طلال سلمان

هوامش

عادل إسماعيل يقهر ضعفه بكشف «حقائق لبنانية» جديدة
منذ بعض الوقت والعديد من مقدري كفاءة الدكتور ـ المؤرخ ـ الموثق ـ الدبلوماسي عادل اسماعيل، يتسقطون اخباره ليطمئنوا على صحته، وعلى استمرار قلمه في نشر الوعي حول احداث جسام وقعت في الماضي، لكنها اثرت وما زالت تؤثر في حاضر بلادنا وفي مستقبلها.
قبل أيام وصلني كتاب جديد من تأليف عادل اسماعيل يحمل عنوان «مأساة جنوب لبنان: في تردد المواقف العربية وفي متاهات السياسة الدولية».
وكانت مع الكتاب بطاقة أنيقة تفيد ان «المؤلف السفير عادل اسماعيل، مقيم حالياً بصورة مؤقتة في باريس للمعالجة الطبية»، وأنه «يقدم لكم بمناسبة صدور كتابه «مأساة جنوب لبنان» هذه النسخة هدية، مع خالص تحياته وتمنياته ومودته».
أما البطاقة فمن الصديق التاريخي لعادل اسماعيل رجل الاعمال المعروف حكمت عبده قصير، الذي كتب التقديم بقلمه.
في العادة، فأن يصلك كتاب جديد يوضح بعض ما خفي او اخفي بقصد مقصود من تاريخ بلادك او الاحداث الكبرى التي جرت فيه وله، ولكاتب تحترمه وتثق بدقته في التوثيق وكشف المخبوء في بطون وزارات الخارجية والحربية في بعض الدول الاجنبية التي كانت تستعمر أرضنا وتسترهن إرادتنا… فهذا سبب للفرح.
لكن الكتاب التوثيقي الجديد عن «مأساة جنوب لبنان» للكاتب المدقق في الوثائق السرية الخطيرة المحجوبة عن الناس، يثير الاشجان بما تضمنه من حقائق مخبوءة، بقدر ما تثير البطاقة المرفقة من الخوف على حياة المؤرخ الصديق.
ولقد اخترت من الوثائق التي تضمنها الكتاب، اثنتين فقط:
÷ الاولى، تكشف كيف تواطأ الاحتلال البريطاني لفلسطين مع الاحتلال الفرنسي للبنان، في أعقاب الحرب العالمية الاولى، لتمكين اليهود الذين ستغدو لهم «دولة» في فلسطين، من «سرقة» الأرض في المنطقة بين الناقورة وشرق بحيرة طبريا.
يقول عادل اسماعيل في كتابه الجديد، الفصل الثالث ـ قضية الحدود:
«لدى ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين، تولت المفوضية العليا الفرنسية سنة 1922 تحديدها بالتفاوض مع السلطات البريطانية المنتدبة على فلسطين. ومن المؤسف القول إن سلطات الانتداب الفرنسية تساهلت كثيراً في رسم هذه الحدود بحيث انها، في عهد الإمارة ثم في عهد ولاية صيدا، كانت تتمثل بخط مستقيم بين الناقورة وشرق بحيرة طبريا. لكن في المباحثات بين دولتي الانتداب فرنسا وبريطانيا، كانت الوكالة اليهودية تشرف، الى جانب السلطات البريطانية في فلسطين، على رسم هذه الحدود متراً متراً إذا صح التعبير، ولم يكن للجانب اللبناني أي وجود عند تخطيط تلك الحدود. لذا، بدل الخط المستقيم الذي كان مرسوماً في السابق، وجد البريطانيون، إرضاء للوكالة اليهودية وتحقيقا لرغباتها، اقامة «نتوءة» عند الحدود الشرقية، وهذه النتوءة شملت سهول الحولة وبحيرة طبريا ومياه الأردن وقسماً من الروافد اللبنانية والسورية. تجدر الاشارة الى ان معظم مالكي سهول الحولة كانوا آنذاك من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين».
÷ أما في الفصل الثالث من هذا الكتاب، فيكشف المؤرخ ـ المدقق عادل اسماعيل واقعة مطموسة، تتصل بالقرار الرسمي اللبناني حول اختيار اماكن الاخوة الفلسطنيين الذين طردهم الاحتلال الاسرائيلي (بالتواطؤ دائماً مع الاستعمار البريطاني) من بلادهم وجاءوا الى لبنان «لاجئين».
جاء في الفصل السادس من الكتاب، تحت عنوان «النزوح اللبناني والفلسطيني من جنوب لبنان»:
«ـ نتيجة كارثة سنة 1948 حصل النزوح الفلسطيني الى البلاد العربية بفعل اعمال القتل والإرهاب التي مورست عليهم من المنظمات العسكرية الصهيونية، وكان للبنان حصة وفيرة منه. اعتبر الفلسطينيون ان نزوحهم موقت وأنهم عازمون على العودة الى ديارهم بعد مدة قصيرة لا تتجاوز أياماً او اسابيع معدودة. لكن هذا الاعتقاد كان مع الاسف بعيداً عن الواقع وعن التطورات التي شهدتها الدول العربية في تلك الحقبة سياسياً وعسكرياً. أما في ما يتعلق بلبنان فقد نزح إليه في البداية حوالى مئة واربعين ألف لاجئ.
ـ حصلت واقعة سياسية لا بد من احاطة القارئ علما بها. فقد اقترح رياض الصلح، رئيس مجلس الوزراء آنذاك، ان يقيم هؤلاء اللاجئون الفلسطينيون في منطقة تقع بين بعلبك والهرمل في البقاع، وقال للشيخ بشارة الخوري، رئيس الجمهورية اللبنانية يومئذ، إن الفرنسيين في عهد الانتداب اقدموا على عمل مماثل يجدر بنا ان نحتذي به، وهو انهم عند وصول الأرمن الذين لجأوا الى لبنان على إثر المذابح التي تعرضوا لها في كليكيا والمناطق التركية الاخرى في اثناء الحرب العالمية الاولى، أسكنوهم في منطقة عنجر في البقاع، البعيدة عن المدن اللبنانية. أما الشيخ بشارة الخوري فكان يرى في قدوم هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين يداً عاملة رخيصة، ولم يمانع بالتالي بأن يقيموا عند مداخل صور وصيدا وبيروت وطرابلس. وكان رأي رياض الصلح ان في اقامتهم هذه عند أبواب المدن اللبنانية وفي المواقع الاستراتيجية منها، ما يشكل ازمة في المستقبل. إلا ان الشيخ بشارة الخوري أصر على موقفه وقال لرياض الصلح: انه، بالاضافة الى كون هؤلاء اللاجئين يداً عاملة رخيصة للاقتصاد اللبناني، فإن خزينة الدولة اللبنانية لا تسمح لها ببناء المساكن اللازمة لهذا العدد الكبير من الفلسطينيين في المنطقة المقترحة بين بعلبك والهرمل. وكان رأي الشيخ بشارة الخوري هو الذي اخذ طريقه الى التنفيذ».
ربما من باب الاستذكار المفيد، وربما من باب التحية لكاتب ـ مؤرخ دقيق لا تأخذه في الحق لومة لائم، ألحت عليّ فكرة ان استعيد كلمات كتبها عادل اسماعيل قبل سنوات طويلة في كتاب «عود على بدء» يرد بها على حملة متجنية شنها عليه بعض الذين زوّروا وما زالوا يزوّرون تاريخ لبنان لتبرير التبعية او الانحراف او محاولة نكران هويته الاصلية.
لكنني عدلت، في اللحظة الأخيرة، عن استخدام كتابات هذا المؤرخ الأمين والنزيه للتشهير، حتى بمن حاول أن يطعن بصدقه.
شفاك الله أيها الأستاذ الكبير، وأعادك إلينا والى قلمك الذي علّمنا الصدق.
أهلاً أيها الرجل الصغير المنذور لمهمات جليلة
آت على مهل، محمولاً على آهات التمني، يتيه دلالاً، واثقاً من أنه نقطة البداية لزمان جديد. لكأنه كان يعرف أنه سيطل ملكاً، وأن السابقين سيقبلون أن يكونوا من رعاياه، يتسابقون متضاحكين على طلب رضاه فيتمنع، ويلحون عليه أن يمنحهم نظرة أو ابتسامة، فلا ينجحون في استدراجه الى كشف ملامحه كاملة.
نعترف بأنك قد لاعبتنا فهزمتنا، أيها الملتف بأسرارك.
حبسنا فرحتنا في انتظار أن نعرف لون عينيك، لكنك كنت تغمضهما، ببراءة مريبة، كلما قصدناك زائرين! تسللنا أحيانا الى خلفك متوهمين أنك ستصدق أننا غادرناك خائبين، وترقبنا أن تبتسم، مثلاً، أو تبكي، أو تتنفس بعمق… وكنت تواصل إغفاءتك، وقد تتقلب فتشعرنا بأننا نفسد عليك هناء النوم، فننصرف عنك وقد ازداد تشوقنا الى التعرف الى ملامحك الهادئة بأكثر مما يطيق الرضيع فيك.
شكراً أنك أتيت، لحظة فرح حقيقي في زمن غادره الفرح منذ دهر. وعذراً على ما سوف ترى، وما سوف تعرف من منغصات زماننا الذي نعترف بأننا عاجزون عن تحديد مواعيد الانقلاب فيه من حال بؤسنا الراهن، الى الحال التي نتمناها لجيلك.
هل نستطيع أن نبدل وقائع عيشنا المر قبل أن يتفتح وعيك فتدرك كم ألقينا عليك من أعباء وأوزار وخطايا سيكون عليك أن تواجهها وأن تنتصر عليها فتعوّّض قصورنا؟
ولكنك بدلت الكثير في أحوالنا مع إطلالتك على الحياة، فهبّ نسيمك منعشاً آمالنا، فاتحاً أمامنا أبواب التحدي: أن نكون جديرين بك، ومؤهلين لتجديد الحياة،
سأباغتك ذات يوم لأسبح في عينيك، ولأسمعك تكاغي، وسأقرب وجهي منك لتتحسسه بأناملك الصغيرة فتعرفني من جراحي، فتتأكد من أنك تقدر إن أنت قررت.
أهلاً أيها الرجل الصغير الذي تنتظره مهمات جليلة.
لك الدنيا، بالأب الذي غادر حيرته، والأم التي باشرت التعرف الى معنى الحياة، والخماسي الذي سيمنحك زمنا أبهى لطفولتك، وسيتقدمك في شق الطريق الى الزمن المختلف الذي يليق بكم.
هنيئاً لك زمنك الصعب، الذي يقف أجدادك على بابه متهيبين، مبهورين بإشعاع علومه، يحاولون أن يتعلموا لغته التي قد تكون أنت بوابتهم إليها، حتى لو سخرت من تخلفهم في عصرهم.
ستكون أنت… وها انهم ما قدروا أن يكونوا «هم» إلا لماماً.
ها أنت تبتسم، أيها الخبيث، من سذاجة أجدادك. هذه شهادة أهلية لولوج عصر الصعوبة.
لقد أنعشنا نسيمك، أيها المولود لمهمة جليلة… فافتح عينيك لنرى صبح أيامنا الجديدة.
حكاية / حب بين البحرين
قالت: ها قد جئتك بالبحر!
قال بهدوء طالما استفزها: البحر أن تذهب اليه. ان ترمي نفسك فيه. ان تحضنك امواجه، تهوي بك إلى حافة الخوف، ثم ترفعك فتجعلك رابطا بين الزرقتين.
ـ لكنك البحر! أرمي نفسي فيك فتتسع لي بأشواقي وهمومي وافراحي، بحاضري وماضيّ ومستقبلي. تهدهدني امواجك حتى تأخذني النشوة إلى النوم! لا أعرف لك حدودا. لا أعرف مواسمك. يغريني هدوؤك بأن أرمي نفسي في أحضانك فإذا أمواجك ترفعني حتى يكل بصري فلا أرى شيئا، ثم تهوي بي إلى وهدة النسيان.
ـ لكنني معك… لماذا إفساد اللحظة بالتوهم؟
ـ لأنني أخافك. تعرفني أكثر مما أعرف نفسي! لا يفاجئك أمر عني. لا تأخذك الدهشة وأنا أحاول إخبارك بما لم تكن شاهداً عليه. لكأنك حضرت ولادتي، وعرفت مزاج أمي الغريب، وطرائف ابي. أخمّن انك تعرف اسماء جدودي، وانواع المحاصيل في أرضنا، وماذا تخبئ اختي في خزانتها.
ـ أليس في هذا سبب لسعادتك؟
ـ بل هو مصدر للخوف. أنت جديد في كل لقاء. تعاملني كأني أعرف جدك التاسع، وتأخذني الغواية الى التصديق قبل ان انتبه الى ان كل ما أعرفه عنك يتهاوى عند قميصك.
وسحبها من يدها الى البحر كي لا يسمع غيره حكاية الحب الذي تخاف نقصه، بينما يخاف اكتماله!
مــن أقــوال نســمة
قال لي «نسمة» الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ لا أغار على حبيبي إلا من نفسي…
اخاف من تخيلاتي وأوهامي، وتأخذني الهواجس بعيداً، ثم اخاف من خوفي…
اقهرْ خوفـك تُنقذْ حبك. أَعطِ نفسك يكُن حبيبك لك وحدك.

Exit mobile version