طلال سلمان

هوامش

هلوسات… في انتظار الزائر الذي أتى ولم يأتِ

ما أطول الليل!.. ولكنك كنت تراه قصيراً، فتستعير له من النهار الآتي ما يُسقط الحدود بينهما بالنشوة التي ترشح من نجمة الصبح وتمكث في النفوس زاداً لأيام البؤس المقبلة.
ما أبعد الغد! وكنت لاستعجالك تكاد تدمجه باليوم، محولاً الزمن إلى ميدان فروسية بينما تُهجَّن أصائل الخيل وترمى في ميادين الرهان خارج أنسابها وفرسانها الذين تقاعدوا بالأمر أو تحوّلوا إلى مهرجين.
لكأن الليل دهر! والدهر يتسع لأعمار كثيرة قبل عمرك وبعده ومعه.. وليس لك فيه إلا مساحة محسوبة بأنفاسك. أين الفجر الذي طالما بشّرت به، على المستوى الفردي، كما على مستوى الأمة؟ هل يحتجب هو الآخر لأن الزمن لليل، وهو طويل وعميق، بمدى الهزيمة وعمقها؟!
تحاول أن تستذكر الوقائع والمشاهد التي سبقت سقوطك سهواً على فراش من شوك. ليس في ذاكرتك ما يؤشر إلى أنك تجاوزت بجهدك آداب عمرك، أو أنك قسرت نفسك على ما لا تقدر على ممارسته.
كنت تمشي في البحر الذي ترى «أرضه»، تدغدغ قدميك أمواج رقيقة، وتتابع بعينيك حركة الأسماك التي بالكاد خرجت من عتمة مغارة الميلاد الصغيرة حتى تكاد لا ترى إلى الشمس… كنت تتأملها وهي تجاهد لتدخل في نسيج هذه الصحراء الزرقاء التي تمتد بعيداً حتى الاندماج في الأفق اللازوردي، فرحة باكتشاف عالم الضياء وحركة الصراع من أجل انتزاع مساحة آمنة لحركتها الحرة في هذا البحر الذي تستكشف أمداءه الآن.
كنت تمشي فحسب، وحركة الموج خفيفة، لأن المياه بالكاد تصل إلى ركبتيك. تتأمل البنات والأبناء والأحفاد وهم يمارسون متعتهم البحرية بشجاعة لم تتمتع بها في أي يوم. ثم رجعت إلى خيمتك على الشاطئ حيث شريكة العمر تحاول أن تقرأ صوت البحر وتفهم أحواله من خلال موسيقاه.
استغرقت في التأمل، وقد قمعت أفكارك وهمومك ومخططات الغد. أنت هنا لترتاح. أنت هنا لكي تمارس الكسل الذي نسيت طقوسه فهجرك منذ زمان بعيد. أنت هنا حيث الشمس والبحر والفضاء المفتوح وصدى الضحكات الطفولية الصافية التي تسمعها مثل قصائد تنتظر ألحانها.
… ولقد مشيت، من بعد، إلى غرفتك، وخرجت إلى كرسي في الشرفة تمنحك المسافة الكافية للتأمل بعدما اختفى صوت البحر أو خفت حتى صار أشبه بنغمات موسيقية ناعمة تنشيك وتشجيك في آن.
جلست تنظر إلى الأفق فيغريك المدى بأن تتوغل عبر المنسي من مشاعرك، والمهجور من عواطفك، والمبتدع من أفكارك حول غدك الذي تعيد صياغته بصمت مرات عدة في لحظة التأمل.
[[[
÷ … ومن البحر مشيت إلى الطائرة لكي تعود إلى حيث كنت غارقاً في زحمة الأفكار والهموم والمشروعات المعلقة على استحالة الإكمال.
من الطائرة إلى البيت حيث سقطت، بلا مقدمات، في جب الغياب.
صار الصحو محطة تفصل بين نوبتي وجع. وعز النوم وأعجزك الإعياء عن النهوض. جاءت الكوابيس تترى. كل ما بين يديك ناقص. لقد كنت دائماً من «المرجئة». لطالما أحلت مهمات اليوم إلى غدٍ يجيء ولا يجيء.. ها أنت تواجه ليلاً قد لا يكون له فجر. ها أنت في محطة المغادرة، تكره أن يصل القطار في موعد كنت تستبعده، ولذلك لم تحضر حقائب الرحيل وخطاب الوداع. كل ما بين يديك معلق. كل ما حولك إما زائد عن الحد وإما ناقص جعلته ينتظر طويلاً لحظة الاكتمال التي لا تأتي.
تغيب في غياهب كوابيس سيسعدك، إذا ما عدت، أن تصف عالمها المختلف عن كل ما ألفت. قلة من الأدباء استطاعوا أن ينقلوا الكوابيس من صدورهم والأخيلة إلى الورق فيفتنوا بها العقول ويفرضوا على قرائهم لحظات من الرعب تعزز فيهم عشق الحياة.
تتدخل، في لحظة وعي خاطفة، لإعادة صياغة الكابوس، بوصفك مسرحه، لكن ذلك يتجاوز طاقتك، فتستكين تاركاً زورقك يطفو على السطح، تدفعه موجة إلى فوق وتشده ثانية إلى تحت، وتحاول ـ عبثاً ـ القفز منه، فتأخذك إغماءة قصيرة في رحلة إلى عالم من أبخرة ملونة وأشباح ألطف من أن تخيفك، وأنت أعجز من أن تطردها.
تنهال عليك لقطات مبتسرة من ساعات حرجة عبرتها أو عبرت بك، وتظهر وجوه غير مكتملة الملامح لكثير ممن التقيت في مواعيد مزدحمة. وتمر بك عناوين روايات لما تكمل قراءتها، ودواوين لشعراء ما زلت تبحث في شعرهم عن اللغة؛ فإن وجدتها طارت القصائد خفافيش تطارد فراشات تمارس عرض مهرجانات اللون في أجنحتها.
تغيب لبعض الوقت ثم تنتبه إلى أنك تأخرت، مرة أخرى، عن إنجاز ما كان ينبغي أن تفرغ منه قبل سنوات. تقول في نفسك: لا بد مما ليس منه بد. لقد نفد الوقت، هيا فاكتب ما تخاف من مشافهة الآخرين فيه. تتذرع بضعفك لإرجاء المهمة التي تعرف أنها ستظل تطاردك بلا كلل، فيعظم شعورك بالذنب. تدّعي أنك لا تستطيع الإمساك بالقلم، وأن ذاكرتك متعبة ومشوشة، وأن أي تصرف قد يصدر عنك الآن سيتسبب في إشكالات عديدة. وهكذا تقنع نفسك، مرة أخرى، بإرجاء المهمة التي تنتبه الآن الى أنها ستأخذ منك بعض أسرار عمرك، فتتيحها للعامة وتتركك مكشوفاً في عراء التقصير.
تحس بأن ثمة من يشاركك الفراش. تتلمس المساحة بيديك فإذا الفراغ يملأها. تقول في سرك: لقد جاء! لكنه مخاتل، لن يمنحني فرصة منازلته وجهاً لوجه. إنه غدار. فلأتنبّه. إنه قادر على التماهي في بعوضة. إنه قابل لأن يخالط الماء فتشرق به وتغادر قبل أن يتنبّه الأهل.. إنه قد يتسلل مع الهواء من أنفك إلى صدرك فيحبس أنفاسك حتى الاختناق الهادئ.
[ [ [
÷ يزدحم السرير بضيوفه الذين جاءت بهم اللهفة والحرص والرغبة في الاطمئنان إلى سلامة الصديق الذي طالما رعى العلاقة الحميمة والممتدة عبر السنين.
فوجئ بأن كثيراً من الذين غابوا في طيات الزمن قد انبثقوا من قلب النسيان وجاؤوا يطمئنون إلى سلامته. حاول أن يستسفر: كيف جاؤوا؟ وهل ثمة عودة بعد الغياب، أم أنه هو الذي انتقل إليهم فصار منهم؟
مازحه «غسان» الذي كان قد غادر قبل فترة وجيزة. قال من خلال ضحكته المدوّية: أنت تحب حكايات جدي الذي كان إماماً يغطي شبقه بالمبالغة في إظهار إيمانه. آخر لطائفه أنهم جاؤوا إليه بفتاة غرة لتخدمه. كانت جميلة وغبية، وقد بهرتها الحكايات عن «الشريف العالم» الذي يلقن الناس أصول دينهم ويشرّع لهم أخطاءهم وخطاياهم، باعتبار أن الله غفور ورحيم… ولقد طلب إليها وهو يلامسها أن تكون صريحة، فإن خجلت من الكلام المباح فلتهز رأسها بالموافقة… فلما هزته باشرها، رحمه الله، وهو يدعو لها والمؤمنين والمؤمنات بالصلاح.
من بعيد لمح «بهاجيجو» يسعى نحوه متقدماً تظاهرة ممن عززوا الشوق إلى الحياة بالفرح والموسيقى والغناء: ابراهيم مرزوق يصدح باللحن الخالد لمحمد عثمان «كادني الهوى» وقد نفرت العروق في رقبته وغطى وجهه عرق الفرح، وتناثرت من حوله اللوحات التي تؤكد جدارته بلقب «الفنان» الذي يضيف بإبداعه إلى الحياة فيجعلها «نعمة» لا يستحقها إلا من يعرف كيف يقيم فيها «الجنة» باللون والموسيقى وحب الناس والصوت الذي يأخذك إلى أحلامك… وخلفه سيد مكاوي يتقدم الشيخ إمام، ومجموعة من «الحرافيش» بقيادة سعد كامل وقد رفعوا صورة نجيب محفوظ، ومصطفى نبيل يغطي على غربته عن الفن بضحكة مجلجلة وإن بقيت لها رنة موسيقية… أما ناجي العلي فقد عبر بهم، عاقداً يديه خلف ظهره، فلما ابتعد مسافة ذراعين التفت مبتسماً، ثم نثر بعضاً من «حنظلة» قبل أن يغرق في دمائه على رصيف ذلك الشارع المعتم في لندن.
لم تكن ثمة فرصة للعتاب. كان الوقت قد التهم التفاصيل.
أخذوا ينسلون واحداً واحداً عائدين إلى قلعة الصمت، في البعيد البعيد، بلا وداع، وبلا أمل في لقاء جديد.
÷ عادت تتسع من حولك دائرة الفراغ. تحاصرك الوحدة بالخوف. تضبط نفسك وأنت تستدعيهم، متجاوزاً حقيقة الغياب. تضحك، فجأة قبل أن يحتل المشهد «غسان» بكل فوضاه التي تختلط فيها المأساة بالسخرية المرة، باليأس قاتل الصبح.
«غسان» ملتهم المكتبات، المتخصص في علم النفس بشهادة سويسرية، بقلمه الذي يسيل عذوبة ثم يتفجّر سخرية، والذي بالكاد وجد له مكاناً في الصحيفة التي أريد منها أن تكون «صوت الناس»، ومنبر النقد البناء للحزب الذي يسيء إلى الحكم الرشيد… وقد نجح في إطلاقها «جريدة طبيعية» فإذا الحزب والحكم ومن بينهما يرون فيها «انحرافاً خطراً» يهدد أمن الدولة، ويثبط عزيمة الشعب، ويؤذي الروح المعنوية للجيش الذاهب إلى التحرير، إن لم يكن اليوم فغداً.
لم تعرف إنساناً أكثر إخلاصاً لوطنه منه.. بل لقد خان نفسه وبعض قيمه أحياناً، حتى لا يرتكب ما قد يرى فيه الرقباء الكثر «ترويجاً للصلح مع العدو» أو «حطاً من الروح المعنوية للشعب والجيش… والحزب».
… وكان يعرف أن الحزب أسطورة، وأن القائد فرد، وأن القرار لواحد، وإن ظهر معه في صور «القيادة» كثيرون بلا وجوه، أسماؤهم تدوّي في قلب الفراغ، وألقابهم مفخمة، ومخصصاتهم مضخمة تعويضاً عن البطالة.
«غسان» الذي تقرر طرده، فنجح في استغلال مكانته لدى «الكبير» لكي يذهب إلى حيث يمكن أن يخدم أفضل. وفي باريس استطاع أن يحوّل مكتبه إلى «جبهة» مؤهلة، قادرة على المواجهة بالحجة والبرهان، بالثقافة العريضة و«فهم الآخر» والمعرفة العميقة بطبيعة «العدو» وأساليبه واختراقاته الواسعة للحياة السياسية الفرنسية، وبالذات وسائل الإعلام التي طالما قلبت الأبيض أسود والأسود أبيض، وطالما روّجت لإسرائيل المسالمة وللعرب الأشرار الذين يريدون إبادة اليهود.
كيف تمنع «الزعيم» من أن يختصر وطنك، بشعبه ودولته، في شخصه.. حتى لو كان «قائداً تاريخياً»؟! فإذا ما نجحت ـ بالمنطق الوطني الخالص، وعبر الحرص على «القائد» ذاته ـ فكيف تنجو من العقاب؟
يضحك «غسان» وقد صفت نفسه: أنا هنا جندي في الميدان الأخطر. تصور أنني لوحدي.. ومعي بضع مئات من الفرنكات قد نجحت في مواجهة الإمبراطورية الإسرائيلية.
يضيف وقد تحولت الضحكة إلى قهقهة: رجاء لا تكشف هذا السر حتى لا أعاقب! قد أتهم بأنني ورّطت البلاد في حرب قبل أن تكمل استعدادها لها. هلا عرفت متى يكتمل هذا الاستعداد؟!
تبتسم خوفاً من أن تثبت «الأشباح» أنك شاركت في الجريمة، أو تسترت عليها… فينهض «غسان» قائلاً: هيا، سأصنع لك غداء لم تذق مثله من قبل، ولا أظنك ستأكل منه من بعد. سأطهو لك «حراق إصبعه»! ومعه «قضم بضم»! وبعدها سأغلبك في «الطاولة»!
÷ ÷ هامش أول: في جنيف، وعلى هامش لقاء عربي ـ أميركي على أعلى مستوى، كان ثمة حشد من الصحافيين من مختلف الجنسيات. وكنا قد انتحينا جانباً من المركز الإعلامي «الأممي» حين سمعت من يناديني باسمي ويتقدم نحوي وهو يقول: أنا أفتش عنك منذ الأمس يا أستاذ… من زمان وأنا أتطلع إلى فرصة لقائك؟
وفوجئت بـ«غسان» يندفع نحو من ناداني وهو يقول: هيا انصرف أيها الوغد الإسرائيلي، لن أدعك تمد يدك القذرة في اتجاه هذا الصحافي المناضل.
÷ ÷ هامش ثان: قبل عام تقريباً كان لقاؤنا الأخير في أحضان الأحزان السورية. كان «غسان» يناضل ليحمي تفاؤله معززاً بإيمانه بوطنه وصلابة شعبه.
كان «غسان» قد بات عجوزاً، ليس نتيجة التقدم في السن، بل نتيجة الغرق في أحزانه اليعقوبية. لكن روح المرح كانت لا تزال تنبض في الجسد الذي تبدى الآن متهالكاً.
قال «غسان» وهو يفرقع ضحكته المجلجلة: اطمئن. لن أرحل. سأنتظرك. ما زال لدينا ما نقوله. لم يأت زمن البكاء بعد. وجدي الأكبر ما زال يجري الامتحانات للبكارى… سأحاول تقليده!
غادرنا تاركين أطياف الموت تحوم حول «غسان» الذي استطاع مقاومة اليأس دهراً، وظل يكتب في صحيفة لا يقرأها، ويدافع عن بلاده ووحدة شعبه بغير طلب:
ـــــ أتعرف؟! نحن الأشراف لا نموت. إننا في كل مكان، في المشرق كما في المغرب. في إيران كما في إندونيسيا وأفغانستان وباكستان. ألا يقول الشاعر: كلما مات منا سيد قام سيد؟!
[ [ [
÷ تنتبه فجأة إلى انطفاء المصباح الذي اسمه «فوزي».
و«فوزي» إنسان بسيط إلى حد السذاجة، طيب بحيث قد يعيّن نفسه مسؤولاً عن صمتك وعن نجاحك في عملك الذي لا علاقة له مباشرة به، ولطالما دخل عليك عاصفة من الفرح: لقد أنجزنا! رقّمنا بيوت بيروت جميعاً، وجعلنا للشوارع أسماء، متصلة (بالمنطقة) منفصلة، عملياً. لقد رفعنا أعمدة الإنارة في كل مكان. خلال أسابيع ننجز المهمة. هل أمتع من أن تتولى توزيع النور؟!
عاش «فوزي» على عجلة من أمره دائماً. كان يحاول أن ينجز مهمات متعارضة في أمكنة شتى وفي وقت واحد. فلسفته بسيطة: الحياة نعمة إلهية. مَن أنت لكي تقرر في شأنها؟!
أعمدة النور نصف مطفأة والرؤية أكثر صعوبة. لقد نقص الإنسان فيك.
[ [ [
÷ أما «أبو زياد» الذي قهر اليأس وكاد يكتب لنفسه عمراً جديداً، فيستحق أن تنصفه من نفسه أولاً، ثم من أهله، ثم من حياته التي أعطته كثيراً ولكنه لم يعرف كيف يكتب الخاتمة بما يليق بعمر التعب، ولا نحن عرفنا أن نحميه من نفسه.
[ [ [
… عليك أن تعوّض الغياب. ولكنك بحاجة إلى من يؤكد حضورك مجدداً. لست الآن من كنت. لست بنفسك، ولست لنفسك. أنت ضمير الغائبين. عليك أن تستحضرهم فيك. طاوياً ذاكرتك على مباذلهم. لقد سقطت جدوى المحاسبة. أنت تحضر برفاق عمرك، بالأصدقاء الذين يغنون حياتك. برفاق الجهد والإيمان بقضيتك ـ قضيتهم. بالذين يعززون إيمانك بنفسك، وأنك لست وحدك. بالذين يشاركونك الفرح بالتقدم، والبهجة بالإنجاز. بالذين يمنحونك القدرة على الصمود في مواجهة قسوة الظروف. بالذين يختلفون معك ليرشدوك إلى الصح. بالذين يجعلون الحياة رحلة ممتعة، وفي قلب الصعب، لأنها تستحق، خصوصاً متى تجاوزت «الخاص» إلى «العام». ماذا يجدي الآن أن تستعيد من يومكم المشترك سجل الأخطاء. ثم ألستم جميعاً من البشر، وكل بشري خطّاء!؟
[ [ [
يأخذك النوم ردحاً من الزمن، وحين تعود إلى الوعي تقفز من فراشك مبتهجاً. تنظر من حولك. تتعرف إلى غرفتك مجدداً. تسمع أصوات من تحب، يدخلون عليك مستبشرين فتعود تدريجياً إلى ذاتك… ولكنك لا تنسى أن تعتذر من «زائرك» الاستثنائي عن اضطرارك للافتراق عنه، مدركاً أن موعدك معه لما يحن، وأن لديك مهلة إضافية يمكنك أن تنجز خلالها كل ما قصّرت عن أدائه أو أرجأت إنجازه مطمئناً إلى سلامة طوية ضيفك الممتاز الذي جاء ليطمئن عليك، ثم غادر، كعادته، بغير وداع.
هي رحلة قصيرة بمدى عمر.
هي إطلالة على دنيا أخرى لم يصفها لنا أحد، لأن من ذهب إليها مخفوراً لم يترك رسالة، ولم يقدر له أن يعود ليروي الفصل الأكثر إثارة من حياة تأرجحت بين حدّي الإنجاز المعجز والطموح إلى اختراق المستحيل.
وها أنت معلق على الحدين معاً.

من أقوال نسمة

قال لي «نسمة» الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
ـ الحب لذيذ لأنه متعب. الحب جميل لأنه يمنح حياتك المزيد من المعنى. الحب جبار لأنه ينصرك على ضعفك. الحب يعيد خلقك: يغني عقلك قبل قلبك، ويلمس بالسحر مشاعرك فإذا هي أرق وأصفى..
أنت قبل الحب غيرك بعده. أنت بعد الحب ديوان شعر وقيثارة وهمسات تأخذ إلى البكاء طرباً. أنت بعد الحب أنت.

Exit mobile version