامش

حسين كنعان يكتب أميركا بإدارة أوباما.. وخيبة العرب!

… ها هو الدكتور حسين كنعان يخرج، مرة أخرى، من قوقعة كسله الإرادي ليمسك بالقلم فيكتب مستعيناً بخزين ثقافته، فضلاً عن علمه الذي مكنه من أن يكون الأستاذ الجامعي المميز، لا سيما بعدما حرر نفسه من أوحال السياسة المحلية فخرج منها ممروراً، وصار متنفسه المقهى إلا حين تلح عليه معارفه فيجلس إلى طاولة الكتابة حتى ينجز كتاباً جديداً.
آخر ما أنتجه الدكتور حسين كنعان كتاب «من جورج واشنطن إلى أوباما ـ الولايات المتحدة الأميركية والنظام الدولي»… وليس اختيار العنوان عبثياً بل هو مقصود، إذ هو يجمع بين «الرئيس المؤسس» الذي وحد البلاد، بعد تحرير العبيد، وقادها لتحتل مكانتها كدولة كبرى في عالم كانت تتقاسمه الدول الاستعمارية الأوروبية (بريطانيا وفرنسا واسبانيا والبرتغال وصولاً إلى بلجيكا).
يحاول الدكتور كنعان أن يخاطب عبر كتابه هذا المسؤول العربي كما المواطن شارحاً له كيف يمكنه فهم السياسة الأميركية وآلياتها ومن يؤثر فيها وما هي قوى التأثير في الداخل: «وفي هذا السياق لا يكفي العربي أن ينتصر على أميركا بالتحدي العاطفي، ولا بمخاطبة الرأي العام الأميركي بعشوائية فكرية غير منظمة. إن التحدي الكبير أمامه يرتكز على عنصرين أساسيين: الأول هو بناء الذات القومية الديموقراطية الصحيحة التي تحترم حقوق الإنسان وينطلق من بيئتها تحت فضاء واسع من الحريات… كما عليه أن يضع حداً فاصلاً بين جدلية الدين والدولة المدنية.
«… إن أفكار الآباء المؤسسين والدستور الأميركي غنية بالمفردات التي نستطيع أن نخاطب بها المواطن الأميركي لإقناعه بما يجب عليه ان يقوم به من سياسة عادلة في منطقة الشرق الأوسط، وفي الوقت ذاته العمل على بناء شخصية المواطن العربي وإخراجه من عقدة التاريخ، وظلم الحاضر والتوقف عن الخوف من مستقبل غامض يجب أن يبنيه بشجاعة وعزم وإيمان له وللأجيال القادمة».
لكن المثقف والأستاذ البعلبكي لا يشرح لنا كيف يصل صوت المواطن العربي المقهور بالصمت أو بالجهل أو بخيبة الآمال وسقوط الأحلام إلى واشنطن، وإلى المواطن الأميركي وهو في الغالب الأعم «لا صوت له» وقد استقر في يقينه ـ بالتجربة ـ ان الإدارة الأميركية هي التي تقرر وليس المواطن الأميركي، والإدارة تتعامل بمصالحها مع حكامه… ولا مجال للحوار بين جاهلين ومجهولين خارج دائرة التأثير في القرار.
ملحوظة: يقتطف الدكتور كنعان من الدستور الأميركي بعض نصوصه عن الرئيس وكيف يتم انتخابه، ثم عن راتبه: «يتقاضى الرئيس، في مواعيد محددة، تعويضاً عن خدماته لا يزاد ولا ينقص خلال الفترة التي ينتخب لها. ولا يجوز له أن يتلقى تلك الفترة أية مرتبات أخرى من الولايات المتحدة أو من أية ولاية أخرى..».
هل من ضرورة للمقارنة بالملوك والرؤساء والأمراء والسلاطين والشيوخ العرب، لا سيما أولئك الذين يقتطعون من ثروات بلادهم ما شاؤوا، بينما يذهب الباقي إلى الاقتصاد الأميركي بالذات (النفط والغاز والسلاح الخ)، مقابل دعم الإدارة الأميركية لهم وتأمينهم في وجه شعوبهم؟
ما علينا… يتوقف د. كنعان أمام «لنكولن ـ الرق والاتحاد»، ليلمح الى ان الرئيس الحالي باراك أوباما هو من ثمار سياسته:
«كان الرئيس أبراهام لنكولن ابن بيئته وعصره المليئين بالمآسي والويلات التي جلبتها الحرب الأهلية من جهة، والآلام التي كان يعاني منها جزء من الشعب الأميركي من جهة أخرى. فقد كان الزنوج يباعون كما تباع الحيوانات والعقارات والأثاث في المزاد العلني على شكل صفقات يعلن عنها في الصحف ويحدد فيها عدد النساء والرجال مع ذكر أعمارهم..».
أما نحن يا دكتور كنعان فإن زهرة شبابنا تقصد، اليوم، أميركا، إذا ما تيسر لهم الوصول إليها، أو بعض أقطار أوروبا، شرعاً أو بالتهريب، ليعملوا فيها بأية شروط لأن بلادهم لا تؤمن لهم الخبز مع الكرامة…
ينتقل الدكتور كنعان إلى الحديث عن الرئيس الأميركي أوباما، ومن الواضح انه يكن له تقديراً خاصاً فيذكر انه «من جذور افريقية وهو فخور بلونه وتاريخ عائلته الافريقية وبالطبقة الفقيرة التي كان ينتمي إليها… وما كان دائماً يحز في قلبه ويشعره بالإهانة وشيء من الاكتئاب هو عندما كان يناديه الانكليز بكلمة «يا صبي» بينما كان وجيهاً في قومه..».
يعرض الكاتب للعديد من الشخصيات الأميركية فيوصّف سلوكها السياسي فيقارن، مثلاً، بين هنري كيسنجر والسيدة هيلاري كلينتون فضلاً عن شولتز، فيذكر أن حاجة أوباما إليها كانت ماسة برغم انها كانت خصمه.
يختم حديثه الناضح بالإعجاب عن أوباما بالقول: «إن رؤية أوباما قد حققت أهدافها في الداخل من ناحية إنجازه في مضمار الضمان الصحي، وان الرئيس أوباما أصبح رئيساً قوياً وسوف يفرض شخصيته على إدارته..».
مشكور د. حسين كنعان على جهده، لكن المشكلة فينا أيها المثقف البعلبكي الذي أعطى جهده في العمل السياسي فتم صدّه، وأعطى في المجال المالي كنائب للحاكم في مصرف لبنان في فترة السماح التي مُنحت له، ثم خرج ممروراً، وان ظل طلابه يذكرون له انه فتح لهم باب المعرفة ومضى في طريقه إلى المقهى حتى ينسى، ثم ينتبه إلى قلمه فيعود إليه بوصفه الصديق الحميم… ولعله يستخدمه أكثر فأكثر.

رمزي يعيد إلينا الثنائي الجميل: أمين وليلى

يحلو الحديث عن الأحبة والأصدقاء بعد غيابهم، إذ يتركز على ما تركوه في نفوس أصدقائهم، خاصة وفي مجتمعهم عامة، إذا ما كانوا مبدعين في نتاجهم، مؤمنين بهويتهم وبأمتهم، مخلصين لأفكارهم، صادقين في عواطفهم.
كذلك كان «ثنائي الحب والأدب والفن» الراحلان الرئيس الدكتور أمين الحافظ ورفيقة عمره الروائية المبدعة ليلى عسيران.
ولقد أسعدني حظي أن كنت بين أصدقائهما الكثر، وأنني تعرفت في بيتهما الأول، وكان في جهة من كورنيش المزرعة، ثم في بيتهما الثالث في بئر حسن، الى مجموعة من المفكرين والشعراء والروائيين، من الرسامين ومن المطربين والمطربات المميزين، وجلهم قد رحل.. ومن أبرزهم الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، والروائي المبدع غسان كنفاني وفنان الكاريكاتور بهجت عثمان والروائي المميز يوسف إدريس، واستمعت معهما إلى المطرب الحلبي المميز الشيخ صبري المدلل، كما إلى أصوات العديد من المطربين والموسيقيين لبنانيين ومصريين وسوريين. ووجدت أنني مثلهما من «المصريين المتنكرين».
كانا نموذجاً فريداً كإنسانين. وكان بيتهما ملتقى الأحبة، ودار التعارف بين المبدعين والجمهور الذي كنت واحداً من عديده. وكانا يتحدران من أرومتين كريمتين ويجمعان بين طائفتين، فالزوج من عاصمة الشمال وقلعة النضال طرابلس وهو ابن القاضي الشرعي في القدس في ذروة جهاد الشعب الفلسطيني ضد الغزاة الصهاينة معززين بالاحتلال البريطاني. والزوجة من قلب الجنوب، ابنة عائلة ذات تاريخ في العمل الوطني.
ولقد أثبت ابنهما الوحيد الدكتور رمزي الحافظ انه الابن البار دائماً… لكنه أضاف بجهده أثراً تعتز به المكتبة العربية، إذ أنجز كتاباً ممتازاً يحمل اسميهما مجردين «أمين وليلى سيرة ـ نشأة ونضال وحب والتزام وسياسة وثقافة وأدب في قرن عاش خلاله أمين الحافظ وليلى عسيران».
في الكتاب السفر سيرة ذاتية لكل من الراحلين في مختلف مراحل النشوء. من الفتوة ومغامراتها. والدراسة في بعض أقطار أوروبا، كما في مصر التي عشقاها وعززت بألقها في العهد الناصري إلى حبهما الإيمان بالآمة وبالإنسان العربي فقدم كل منهما أقصى ما يستطيع في السياسة كما في الأدب والفن وتعزيز الإبداع الثقافي.
ولقد واكبتُ ليلى عسيران الأديبة أكثر مما واكبت أمين الحافظ السياسي، لكنني كنت قريباً منهما، سواء وليلى تنتج الرواية اثر الأخرى، وكانا قد استقرا في بيت عند جسر الباشا ثم اضطرتهما الحرب الأهلية لإخلائه والعودة إلى «الغربية» بشعور القهر أن وطنهما الصغير قد تمزق كانتونات طائفية.
يصعب تلخيص هذا الكتاب السفر الذي يؤرخ، تقريباً، لمرحلة النهوض ثم الانتكاسة، بالتجارب السياسية، حزبية أو أنظمة حكم فيها، ويكاد يقدم صورة لأبرز الكتّاب والمبدعين والصحافيين الذين أسهموا في منحه وهجه… ولكنك تستطيع أن تتعرف من خلاله، إضافة إلى السيرة الذاتية لكل من «أمين وليلى»، إلى تلك المرحلة بقياداتها وجمهورها، بفنانيها وكتّابها والمطبوعات المؤثرة من صحف ومجلات.
من تلك السيرة لهذين الإنسانين الرائعين اللذين استذكرتهما بيروت بعد الغياب، بجهد مميز من وحيدهما رمزي، أكتفي هنا بفقرات من وصف ليلى لأمين: «ألم ألتق حتى اليوم بإنسان قوي البنيان الخلقي مثله. هو طود. هو شامخ. يسير على مقربة الحدث. يحذرني من الاندماج به، وأنا عكسه أغوص في الحدث، أبحث عن جوهره… هو يقول عني إني لم أفسح له مجالاً للضجر، وأنا أجيبه الآن بأنه لو لم يكن هو هو، مكوّناً من تلك الشخصية الفذة لما بسطت أحاسيسي المتنوعة، مشاريعي المتعددة كالكف المفتوحة.. لقد كشفنا لبعضنا، ذات مرة، أننا نود أن نموت معاً. أتمنى من ربي أن يحدث ذلك».
كتاب «أمين وليلى» سيرة مرحلة في تاريخنا بشخصياتنا السياسية، أبطالاً وقادة حزبيين ومفكرين وكتاباً، وأماكن لها طابعها المميز، يستحق رمزي، ثمرة هذا الحب العظيم، التحية على هذا «السفر» الذي يجمع إلى التاريخ الأدب والسيرة الذاتية لحركة النضال في مرحلة من أخصب ما مر به الإنسان العربي في مسيرته إلى معرفة ذاته.

عصفورا الحب يقهران الاستحالة

حين تهادى الزورق في تلك البحيرة الصغيرة وعلى متنه «عصفورا الحب» اندفع الجمهور راقصاً نحو المرسى الذي كانت الأنوار الملونة تضفي عليه شيئاً من السحر الذي تحتاجه الحكاية التي سيتناقلها الآباء والأمهات، وسيحوّلها الفتيان والفتيات الذين يطيرون بأجنحة أحلامهم إلى الفرح المرتجى.
كانت العروس الغارقة في ثوبها الأبيض تلتفت بعينيها إلى الأحبة المتزاحمين لاستقبالها بالزغاريد مطلقة جواً من البهجة وعريسها يحضنها وعلى وجهه، مع الفرح، شيء من الاعتزاز، بأنه قد صبر ونال وحقق معها الحلم الذي كادت الالتباسات تذهب به: لقد انتصرنا!
يصنع الحب المعجزات: هذه واحدة تمشي وسط موكب الفرح أمام الناس جميعاً. تلمع العيون بالبهجة، بينما يهدر اللحن البعلبكي الذي يضج رجولة ساحباً الجميع إلى حلبة الرقص التي كان احتلها «الدبيكة» يتطايرون كما أسراب الحمام ثم يهبطون مستولدين بأقدامهم موجة من الرعد المنشي، فيتدافع الشبان ليشاركوا، ثم يهربون وإن ظلت عيونهم تتابع الخطوات وقد ازدادوا إصراراً على الانخراط في رف الكواسر …و«عمر» مع رف طيوره يستولدون الحماسة في نفوس أولئك الذين ذهب شبابهم ولا تزال قلوبهم ندية، فيتدافعون نحو المسرح يشبكون أيديهم بمن استطاعوا الوصول إليه ممن بعثوا فيهم الحيوية، فاستعادوا شبابهم بالخطوات ذات الإيقاع وان عجزوا عن الطيران مع هؤلاء الذين «طلوا من الجردين سمر اللمى».
أطل القمر خجولاً لأن موعد اكتماله لم يحن بعد، فرف نوره الشاحب على الساحة متحدياً حبال المصابيح الكهربائية، فإذا العيون تتجاوزها لتشخص إليه، وإذا التنهدات تستدعي التنهدات، وإذا الحب يغمر البحيرة ويتجاوزها إلى البحر، فإذا الموج يكمل الأوركسترا قائماً بدور الطبول والصناجات معاً…
لم يكن أحد يرغب في الانصراف حتى بعدما انسل «هادي» ذاهباً بصوته الشجي إلى تلك التي تنتظره في قلب «الآه».
ومع شحوب الضوء كان «عصفورا الحب» ينسحبان إلى «الجنة» التي اصطنعاها تنهيدة بعد تنهيدة حتى استجابت المقادير للإرادة التي تحمي فرح الشباب وأمنياتهم وسط احتضان الأهل الذين انصرفوا عائدين إلى شبابهم الذي جدده الفرح.

(إلى علا وآزاد في عسلهما..)

تهويمات

قال بلهجة الحكيم:لولا الحب لالتهمتني الشيخوخة..
وصححت له المعنى: اشعر أنني أكبر منك سناً، وأنك الآن ذلك الفتى الغر الذي طالما أردت أن تكونه..
قال وقد استعاد صوته: أعجب كيف يشيخ المحبون… إنهم فرح الدنيا ونوارتها. والطريق يزدحم بهم وهم ينثرون ورود حبهم ليزيدوا الحياة بهاءً، فإذا هي هي جنة الأحلام.
[[[
الفرح لا يحتاج إلى الذهب.
هل يستطيع الذهب أن يستولد الحب؟
[[[
في الطريق إلى حبك حاول ألا يذهب اسمك إلى النوم.. وعند العودة احرص على أن يكون دليلك عاشقاً مغتسلاً بالنسيان.

من أقوال نسمة

قال لي «نسمة» الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
ـ لا تعرّض حبيبك لامتحان مفتوح. لا تفرض عليه أن يقر ويعترف بحبه على مدار الساعة، وفي الحضور والغياب.
إذا كانت العيون والشفاه، اللهفة والترقب، بهجة اللقاء وحرقة الافتراق قبل اكتمال البدر، لا تكفي شهوداً، فإن الحب سيسافر بحثاً عمن يحفظه باعتباره عنوانه في الحضور والغياب.

Exit mobile version