طلال سلمان

هوامش

زهور ونيسي ورسالة ممن سجنني بحبه: أحمد الصغير
الرسالة قصيرة جداً، وواضح انها كتبت على عجل كهامش أو كاستدراك شخصي يؤكد شوقاً معتقاً لم يذهب به الزمن، وان عز اللقاء مجدداً، وفي بيروت هذه المرة بعد موعد ضائع في الجزائر.
التوقيع لزهور ونيسي، الأديبة الجزائرية التي سبقت إلى الكتابة باللغة العربية في مجتمع وصل قمع الاستعمار الفرنسي فيه إلى حد منعه من التحدث بلغته وممارسة شعائر دينه وأولها وأخطرها تلاوة القرآن الكريم ورفع الأذان بلغته.
«لك تحيات أحمد…».
ثلاث كلمات على طرف الرسالة التي كانت خطاب زهور التي جاءت ضمن وفد لزيارة سريعة ثم عادت إلى بلادها بشيء من الانطباعات الأولية عن عاصمة عربية ذات سمعة دولية.
لكن أمري مع أحمد الذي غدا شريك عمرك، مختلف جداً يا أخت زهور: لقد دخلت السجن معه، ولا أقول بسببه… وحين أطلق سراحي بعد ثبوت براءتي التي لم تكن تحتاج إلى دليل، تلقيت الصدمة العظمى التي بدلت حياتنا جميعاً: سقوط دولة الوحدة، الجمهورية العربية المتحدة تحت قيادة جمال عبد الناصر، بالانفصال الذي دبرته زمرة عسكرية في سوريا معتمدة على غفلة المشير عبد الحكيم عامر، وخيبة أمل الناس في الدولة التي كانت حلماً فانتهت مثله سريعاً، وكانت الأجهزة الأمنية السبب والمتسبّب والمستفيد.
ضاعت فرحتي باستعادة حريتي التي حرمني منها تصرف أرعن لجهة أمنية قصيرة النظر ومغيّبة عن الوعي سياسياً، بحيث أمكنها أن تأخذ بوشاية مشبوهة، فتتسبب بالأذى لقضية مقدسة، وفي تشويه سمعة مناضل ممتاز جاء لبنان كداعية لثورة بلاده بين أهله في لبنان، إضافة إلى عدد من العاملين في الصحافة المؤمنين بحق الجزائر في أن تكون ذاتها لأنها ـ حقيقة ـ ليست «فرنسا ما وراء البحار».
زهور ونيسي هي ـ قبل الأدب وبعده ـ زوجة صديق العمر الذي كلفتني صداقته تجربة السجن في بلد الحريات، وقادتني إلى زنزانة انفرادية في «حبس الرمل» بتهم عديدة أقلها خطورة: «التآمر لإعداد انقلابات في البلاد العربية، تهريب السلاح، تزوير الهويات، تعكير علاقات لبنان مع دول صديقة» إلخ…
من أين جئت يا زهور لتثيري كوامن الشجن المعتق في ذكريات الصبا والجمال والأمل المنشود؟!
^ الداعية
«ولك تحيات احمد…».
وأحمد هو ذلك الصديق المناضل الفريد من نوعه، في حدود من عرفت من المناضلين. لقد جاء بيروت في اواسط 1960 شاباً ممتلئاً حماسة وحيوية بذكاء مشع، وذاكرة لا تغفل تفصيلاً ولا تنسى اسماً ولا تهمل جملة في نقاش متدفق يخوضه خمسة او ستة من المختلفين في الرأي على غنى في المعلومات.
كانت مهمة أحمد الصغير جابر، وهذا اسمه الكامل، سياسية بالدرجة الأولى ومن ثم إعلامية عنوانها: تعريف من لم يعرف بثورة شعب الجزائر من أجل استعادة هويته في بلاده وإجلاء الاستعمار الذي كان قد حاول ان يفرض عليها «الفرنسة»، واعتبرها بعض فرنسا، مجتهداً في طمس عروبتها وافريقيتها، فلما انتفض شعبها واجهه بالحديد والنار، طائرات ودبابات ومدفعية وآلافاً مؤلفة من الجنود يقتلون بالجملة ومن دون حساب، لا فرق بين امرأة وطفل وعجوز… وشهيرة هي المذبحة التي نظمت ضد الشعب الجزائري مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وخلال الاحتفال بنصر الحلفاء فيها، والتي سفكت فيها دماء خمسة وأربعين الف جزائري وجزائرية كانوا يتوهمون ان هذا النصر يقربهم من الاستقلال.
كان بديهياً أن ترحب بيروت بهذا الداعية، الشديد التهذيب، القوي الحجة، الذي استطاع أن يتفهم طبيعة لبنان، بحساسياته الطائفية وتنوعه السياسي، والذي اجتهد لان يتواصل حتى مع من كان يُفترض انهم في خانة الخصوم، وان يعرض لهم الحقائق ببساطتها المطلقة: نحن شعب جزائري، في وطن اسمه الجزائر، هويتنا عربية ـ اسلامية تجمع بين المتحدرين من أصل بربري والعرب العاربة الذين جاؤوا من قبل الفتوحات ثم تزايدوا بعدها في هجرات متوالية، ومع سقوط الأندلس عاد إلى الجزائر قسم كبير ممن أخرجتهم من الجنة المفقودة «الحرب المقدسة» التي شنت على العرب والمسلمين هناك.
^^.. والوشاية
كنت أعمل مديراً للتحرير في مجلة «الاحد» لصاحبها المرحوم رياض طه. ولقد تردد أحمد الصغير علينا ضمن جولاته على القيادات السياسية والاعلامية في بيروت. كان لطيفا، خفيف الحضور كطيف. في يده حقيبة جلدية صغيرة تحتوي في العادة بعض البيانات الصادرة عن قيادة الثورة، وبعض الصور عن العمليات الفدائية التي ينفذها من سيغدون جنودا في جيش التحرير الوطني الجزائري، أو عن المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الفرنسي.
ولقد تمكن احمد الصغير من الوصول إلى الكل، على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم السياسية، بمن في ذلك من كانوا يعتبرون أنفسهم أصدقاء لفرنسا، والذين كان يفحمهم في النقاش باللجوء إلى البديهيات: هل تراني فرنسياً؟ إننا شعب آخر. وأنا أقرب إليك في لغتي وهويتي وتقاليدي وحتى في ديني من الفرنسي؟ أليس لنا الحق في ان نكون نحن. ألم تكن فرنسا تستعمر لبنان وسوريا؟ هل فرضت على هذين الشعبين هويتها ولغتها ودينها؟ اننا لا نطلب اكثر من حقنا في ان نكون ما نحن عليه، لكن فرنسا تحاول إجبارنا على التخلي عن هويتنا وعن ديننا، فإن نحن رفضنا حاولت إبادتنا!
مع مرور الأيام صار أحمد الصغير جابر مرجعاً، لا سيما للصحافيين، خصوصاً أن ثورة المليون شهيد كانت تقترب من إحراز نصرها التاريخي بإعادة الجزائر إلى هويتها. كان يطوف كل يوم على القيادات السياسية والدينية، ودور الصحف بطبيعة الحال، ويلتقي المثقفين أدباء وشعراء ورسامين و.. مجادلين. ولطالما زار رؤساء حكومة ووزراء ونوابا، او توسط بعض أصدقائه الاعلاميين ليلتقي من لا يعرفه منهم أو من أهل الرأي.
فجأة، «هبط» في بيروت من كلّفته الحكومة المؤقتة لجبهة التحرير الجزائرية بأن ينشئ مكتبا لها في لبنان. كان كمن نزل لتوه من «الجبل»، لا يعرف عن مهمته ما تقتضيه، ولا يعرف في المشرق العربي كله واحداً من أهله.
ولأن الجهل يؤذي القضية وان كانت عادلة، فقد أمكن للمخابرات الفرنسية أن تتسلل إلى «غرور» المدير الجديد، وان تحرّضه على احمد الصغير «الذي يتقدمك دائما ويتعامل مع المسؤولين في لبنان على أنه صديق… بل يوهمهم، بحكم سبق معرفته، أنه رئيسك».
تم تنفيذ المكيدة: اعتقل أحمد الصغير وبعض من لا شفيع لهم ولا سند بين أهل الحكم، وكنت أولهم: أفقت مع ساعات الفجر الأولى على دوي قرع عنيف على باب غرفتي في منطقة وطى المصيطبة في ساعات الفجر الأولى واقتيادي إلى التحقيق بطريقة فظة جعلت أختي التي تشاركني سكني تبكي ولا من مغيث.. صادروا حقائب تضم حاجيات وبعض الكتب ودفاتر بيومياته أودعها عندي الموفد الأول للثورة الجزائرية الذي تخلى عنه «رئيسه»، وتنصل من موجبات الصداقة كل من كان يحتسبه بين مناصري بلاده وثورتها، بينما هو مريض قصد مصحاً قرب ضهور الشوير.
^^^ بين نظارتين وزنزانة
الليلة الأولى، أو ما تبقى منها، أمضيتها مكبلاً على كرسي في النظارة الفارغة من أي أثاث، في مبنى مديرية الأمن العام في التباريز. ومع الصباح بوشر التحقيق معي حول المعلوم: متى تعرفت بأحمد الصغير، وماذا أعرف عن مهمته في لبنان، ومن هم أصدقاؤه في بيروت.. الخ.
تم إخراج كل صاحب جاه أو نفوذ ممن أشار اليهم أحمد الصغير كمعارف أو أصدقاء، حتى رست المناقصة على ثلاثة من العاملين في الصحافة: توفيق المقدسي (الذي أصدر في ما بعد مجلة «الجديد») وادوار ابو جوده (وكان موظفا في البريد نهاراً ويعمل في تحرير «الديار» مساء)، وكاتب هذه السطور.
بعد تسعة أيام في نظارة الأمن العام، تم نقلنا إلى نظارة المحكمة العسكرية حيث سنحاكم بعد تسعة أيام أخرى… ومن هناك، وبعد جلسة استجواب سريعة تم نقلنا إلى سجن الرمل لنوزع على ثلاث زنزانات منفردة.
في نظارة المحكمة العسكرية التي بحجم غرفة واسعة نوعاً ما، صالة تعلوها دكة أو مصطبة لأصحاب النفوذ، وفي زاوية منها عطفة يستخدمها الموقوفون كبيت خلاء، لم نكن في هذه النظارة وحدنا، نحن الثلاثة من أهل الانقلابات وتهريب السلاح وتزوير الهوية، بل ان الغرفة الضيقة اتسعت فجأة لثلاثين أو أربعين موقوفاً، وعليهم أن يتدبروا أمر جلوسهم أو نومهم، بعضهم فوق بعض، أو تناوب الوقوف والنوم مداورة، اضطراراً وبقوة الحاجة.
ولقد تيسر لنا أن نمضي ساعات مرحة في هذه النظارة التي قلبها كبير ويتسع لعشرات الموقوفين بتهم مختلفة، كان بيننا عميد المعتقلين في لبنان النقابي الراحل فؤاد نصر الدين، الذي طورد وأوقف وحوكم كشيوعي بتهمة التحريض على الاضراب أو على العصيان، والاشتباك مع قوى الأمن. وكان هذا المناضل المخضرم عظيم الخبرة بالمعتقلات والسجون، وكيفية التعامل مع قوى الأمن.. لذا فقد نصّبناه رئيس محكمة بديلاً: نتقدم اليه فيستجوبنا (كتمرين عملي على ما سوف يكون)، ويصحح لنا إجاباتنا العفوية ـ أي الصادقة ـ التي قد تترك مجالاً للشك أو لظنون السوء أو للغرض السياسي في قضية هي سياسية أولاً وأخيراً، ومدبرة في ليل، وفيها «دول» ذات نفوذ، وفي لحظة مفصلية يشتد فيها «صراع الأجهزة» في لبنان من أجل توكيد من منها يستحق لقب «الملاك الحارس» لنظامه الفريد.
^^^^ استطراد مقصود:
بين الموقوفين كان ثمة فتى من قرية حدودية تطل على فلسطين، وقد جيء به مكبلاً عبر مخافر المنطقة إلى مركز المحافظة، وعبره إلى المحكمة العسكرية في رحلة امتدت ثلاثة عشر يوما. أما تهمته فكانت انه كان ينام والدنيا صيف، في خيمة نصبها والده في كرم يخصه، ليحرس العنب من الثعالب… وذات ليلة لمح ثعلباً فأطلق عليه النار من بندقية صيد 9ملم… فقامت القيامة: هبت القوى الأمنية الساهرة على هدوء الحدود فألقت القبض عليه، وأجرت معه تحقيقاً دقيقاً، تضمن أسئلة من نوع: من حرّضك، من دفعك، من اشترى لك البندقية، من زودك بالذخيرة، من أمرك بإطلاق النار، وهل جئت بالبندقية من أجل الثعلب أم من أجل إزعاجنا بافتعال اشتباك مع العسكر الاسرائيلي؟!
… ولقد حكمت المحكمة العسكرية على هذا الفتى الغر بالسجن عشرة أيام، وبدفع نفقات المحكمة، وهي سبع وعشرون ليرة، تُحسم منها تسع ليرات مقابل أيام التوقيف الفائضة على الحكم، وهي ثلاثة، فيبقى 18 ليرة عليه دفعها لإطلاق سراحه.
كان والد الفتى في المحكمة، وبعد تلاوة الحكم، وجدناه منطويا على نفسه يبكي أمام باب المحكمة، وهو يردد: ما هو ذنبي يا ربي حتى تعذبني؟ من أين لي بالليرات أدفعها لأعود بابني إلى أمه؟!
تقدمنا منه وقد استفزتنا الواقعة بتفاصيلها المهينة وطنياً، وحاولنا مواساته والتخفيف عنه، ثم جمعنا من بعضنا قيمة الغرامة، وأضفنا إليها أجر السيارة التي ستعيده مع ابنه الى قريته الحدودية، وأجبرناه على قبولها كدين، ولم يقبلها إلا بعد إلحاح بالرجاء وقد تحول بكاؤه الصامت إلى نحيب، الا بعد ان اندفع إليه فؤاد نصر الدين مقبلاً يده، فانشغل بالاستغفار، بينما فؤاد يدس المبلغ في جيب سترته المهترئة الكمين.
^^^^^ أحمد وزهور
في مناسبة اخرى نستذكر أيام التوقيف والسجن الانفرادي ثم القاووش في حبس الرمل. لنعد الآن الى أصل الكلام: أحمد الصغير. لقد برأتنا المحكمة جميعا لانعدام الدليل على صحة الاتهامات. لكنها حكمت على هذا المناضل الجزائري بالسجن ثماني سنوات (!؟!) بتهمة الإخلال بالنظام العام… وبعد سنتين، صدر عفو مبهم، ربما بتدخل من حكومة الجزائر التي كانت قد غدت دولة عظيمة النفوذ في المنطقة عموما، فأطلق سراحه وعاد إلى وطنه وفي ذهنه أمتع الذكريات عن لبنان، وكنت خلال هذه الفترة قد سافرت إلى الكويت، مع فريق صحافي، لنتولى إصدار أول مجلة سياسية فيها لصاحبها الراحل عبد العزيز المساعيد… ولقد اشترطت فكان لي ما طلبت: أن أزور الجزائر المستقلة فأشهد قيام الجمعية التأسيسية بعد أول انتخابات نيابية فيها في ظل الاستقلال.
ذلك حديث آخر، فلنكمل حكاية أحمد الصغير: بعد سنتين من عودته إلى بلاده، كتب لي أحمد معتذراً عما لحق بي نتيجة صداقته، وأخبرني انه قد هجر العمل في الحكومة وأنشأ معهداً لتعليم الشباب الضرب على الآلة الكاتبة.
أما زهور ونيسي فلقد تلقيت منها رسالة ومعها قصة قصيرة، نشرتها في مجلة «الأحد» التي عدت إليها من «الصياد» قبل أن أعود إلى «الصياد» مرة أخرى. ثم وصلتني رسالة ثانية وقصة قصيرة ثانية، فثالثة، فرابعة.
كانت فرحتي بغير حدود، أن «أكتشف» أديبة جزائرية متمكنة من لغتها العربية كما من فن القص… ثم صارت الفرحة شعوراً طاغياً بالسعادة عندما أبلغتني زهور ونيسي أنها التقت أحمد الصغير، وكلاهما من قسنطينة أصلاً، وتزوجا. ثم ان هذه الكاتبة التي تحمل «وسام المجاهد» والتي تخرجت من الجامعة الجزائرية، بعد الاستقلال، في الأدب ثم في الفلسفة وتخصصت في علم الاجتماع، أدارت وترأست تحرير «الجزائرية» وهي أول مجلة صدرت في الجزائر (1970).
لزهرة ونيسي خمسة عشر مؤلفاً بين الرواية والقصة القصيرة والدراسة والمقالة. ثم انها أول امرأة في تاريخ الجزائر تتقلد منصب وزيرة في العام 1982 ولحقيبتين مهمتين: الحماية الاجتماعية ثم التربية الوطنية.
[[[
أما الكلمة التي ألقتها زهور ونيسي في احتفال ديوان أهل القلم والتي طلبت نشرها في «السفير» فقد جاء فيها: «تحية إلى لبنان، بعنوان أدبائه وكتابه، الجميل بأهله وتنوع تراثه الفكري والسياسي، الجميل بتناقضاته المذهبية والسياسية، الجميل بإنسانه الصامد أمام كل الهزات، المقاوم والمنتصر بجنوبه على أبشع احتلال حل بالأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج… تحية للبنان وتاريخه الريادي في النهضة الثقافية والاعلامية في الوطن العربي والغربي أيضا. فمن منا لا يذكر الظاهرة الأدبية الرائعة مي زيادة؟ واليازجي وجرجي زيدان وطلاسم ميخائيل نعيمة، وفلسفة الحب والخلود مع جبران، وأحمد فارس الشدياق الذي سبق غيره من الكتاب في نقد بعض الظواهر الاجتماعية في المجتمع العربي في جريدته «الجوائب» العام 1912. من منا لا يذكر الشيخ عبد الله العلايلي وعمر فروخ وصاحب مجلة «الاديب» ثم صاحب مجلة «الآداب» وغيرهم وغيرهم.
سلاما أيها الثنائي الذي لم يقدّر لي أن ألتقيته لأقاسمه الفرح بعدما قاسمته بعض الشقاء!
كميل حوا يكتب صمته باللون!
«لقلم الرصاص قدرة على التعبير في غير الكتابة، وليس لريشة الألوان مثل هذه الميزة… بل تذهب قدرات هذا القلم البسيط الى أبعد من ذلك، فحين يتحرك القلم ليلملم حدود الموضوع وثناياه يكاد يشكل الكيان الكامل لهذا الموضوع…».
بهذه الكلمات قدم كميل حوا بالعربية والإنكليزية لكتيبه الجديد «أصحاب ومعارف» ممن رسمهم بالقلم الرصاص وفيهم «عبد الرحيم على الكومبيوتر» و«نجاح ترتاح من تعب النهار» و«أستاذ مادة الفلسفة» و«زهور المارغريت» و«حسام» و«عجوز في باحة الكنيسة» و«امرأة في ثوب».
أما كتابه الثاني الذي يحمل عنوان «أزهار في فازات» والذي يتضمن مجموعة من الرسوم المائية فيقدم له بالقول: «…وقد رسمت العشرات من لوحات الزهور بشتى أنواع الرسم، من أقلام الرصاص والحبر الصيني الى الألوان المائية والزيتية… ولكن للمائيات بشفافيتها وعذوبة ألوانها مكانة خاصة في رسم الأزهار.
«… وما رسمت زهوراً في حديقة أو مزرعة في حوض على شرفة إلا نادراً… وكأنني في الأساس أجد في انتقال الزهرة من الحقل الى المسكن، من بؤرة التراب الى الآنية على طاولة ما يمكن ان يمثل في إحساسي انتقالاً من الريف الى المدينة».
وهكذا اختار كميل حوا الكثير من الباقات التي سبق ان قدم مثلها لزوجته في البيت ليعود فيقدمها لنا مرسومة ليفوز فوزين وأكثر، ونحرم نحن ـ القراء ـ من روعة الألوان والانتعاش برائحة الورود التي قدمها هدايا.
… أخيراً نطق هذا الهادئ أبداً، الذي يفكر كثيراً قبل أن يتكلم، والذي يحفظ صداقاته التي تمتد في عالم بغير حدود، وان كان بين محطاتها القاهرة وعواصم اخرى بعيدة.. على ان بيروت تبقى المنطلق وإليها الرجعة.
في الدفترين الأنيقين في غلافين يشبهان الكتب قال كميل حوا بعض ما لا تتسع له الكلمات، بل بعض ما نعنيه عن الكلام معتصماً بصمته الضاحك بينما أصابعه تعبث بشاربيه الكثين وهو يستذكر الأصحاب وحقول الورد.
مــن أقــوال نســمة
قال لي «نسمة» الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ لولا الحــب مــا كــان الشــعر، ولا كــان الغنــاء، ولا كان الرقص…
الحب يفتح أمامك باب الاستمتاع بالحياة، يضيف الى روحك، يرهف ذائقتك، يمنحك الإحساس بأنك قادر على اجتراح المعجزات.
بالحب تغدو إنساناً من نار ونور.

Exit mobile version