طلال سلمان

هوامش

مع الآباء الأنطونيين في دير مار شعيا: عن لبنان وفلسطين والعراق والمسيحيين
قال لي الأب جرمانوس: يسعدني أن أدعوكم للقاء مع الآباء الأنطونيين في دير مار شعيا، وهو مركز انطلاقنا كرهبنة لها وجودها الآن في أكثر من عشر دول تتوزع بين آسيا وأوروبا وأميركا وأوستراليا.
وقصدت إلى الدير، السبت الماضي، ودليلي الأب طوني خضرا الذي عرفته من خلال مشاركته في العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والوطنية عموماً.
تحت برمانا بقليل، فوق جورة البلوط بقليل، تقابله بحنس بمصحها المعروف من جهة الشرق تعلوها بعبدات، ومن الغرب بيت مري، في حين يطل الدير على كسروان المتدرج نزولاً من فاريا وحتى خليج جونيه على البحر.
الدير أكثر أناقة من قصر، سواء بموقعه حيث ينفرد على رأس تلة تشرف على كل ما حولها، أو بملكيته الواسعة التي تمتد من تحته غابات وحدائق وبساتين يقوم على زراعتها وإدارتها «الآباء» أنفسهم، وبينهم أساتذة ودارسون ومتنسّكون يستهويهم العمل في الأرض زراعة وتشجيرا وتربية دواجن، لتأمين احتياجات الدير الذي لا يدخله شيء من خارجه… وحتى النبيذ من كرمتهم المؤصلة.
قال الأب طوني خضرا: ملكية الدير واسعة جداً، حتى لقد أعرنا بعضها لقيادة الجيش، لكي تستخدمها قاعدة لتدريب بعض الوحدات الخاصة. وهي بالتأكيد هبة من أحد الأمراء في زمن الاقطاع الذي كان رجاله يملكون الأرض ومن وما عليها.
في القاعة البسيطة الأثاث التي تشبه صفوف الدراسة في أي مدرسة رسمية صفان من «البنوك» لجلوس الآباء، ومنصة من خلفها كرسيان للمقدم والمحاضر.
كان مشهد الآباء في القاعة العادية جداً يبعث على شيء من التهيب: انهم من أهل المعرفة والعلم وليس الفقه الديني فحسب. انهم معاصرون جداً، ولهم جامعتهم المعروفة في بعبدا التي لا تفتأ تتوسع أرضاً وتتزايد فروعاً، بينها في زحلة وفي مجدليا (الشمال) ويخططون لافتتاح فروع أخرى كان طليعتها الفرع المتنامي في النبي أيلا في البقاع.
ومن قلب التهيب بدأ الحديث.
^ طلائع النكبة
كنت يافعاً وكان أبي عريفاً في مخفر درك رشميا، قضاء عاليه، حين رأيت أول صورة مأسوية لنكبة فلسطين: ذات مغرب شتائي كئيب توقفت سيارة ركاب كبيرة (بوسطة) أمام بعض البيوت التي يخليها أصحابها، شتاء منتقلين الى بيروت… تجمهر الناس فاحتشدوا من حول البوسطة، غير بعيد من منزلنا، وكانت أمي بين المندفعات باللهفة الى حيث بدأ الركاب يترجلون تغمرهم غيمة من الحزن وتلف بهم أجواء الغربة ملطفة بشيء من التعاطف. سألت أمي التي كانت دموعها تغطي صفحة وجهها عن سبب بكائها فردت بصوت تخنقه العبرات: إنهم أهل فلسطين يا ولدي… لقد طردهم اليهود من ديارهم وها هم مشردون يطلبون مأوى في الغربة.
حاولت أن أسأل أكثر لكن الناس كانوا يعاونون الوافدين على الوصول الى البيوت التي وفروها لهم على عجل كي يرتاحوا في انتظار ما ستقرره الحكومة بشأن أمكنة مخيمات اللجوء التي ستقام لهم… فاندفعت الى فتية في مثل عمري أحتضنهم كرد فعل تضامني عفوي، بينما دموعي تنهمر على خدي فأشرق بها.
وعندما عاد والدي الى المنزل ليلاً، بعدما اطمأن رجال الدرك الى الاستقرار المؤقت لهؤلاء اللاجئين، سمعت الدرس الأول في حياتي عن «النكبة»، وتواطؤ العالم كله على شعب فلسطين تمكيناً لإسرائيل من ان تنتزع منه أرضه وتقيم عليها دولتها ذات الطابع العنصري بالاتكاء على الأسطورة الدينية وبدعم شارك فيه العالم الغربي كله بذريعة التعويض عن الاضطهاد الذي مارسه ذلك الغرب نفسه على اليهود فيه.
وبدت لي فلسطين قريبة جداًَ، وكدت أستشعر لفحة النار الإسرائيلية على وجهي.
ستمضي سنوات طويلة قبل أن أتأكد من مدى قرب فلسطين ومن فداحة الخطر الإسرائيلي على بيتنا في شمسطار، كما على بيت أي لبناني سواء أكان في أقصى الجنوب على الحد مع فلسطين، أم في أقصى الشمال أو الشرق على الحدين مع سوريا.
… وقبل أن أتفهم لماذا اندفع فتية لبنان الى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بدمائهم وقد سبقتهم الأمهات والأخوات الى رشق جنوده بالحجارة ورميهم بالزيت المغلي، بعد الاجتياح الإسرائيلي صيف العام 1982، إعلانا بتمسكهم بأرضهم، وحتى لا يصبهم ما أصاب أهلهم في فلسطين.
^^ تقسيم الفلسطينيين.. طائفياً!
أنا من جيل تفتح وعيه على نكبة فلسطين وتفاقم الخطر الإسرائيلي وتمدده بالاحتلال الى داخل مصر وداخل سوريا وداخل لبنان، فضلاً عن قطعه ما اتصل بين فلسطين والأردن بعد الهزيمة العربية 1948، فشرد ثلثاً جديداً من شعب فلسطين الى الإمارة الهاشمية التي اقتطعت بعد الحرب العالمية من سوريا لتغدو بالنكبة مملكة، لا تزال قائمة بالفلسطينيين من دون أرضهم.
وستمضي سنوات قبل أن تنبهني الوقائع اليومية الى أن النظام السياسي في لبنان قد تعامل مع الفلسطينيين، وهم مقتولون في وطنهم مشردون منه بموجب القاعدة الطوائفية التي يعتمدها مع اللبنانيين، وهكذا فقد ميز بين هؤلاء الآتين اليه لاجئين على قاعدة انتمائهم الديني، فأسكن المسلمين منهم في مناطق ذات أكثريات إسلامية في حين أسكن المسيحيين في مناطق ذات أكثرية مسيحية. (مخيم ضبية، مخيم جسر الباشا، مخيم مار الياس).
وبهذا لم تكن مصادفة ان من جيء بهم الى رشميا كانوا من الفلسطينيين المسيحيين، بينما وزع الفلسطينيون المسلمون على مناطق ذات أكثريات إسلامية (صور أساساً، صيدا، بيروت، صبرا وشاتيلا، بعلبك، البداوي ونهر البارد في الشمال).
لهذا السبب ثبت في وعيي أن إسرائيل خطر جدي على لبنان جميعاً، على دولته وعلى شعبه جميعاً، بغض النظر عن اختلاف الطوائف والمذاهب وبعد جهاته عن فلسطين أو قربها منها.
كما ثبت في وعيي أن الفتنة صناعة إسرائيلية وأن الحرب الأهلية في لبنان لا تخدم إلا العدو الإسرائيلي.
أما مشكلات اللبنانيين مع نظام الحكم المعتل في هذا الوطن الجميل فيمكن أن يحلّوها بمنطق الوحدة الوطنية المحققة لمصالح هذا الشعب المؤهل لابتداع الحلول بثقافته العامة ومعرفته بالدنيا وبحرصه على وطنه، اذا بعد عنه المتاجرون بالطائفية والمذهبية كطريق مختصر إلى الزعامة والوجاهة والنفوذ.
وثبت في وعيي أيضا أن إسرائيل تعتبر العرب جميعاً أعداء، من قاتلها ومن هادنها، من عقد الصلح بشروطها المذلة، ومن توهم انه يحمي ذاته بدينه أو بطائفته أو بمذهبه طالما انه ليس يهودياً مفترضاً انه قد هرب من الميدان… وها هي الوقائع، قديمها المهين أو جديدها المذل، تؤكد هذه الحقيقة. فالمشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي كدولة اليهود في العالم أجمع، المحصن بالدعم الدولي المفتوح، لأسباب عدة أخطرها توحد المشروع السياسي، الغربي عموماً والاميركي تحديداً، للهيمنة على هذه المنطقة… وبين ذرائعه المعلنة «المحرقة» وما يروى عن شعور أوروبا بالذنب تجاه ما ألحقته باليهود من اضطهاد وتمييز عنصري، مما لم يكن للعرب عموماً، وللفلسطينيين خصوصاً، يد فيه، بل لقد كانوا بمجموعهم دولاً تحت الاحتلال أو انها بالكاد استقلت، عند اختراق المنطقة بهذا المشروع الإمبريالي الذي فصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه.
^^^ الطائفية كسلاح للاحتلال
أغلب الظن ان معظم أهالي رشميا لم يكونوا يعرفون الكثير عن فلسطين، ولعلهم لم يعرفوا شيئاً عن المشروع الإسرائيلي، قبل وصول«بوسطة»
اللاجئين المطرودين من وطنهم المجاور، بمهد السيد المسيح فيه ودرب الآلام وكنيسة القيامة في قدسه الشريف.
ذلك حديث في الماضي.
ولكن الماضي متصل بالحاضر، مؤثر فيه، لا يمكن فصله عنه، خصوصاً أننا نعيش في ظل تداعياته التي تتجاوز الحرب العسكرية الى نتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكلها خطير، وأحيانا مصيري.
لقد حاولت أن أعود الى أساس القضية بدلاً من الغرق في تفاصيل الحياة السياسية اليومية، وهي بمجملها تأخذنا بعيداً عن الجد، وتتجاوز ما له تأثير مصيري على سلامة وطننا وحياتنا فيه، لتغرقنا في أكوام من الجدل العبثي حول توزيع المقاعد في الحكومة الجديدة، بعد انتخابات شهدت تسعيراً طائفياً غير مسبوق، وبعد فترة من الخلل الفاضح في العلاقة بجارنا العربي الوحيد الذي تربطنا به المصالح المشتركة والخطر المشترك فضلاً عن علاقات القربى والتداخل العائلي الذي يكاد يشمل مختلف الطوائف والمذاهب.
والطائفية خطر داهم يتهدد منطقتنا ليس فقط في كياناتها السياسية بل في وحدة شعوبها وتضامنها وسعيها الى غدها الأفضل، وبالتالي فهي توفر خدمة ثمينة لإسرائيل كدولة تدعي قيامها على أساس ديني وتغطي احتلالها واضطهادها لشعب فلسطين وسائر الشعوب المجاورة لفلسطين بذريعة حق اليهود في دولة لهم تستند الى أسطورة ملفقة عن علاقة هؤلاء المستقدمين من أربع رياح الارض بالارض المقدسة التي يعمرها شعبها الفلسطيني منذ آلاف السنين.
ان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فضلاً عن قهره شعبها واستيلائه بالقوة على أرضه وطرد نصفه أو أكثر الى الشتات، يعمل منهجياً لإفراغ فلسطين من مسيحييها… والنزف مستمر حتى ان ما تبقى فيها من أهلها المسيحيين اليوم لا يزيد على الخمسين الفاً من مواطنيها.
كذلك فإن الاحتلال الاميركي للعراق قد دمر، بعد الكيان السياسي لتلك الدولة العربية القوية والغنية والتي كانت تعلق عليها آمال النهوض، أواصر القربى والجيرة والوحدة في الوطن، وها هو بعد تنظيمه الفتنة بين السنة والشيعة يتخلى عن حماية الأقليات الدينية التي طالما شكلت خميرة الشعب العراقي، من آشوريين وكلدان ويزيديين وصابئة، بل يحرضها على ترك العراق، وقد هجر بالفعل قسم كبير منهم فاستقر بعضهم في سوريا والأردن ولبنان، مؤقتاً، بينما اندفع الباقون ـ بتسهيلات اميركية وأوروبية ـ الى المهاجر ـ المنافي في البعيد حيث لا وطن ولا أخوة ولا هوية تشد الى الأرض المباركة.
^^^^ من علمني حرفاً
لقد دخلت عالم القراءة مبكراً، قياساً الى أترابي، بفضل أبي الذي نشأ شبه أمي، اذ لم تكن في بلدتنا شمسطار مدرسة، فتردد على شيخ كان يدرّس اليافعين القرآن الكريم مع شيء من النصوص… ثم لما افتتحت أول مدرسة معارف نشأت علاقة تطورت الى صداقة بين الوالد والمدرسين الأوائل بفضل صوته الجميل، ومحاولاته نظم العتابا في السهرات الشتوية معهم.
ولان شاعر العتابا يجب أن يكون متمكناً من اللغة فقد جاءه هؤلاء المدرسون ببعض أمهات الكتب، وهكذا نشأت لأجد في بيتنا لسان العرب ومحيط المحيط ومجمع البحرين ونهج البلاغة إضافة الى روايات جرجي زيدان التاريخية الى شيء من القصص البوليسية السهلة قراءتها على المستجد.
قال لي الوالد: تذكر دائماً فضل اللبنانيين والمسيحيين منهم تحديداً، على إخوانهم العرب… لقد حفظوا لغتهم، ثم إنهم أضفوا عليها مسحة من الحداثة. إن أهم هذه الكتب التي تنهل منها قد ألّفها لبنانيون أكثريتهم من المسيحيين، كما ان بعضهم ورفاقاً لهم من السوريين قد أسسوا الصحافة العربية في لبنان ومن ثم في مصر.
ولعل قراءاتي المبكرة، واحتلال الكتاب والصحيفة او المجلة مكانها في البيت، كلما تيسر وصولها، كانت بين ما وجهني ضمناً، عندما اضطررت الى ترك الدراسة لكي أعمل فأعيل نفسي، الى عالم الصحافة… وها أنا فيها منذ ما يزيد على نصف قرن، ويسكن وجداني ذلك النفر من الرواد في الصحافة العربية بدءاً من خليل جبرائيل الخوري، ( وهو من أصدر أول صحيفة بيروتية أطلق عليها اسم «حديقة الاخبار» في العام 1858) الى «نفير سوريا» لمؤسسها بطرس البستاني في العام 1860، فإلى «ثمرات الفنون» لمؤسسها الشيخ عبد القادر القباني في العام 1875، فإلى «لسان الحال» لمؤسسها خليل سركيس في العام 1877، فإلى «بيروت» لمؤسسها محمد رشيد الدنا في العام 1866، الى آخر السلسلة الذهبية التي نحاول أن نكون امتداداً لها في صحافتنا اللبنانية هذه الايام. بعض تلك النخبة ممن ضاق بهم لبنان في ظل السلطنة (وريثة الخلافة الاسلامية التي كانت عربية) التي صيرها أتاتورك جمهورية تركية وأنهى الخلافة فيها هاجروا الى مصر ليكملوا رسالتهم من القاهرة، وبينهم أحمد فارس الشدياق وبشارة تقلا وجرجي زيدان ويعقوب صروف، إضافة الى مجموعة من الرهبان الذين أعادوا الاعتبار الى اللغة العربية وحفظوها وعملوا على تنقيتها مما لحق بها من العجمة، وكانت الأديرة مراكز ثقافية بل مراكز خلفية للنهضة العربية الحديثة. من هنا ان أول مطبعة في منطقتنا كان مقرها دير مار انطونيوس قزحيا قرب الخنشارة، والتابع منذ العام 1708 للرهبانية اللبنانية المارونية.
ولعل هذا الدور المميز في حفظ لغة القرآن ثم في بلورة فكرة العروبة كهوية جامعة لشعوب هذه المنطقة التي كانت قد أخضعت للاحتلال الأجنبي لعصور طويلة، قد أسكن وجداني هؤلاء الرواد المميزين، وجعلني أطمح لأن أتتلمذ على أيديهم وأحاول أن أضيف سطراً الى ما أبدعوا في الدعوة الى الحرية وفي التحريض على الاستقلال، عبر التأكيد الهوية العربية، وفي التنبيه للخطر الصهيوني على منطقتنا برمتها.
[[[
اعترف بأنني لا أعرف ما يكفي عن نشاط الرهبنة الانطونية بأبرشياتها الخمسين داخل لبنان، وهي قد اختارت لها مراكز في مدن وبلدات وقرى يتجاور أهلها بمسلميها ومسيحييها فيعيشون معاً ويواجهون أعباء الحياة، بأفراحها وأتراحها معاً.
ولقد غمرني الفرح وأنا أنتبه الى افتتاح الجامعة الانطونية فرعاً لها في ارض النبي ايلا ـ قرب أبلح، على طريق رياق ـ بعلبك: لقد جاءت الى الناس الطيبين حيث هم موفرة عليهم مشاق الانتقال الى المدينة، بالكلفة العالية التي لا يطيقون، مؤكدة جدارة هذه الرهبنة ذات التاريخ العريق بدورها التنويري على امتداد ثلاثة قرون أو يزيد في تعزيز روح الأخوة والتكافل والتضامن بين اللبنانيين أنفسهم كما بينهم وبين من سيظلون إخوة لهم وأشقاء في سوريا مهما اختلفت الحكومات وسياساتها، ومهما تعاظم النفوذ الأجنبي وضغط العدو الإسرائيلي لضرب العروة الوثقى التي تربط أبناء هذه الأرض بالهوية العربية الجامعة وبالتالي بالمصالح المشتركة والمصير المشترك.
^^^^^ عن الدين والوطن
إن أول مدرسة ذهبت اليها طفلاً ابن دركي في عين زحلتا، كانت تابعة لرهبانية القلبين الاقدسين، وعندما كنت أحاول التذمر من النظام الصارم فيها كانت والدتي تنهرني قائلة: هؤلاء الرهبان والراهبات نذروا أنفسهم لله، فلا يمكن أن يخطئوا فيظلموا، لا بد أنك مقصر. لقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم، واحترامهم واجب فهم أهل دين.
أما في رشميا التي عشنا فيها بعد ذلك ثلاث سنوات أو يزيد مع الوالد الذي كان قد صار عريفاً ، فقد كان طبيعياً أن أرافق أترابي في المدرسة الصيفية التابعة لدير مار قيرياقوس، الى الكنيسة القائمة فيها، بوصفها واحداً من بيوت الله.
وفي دير القمر التي قصدت مدرسة الفرير فيها، كنت الوحيد الذي ينتسب الى طائفة ليس لها وجود في تلك المنطقة، لكن الإيمان العميق لوالدتي الأمية علمني أن الله واحد، وان الدين لله، وان الدين معاملة.
[[[
لا مشكلة في اختلاف الدين بين أبناء الوطن الواحد.
وما عشناه ونعيشه من مشكلات تفجرت في الماضي وما زالت أشباحها تحوم من حولنا منذرة بمخاطر مصيرية إنما تنبع من أغراض الطبقة السياسية وصراعات أهلها التي أخذتهم في الماضي وقد تأخذهم مجدداً بعيداً عن مصلحة الوطن وعن هويته، وقد تتسبب من ثم في إشعال نار الفتنة… فمحاولة التنكر لمعطيات التاريخ والجغرافيا والمصلحة، أي بكلمة الهوية الوطنية لا بد أن تتسبب بالشقاق الداخلي، وتفتح الباب أمام العدو الإسرائيلي وسائر المصالح الأجنبية.
ولقد تلقينا من الدروس المكلفة ما يكفي وآن لنا أن نتعامل مع حقائق واقعنا بالتاريخ والجغرافيا والمصالح، وأساسا بالهوية، باحترام وصدق بل وفخر، بما يجنبنا الهزات والفتن. لقد أعدنا تحرير أرضنا من الاحتلال الإسرائيلي بالدماء الطاهرة لآلاف الشهداء والجرحى، ولآلاف البيوت الفقيرة لبسطاء الناس، وسجلت المقاومة الباسلة صفحة مشرفة للبنان في تاريخه الحديث، وهي موضع اعتزازنا جميعاً، وحرام ان نطرحها في سوق المزايدات والمناقصات. لنأمل ان نكون قد تعلمنا من ماضينا وحاضرنا ما ينفعنا في مستقبلنا.
وهذا يؤكد مرة أخرى أننا قادرون على إصلاح وجوه الخلل في نظامنا.. أننتصر على العدو الاسرائيلي ثم نفشل في صياغة نظام مؤهل لحفظ وحدتنا في وطننا الصغير والجميل والذي يعشقه إخواننا العرب ليس فقط لجمال طبيعته بل أساساً لأن شعبه أكد قدراته العظيمة في إعادة بنائه، مرات، وكذلك في مواجهة العدو الذي كان لا يُقهر فقهره.
مــن أقــوال نســمة
قال لي «نسمة» الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ العتاب بين المحبين اعلان عن تعاظم الشوق.
يرغــب المحــب عــادة في سمــاع حبــيبه يؤكــد لـه شــوقه.. حتـى وهمـا متجـاوران.
الحب في بعض جوانبه عشق للذات وأنت تحب في حبيبك انه أنت بصورة أخرى.

Exit mobile version