طلال سلمان

هوامش

عن عيد الفرح مع «الشركاء» في جائزة الصحافة العربية
لعلها المرة الأولى تكون فيها «جائزة الصحافة العربية ـ رجل العام الإعلامي» مشاعاً لكل مجتهد ـ كاتبا أو قارئا ـ نصيبه منها!
بل إن «شركائي» في هذه الجائزة، حاضرين معنا في تلك القاعة الأنيقة من الفندق البرمائي الفخم والضخم في «جزيرة النخلة» بدبي، (وهي إحدى مبتدعات الشيخ محمد بن راشد المكتوم)، او منتشرين في مختلف أرجاء الوطن العربي، قد تسلموا نصيبهم منها قبل أن تمتد يدي لتتسلمها من يد هذا الحاكم المستنير.
ولقد تأكد صدق إحساسي بأنني أتسلمها نيابة عن جمهور عريض من الكتاب والأدباء ورفاق السلاح في المهنة وجمهور أعرض من القراء المنتشرين في أربع جهات الأرض، بعدما حل التقدم العلمي، مشكلة التواصل بالإنترنت، عندما عدت الى بيروت التي لا تفتأ تزداد سحراً، برغم قتامة الجو السياسي الهابط والمنذر بتفجر قد يذهب بالثقافة والصحافة وسحر الكلمة جميعاً.
ويغمرني شعور عميق بالامتنان، ومعه الاعتزاز بشرف الانتماء إلى مهنة الصحافة التي يسّرت لي الوصول إلى الناس وجعلتهم المرجع الصالح والحكم العادل في أمر الجائزة، قبل ثم مع الزملاء الذين قرروا منحي الجائزة.
لقد منحتني «الجائزة» ومعي أسرة «السفير» عيدا استثنائياً، عنوانه الفرح ومضمونه أن الناس قادرون ـ حتى في أحلك الظروف وأقساها ـ على التمييز بين الموقف الصح وبين النفاق، وبين الكلمة الصادقة ذات الوهج وبين طبول الترويج للغلط والانحراف وتصوير الصراع مع إسرائيل (مثلا) كأنه خلاف عقاري!
ويشرفني القول إنني، على امتداد الأيام التي مضت على اختياري «رجل العام» أرى نفسي غارقاً في بحر من العواطف النبيلة، اتصالات هاتفية ورسائل وبرقيات وباقات ورود ضاقت بها جنبات مكاتبنا، وقبلها ومعها سلسلة من حفلات التكريم لخط «السفير» ولاجتهاداتي في الكتابة عن هموم الناس وعن أحلامهم وعن تشوقهم الى ممارسة حقهم في حياة كريمة.
المبادر الأول كان الصديق العتيق معن بشور الذي جمع في دار الندوة «كتيبة» من المقاتلين بالقلم وبالأمل، بينهم بعض من تعلمت منهم كثيرا وأخذت عنهم بعض ما أغنى فكري وأسلوبي، يتقدمهم طبعا استاذ جيل بل جيلين من الصحافيين والكتاب هو منح الصلح، ومعه المبدعة إميلي نصر الله، التي شرفتني زمالتي لها في دار الصياد، والتي أتابع إنتاجها الأدبي، رواية وقصة وحكايات للأطفال، باعتزاز.
وعليّ أن أشهد ان مشاركة «النقيبين الخالدين» محمد بعلبكي وملحم كرم قد تجاوزت، لغة ومضمونا، إطار المجاملة، فشعت عاطفتهما الصادقة وهما يشهدان للصحافة التي تعيش محنة قاسية هذه الأيام، ودور «السفير» في مقاومة اجتياحات الغلط من أجل الحفاظ على لبنان وطنا للحياة.
وبرغم غيابه الاضطراري فإن شفيق الحوت، الذي رسخ إيماني بقضايا الحق والعدل وعنوانها فلسطين، كان حاضراً معنا بروحه وبظل الباحثة الممتازة ـ بنت القضية وحارستها الدكتورة بيان نويهض.. ولقد اجتهد الدكتور صلاح الدباغ في تعويض غيابهما معاً، فقدم شهادة «علمية موثقة» بلغة أهل القانون، فأضاف إلى رصيد «السفير» في أداء واجبها تجاه فلسطين، وعزّزه.
أما الصديق غسان الخازن الذي يقول بعينيه وبيديه وبطُرفه الخازنية الكثير ثم يبخل على قلمه فلا يعطيه إلا قليلاً، برغم سعة ثقافته وأسلوبه الأنيق، فقد عوض شهادته عن النقص في كتابته المميزة لـ «السفير».
وفي حين كان بشاره مرهج ـ توأم معن ورفيق نضاله ـ يتابع بعينيه ويديه وعاطفته، كلمات المتحدثين في التكريم، كان هاني سليمان يقول كل ما أراد رفيقاه معن وبشاره ان يقولاه، وهو يقدم المتكلمين.
وسط هذا الفيض من العواطف الصادقة كان طبيعياً ان يغلبني التأثر حتى اختناق الصوت وأنا أشكر هؤلاء الذين تلاقوا على تكريمي في الندوة، متقبلاً اعتذار من لم يتمكن من المشاركة في الاحتفال الذي أقيم على عجل، مستذكرا من لا يجوز نسيانه من شهداء الكلمة والمبدعين وسائر الزملاء من مؤسسي «السفير».
أما الاحتفال التكريمي الذي أقامه النائب أمين شري نيابة عن نواب «حزب الله» وبحضور رئيس كتلتهم محمد رعد ووزيرهم محمد فنيش ولسانهم الناطق حسن فضل الله، فقد اتخذ طابعا عائلياً بمشاركة ذلك النفر من الأصدقاء ورفاق الأيام الصعبة.
وأما الاحتفال المفتوح في مكاتب «السفير» فقد شارك فيه، على امتداد الاسبوع الماضي، حشد من الاصدقاء والمتابعين والقرّاء، والمزدهين بهذا الوسام للصحافة في لبنان «في أيام الشقاء».
وأراني عاجزاً عن الشكر، وإن كنت قادراً على التأكيد أن هذه الجائزة فيها لكل مجتهد نصيب. إنها تكريم للخط والنهج بقدر ما هي تكريم للشخص. وهي تكريم للصحافة بقدر ما هي تكريم للصحافي، أو هكذا رأيتها.
شكراً لكل من شارك فقاسمني الجائزة لأنه أصلاً شريكي في موقــفي وفي طموحي لأن تبقى «السفير» ما كانته دائما «صوت الذين لا صوت لهم» و«جريدة لبنان في الوطن العربي، جريدة الوطن العربي في لبنان».
أمام باب الحلم: المقاصد تغني المستقبل!
ليس الماضي مهرباً من مواجهة الواقع او ملجأ للنجاة من قتامة الحاضر وغموض المستقبل: إنه مصدر للأمل، بما هو تأكيد القدرة على الفعل، بتغيير الواقع، حتى لو أجهضت المحاولة الرائدة، سياسياً، باغتيالها قبل ان تضرب جذورها عميقاً في الأرض، لنقص في إعداد الحماية الضرورية لها بالوعي والتفاف الناس من حولها بالمصلحة فضلاً عن العاطفة.
ولقد عشت لحظات في قلب الحلم المولد للأمل، يوم السبت الماضي، خلال زيارة لكلية خالد بن الوليد في المجمع التعليمي لجمعية المقاصد الاسلامية في منطقة حرج بيروت.
المكان بذاته عابق بذكريات أيام اقتراب الأيدي من الإمساك بالحلم، فمن هناك ـ امام ابواب هذا الصرح التعليمي ـ كانت تنطلق التظاهرات الوطنية ذات الشعارات القومية: فلسطين، الوحدة العربية، المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني، مواجهة الطغيان والانحراف في الداخل (اتفاق 17 أيار)، فضلاً عن رفع الصوت بمطلب الإنصاف والعدالة الاجتماعية.
لبيت دعوة كريمة من السيدة هبة نشابة، مديرة الكلية، للمشاركة في احياء ذكرى النكبة، والتحدث الى الطلبة عن موقع فلسطين في وجداننا فضلاً عن عظيم تأثيرها ـ كقضية نضالية مقدسة ـ على حقنا في مستقبل يليق بكرامة هذه الأمة وبقدرتها على حماية حاضرها ومستقبلها.
على ان لحظات الفرح كانت تنتظرنا في الملعب المكشوف، حين قصدناه يتقدمنا رئيس جمعية المقاصد الاسلامية السيد أمين الداعوق ومعه الدكتور هشام نشابة والقاضي مصطفى منصور، «تحت رقابة» الزميل سلطان سليمان. كان ثمة جمع بسيط من أهالي التلامذة يجلسون في مواجهة المسرح المكشوف، وأمامهم مدرج سرعان ما امتلأ بالفتية والفتيات الذين سينشدون، بإشراف معلمة الموسيقى وعازف الأورغ، مجموعة من الأغاني التي تسكن الوجدان.
غنى الفتية واستذكرنا معهم فرددنا أغاني فلسطين والوحدة العربية، أغاني السد العالي ومواجهة العدوان الثلاثي التي يتصدرها ذلك النشيد الخالد: «الله أكبر فوق كيد المعتدي». ثم جاءت «فرقة جفرا» لتقدم دبكة فلسطينية مصحوبة بالأهازيج التي اختلطت فيها اللهجتان اللبنانية والفلسطينية، وغنّى «مطرب» شاب تكاد تشوهه «الحداثة» وبعض الفتيات أغاني لفلسطين وللأمة.
سرحت بخيالي (وأملي): لماذا يمنع طلبة لبنان جميعاً من ان يتلاقوا على البديهيات؟ لماذا تفرض كل مدرسة على طلابها ان يغنوا ما يتصل بالبيئة التي تنتمي اليها، طائفياً وجغرافيا، بحيث يتكامل «الفصل التعسفي» بين أبناء الوطن الصغير، الواحد في حاضره ومستقبله، فيشبون وأسباب الانقسام متجذرة في نفوسهم: لكل منهم لغته وأناشيده ومفهومه للوطن مختلف عن مفاهيم سائر أقرانه، بحيث يرى صديقا من يراه رفيقه (هناك) عدواً؟!
كيف سيبني هؤلاء المختلفون على البديهيات وطناً واحداً، وكل منهم ينظر إلى نموذج مختلف للوطن، بهوية مختلفة.. ويمتد الخلاف والاختلاف الى العدو الوطني ـ القومي ذاته، فيتم تمويه صورة اسرائيل ليتقدمها مشروع التناحر الطائفي والمذهبي؟!
كانت لحظة فرح نادرة في قلب بحر الحزن الذي يلف بالتعاسة وأسباب اليأس هذه الأمة جميعا من محيطها إلى الخليج.
ولقد انتعشنا جميعاً بما يكفي لكي تتاح لنا حفلة استذكار جديدة لأيام مجيدة تخاطب الحاضر والمستقبل، ولا تكون بكاء على أطلال الماضي.
شكراً لهذه «الهبة» و«لسلطان» ومعهما للمقاصد… و«الأمين» على الهدف النبيل!
شرارات بنت جبيل: قامتك الشمس!
عند «الباشمهندس» واصف شراره من الشجاعة الأدبية ما يكفي لأن يصدر كتابا نحيل الحجم مثيراً بمضمونه الذي يكاد يكون تحية خالصة لحزب البعث العربي الاشتراكي وسوريا ورئيسها الراحل حافظ الأسد.. في زمن «الحرب» على العروبة: « خواطر للأمة والوطن»!
لعلها بنت جبيل العابقة بأجواء المقاومة حتى الاستشهاد، والتي قاتلت حتى اللحظة الأخيرة في حرب تموز ولم ترفع الراية البيضاء برغم ضراوة القصف براً وجوا وقد «خصها» بها العدو الاسرائيلي على مدار الساعة.
لعلها أطياف الشهداء الذين توالى سقوطهم في ميدان المواجهة مع هذا العدو القومي، مع بدايات العمل الفدائي الفلسطيني، وفيهم من يحمل واصف شراره اسمه، وفيهم من يحمل تراثه: الأخضر العربي.
«آت من جبل الريح أنت/ من غضب الرعد/ من رياض الحب/ من عائلة المطر
«طالع قامتك الشمس/ وكفاك تباشير الصباح/ ولعينيك سنا/ ينسل من قطر لقطر».
بنت جبيل تعلم مع البطولة الشعر.. ولكليهما مصدر نبيل واحد: الحب،
حب الأرض وإنسانها. وبهذا القلم يكتب واصف شراره حتى «حزبيته».
وفي الذاكرة دائماً ذلك الملهم الملهم موسى الزين شراره الذي جعل الشعر لغتنا.
حكاية/ الفرح المضيع
اقتحم عطرها القاعة معلنا وصولها وقد التف زهر الباقة التي تحملها على زهر البلوزة الصيفية فانتصب قوس قزح بألوانه السبعة خيمة للقاء.
جلست أمامه تماماً، مغمضة العينين بالنشوة، والبلوزة أرقّ من أن تخفي اضطراب الصدر.
للحظة افترض ان جذور الورد داخــل الصدر، وأنها تكتسب ألوانــها مــن أنفاســها التي تجهــر بالرغبة.
كان مهموماً بحيث بدا كأنه يراقب المشهد ـ وهو فيه ـ من خارجه. ولسبب لم يفهمه تماما قرر ان يمتحن إرادته في مقاومة العطر.
في هذه اللحظة بالذات، افترض انه إنما قد أضاع مفتاح الرغبة. فالرغبة بحاجة إلى أرجوحة والمكان أضيق من أن يتسع لها.. لكن لا فرصة للهرب.
قال كلاما ما. وقالت كلمات مقطعة بالتنهدات.
أحست أنه يهرب. وأحس أنها بدأت تشك في صحة قرارها بالقدوم اليه. وساد الصمت للحظات.
قام فجأة واتجه الى النافذة يفتحها: بدأ الصيف مبكراً هذه السنة. الحر خانق.
اكتفت بأن تتأمله وهو يتمشى ذاهبا راجعاً امامها.
سمعت نفسها تقول فجأة: يبدو انك مشغول. عفوا أن قد أتيت بلا موعد. لقد جاء بي فرحي، وسأتركه هدية لك، عله يخفف عنك شعورك بالضيق!
وخرجت، لكن عطرها الذي احتل الغرفة والممر والمبنى ظل يطارده بالسؤال: لماذا تفتح الباب والنوافذ ثم تغلق قلبك؟ لماذا تكره الورد؟
مــن أقــوال نســمة
قال لي «نسمة» الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ الحب ثرثار، أما متى بلغ الذروة فصمته عميق عميق حتى لتخدشه التنهيدة.
أحب حبيبي ثرثاراً. أحبه صامتاً. وأذوب بين يديه وأنا أسمعه يتنهد،
وأردد بلا وعي: سلامتك من الآه!

Exit mobile version