طلال سلمان

هوامش

»التطبيعيون« دولاً .. ولا تطبيع خارج الدولة!
لم تكن مصر بحاجة إلى شهادة جديدة في أصالة شعبها واعتزازه بعروبته لكي نعتبر فشل »مؤتمر القاهرة للسلام« إثباتا لبديهية أو دحضا لفرية ظالمة اجتهد »التطبيعيون« لإلصاقها بهذا الشعب الطيب والمعبر عن عميق إيمانه بعميق صبره.
على أن هذا المؤتمر الفاضح لدعاته ومنظميه كان دليلاً جديداً وغير قابل للدحض بأن »التطبيع« قرار سياسي تتخذه الدولة، بل تفرضه وتعتمده كإلزام »بالقوة القاهرة«، وليس مسلكاً عادياً لا يعني الناس، بالرفض أو بالقبول، وبالتالي فلا يهم ان هم سلَّموا به أو اعترضوا عليه.
فما ان سحبت الدولة المصرية يدها حتى انهار المؤتمر وانكشفت إسرائيليته صريحة، مهينة حتى الإيلام.
كان يكفي الإعلان أن الدولة لا تضع هذا المؤتمر تحت رعايتها، وأن وزير خارجية مصر، عمرو موسى، لن يلقي كلمة »الدولة« فيه ولن يشارك في جلساته، حتى يهزل المؤتمر وينفض سامره، ويهرب من شبهة العلاقة به كل الرسميين، بداية، ثم كل منافقي السلطة، وكل الطامعين في مكافآته السخية وتكليفاته العديدة بالأبحاث والدراسات المجزية وبالدولار.
مع سحب الغطاء الرسمي، تكشفت الهوية الإسرائيلية للمؤتمر، سواء عبر »المبادئ« التي زعم انه سيسترشد بها لتحقيق شعار »الأرض مقابل السلام«، أو عبر المساومات التي شهدتها كواليس المؤتمر في موضوع القدس ومستقبلها… والتي انتهت الى الإقرار بأن »حل إشكالها في مباحثات الوضع النهائي يكون بالإبقاء عليها موحدة وغير مقسمة«، أي تحت السيادة الإسرائيلية!
استدرك البيان فسمح للمسلمين والمسيحيين بحق الصلاة في المساجد والكنائس، وبزيارة الأضرحة وقبور الأولياء، وبإحياء احتفالات الفصح والقيامة، والسير مجددا على درب الآلام!
السيادة للإسرائيليين ومعها التزكية بتسامحهم، إذ يسمحون تلطفا وكرما لغيرهم بأن يجيئوا زوارا، وبأن يبكوا أولياءهم أو يتبركوا بأضرحتهم أو يختلسوا لحظات حميمة مع السيد المسيح أو مع طيف الرسول العربي في الإسراء والمعراج، أو مع عمر بن الخطاب وهو يترك الكنيسة للصلاة خارجها حتى لا يأخذها المسلمون بالقول »هنا صلّى عمر«.
وبمعزل عن قصد المؤتمرين ومعلوماتهم التاريخية، فلقد كان لافتاً ان ينعقد مؤتمرهم في ذكرى مرور تسعمئة سنة على سقوط القدس (العربية الإسلامية) في أيدي الصليبيين. فلقد بدأ حصارها في 7 حزيران 1099 وتم سقوطها في 15 تموز (أي بعد 38 يوما).
لكأنهم يقولون، مرة أخرى: ها قد عدنا، يا صلاح الدين!
.. خصوصا أن ممولي حملة التطبيع، عموما، وجمعياتها ومؤتمراتها، هم من بين أحفاد أولئك الصليبيين، وقد جاؤوا الآن متحالفين مع الإسرائيليين ضد أهل البلاد وضد تاريخها وضد مستقبلها.
ومع أن لا مجال هنا لمناقشة بيان التطبيعيين الذين أهاجوا مصر واستفزوا كرامتها فأدانتهم بأن عزلتهم ونبذتهم وجعلتهم يظهرون على حقيقتهم كمجموعة ضالة ومضللة تبيع تاريخها وحقوقها الوطنية بحفنة من الدولارات، إلا أنه من المفيد الإشارة إلى أبرز المغالطات والافتراءات التي تضمنها والتي قد تعمَّم غدا باعتبارها »مسلمات«، ومنها:
1 الحديث عن معاناة »شعوب المنطقة« من الحروب طيلة نصف قرن، وحاجتها الآن الى طي تلك الصفحة والعيش في سلام وأمان!
لكأن الإسرائيليين، المستقدمين أصلاً والذين ما يزالون يستقدمون حتى اليوم، كانوا دائماً واحدا من »شعوب تلك المنطقة«.
والمحاولة الخبيثة مكشوفة تماما هنا، وهي تستهدف نفي طبيعة إسرائيل كقوة احتلال واغتصاب لأرض الغير وهويتهم وحقوقهم، ونفي مسؤوليتها بالتالي عن تشريد الفلسطينيين وآثار ذلك التشريد: حوالى خمسة ملايين فلسطيني في الشتات، بلا هوية، بلا أرض، بلا مستقبل، ليس لهم حتى الحق في منفى، عدا عن الوطن.
ليس أعظم من جريمة تساوي بين الجلاد والضحية، إلا تحقير الضحية واتهامها بأنها المعتدية، وبالتالي فهي تستحق العقوبة التي أُنزلت بها، وعليها الاعتراف »بحقوق« القتلة في ذبحها وفي اغتصاب أرضها، وربما الاعتذار إليهم عن تشويه سمعتهم!
2 تجاهل البيان قضية اللاجئين تجاهلاً تاماً، فأسقط حق العودة، مقرراً عليهم النفي الأبدي، وحكم عليهم بأن يظلوا نثارا في الفضاء الكوني، لا هم يُحسبون بين البشر، ولا هم أموات فيُدفنون.
3 تبنى البيان الموقف الإسرائيلي من المستوطنات، بالمطلق.
4 بعدما نفى فلسطين وشعبها، أقر البيان بوهم الدولة الفلسطينية المعلّق على رأس الحربة الإسرائيلية.
5 أُعد البيان باللغة الإنكليزية ثم لم تصدر له ترجمة عربية، وعندما لعلعت الفضيحة جرت إضافة بعض الفقرات في الكتابات العربية عنه، مع أنها ليست منه أو فيه.
ليس للتطبيع معنى إلا الذوبان في إسرائيل، ومن موقع التابع!
الإسرائيلي »المسالم« جنرال في الموساد يواجه ملتحقا عربيا يقدم طلب التحاقه على إقرار بهزيمته، ليس اليوم أو أمس، بل في المستقبل، أساسا.
مصر خارج التطبيع، ومستعصية عليه. هذه حقيقة!
والتطبيع احتلال إسرائيلي بوسائل »مدنية«، أي غير عسكرية!
الطريف ان »جمعية القاهرة للسلام« التي استُخدمت كواجهة للمؤتمر، داعية ومنظمة، هي جمعية أهلية غير مرخص لها العمل بالسياسة، حسب قانون الجمعيات الجديد في مصر، الذي أثار نقاشا واسعا واعتراضات جدية.. فكيف سُمح لهذه الجمعية، استثناءً، بهذا التوغل في أرض الألغام السياسية هذه، ودعوة عشرات الاجانب والاسرائيليين الى القاهرة، »للحوار« تحت لافتة »السلام بين الشعوب«؟!
الكلمة دائما للدولة، في مصر وخارج مصر، تطبّع فينهار الجدار، وتخترقنا اسرائيل بالقليل من الجهد، أو لا تطبّع فتبقى اسرائيل في صورة العدو وفي موقعه ولو تكدست الاتفاقات الرسمية فصارت جبلا!
أما الآتون من كوبنهاغن، وسائر العواصم الاوروبية، فيبقون محصورين في منزلة بين المنزلتين: إما سواح يتصورون أمام خلفية من تاريخنا، وإما جواسيس وعاملون على ان نصير مجرد خلفية تاريخية للمستقبل الاسرائيلي، لهذه الارض العربية.

فضة عاملية لعيد »السفير«
يدهمك الشعر مع أول نسمة منداة بعطر زهر الليمون وأنت تيمم وجهك شطر جبل عامل، وتدخل في امتحان صعب لإثبات جدارتك بموقع »المتلقي«.
في نادي الشقيف العريق، الذي يعطي النبطية قمتها، والذي يتعالى مقاوما، متصديا وصامدا من فوق حصون جيش الاحتلال التي تبدو كندوب في وجه الصخر الثابت شاهدا على »المتحولين«، كان علينا ان نواجه واحدا من أقسى الامتحانات: فكيف تجاري بأخبار العابرين وثرثرات نهّازي الفرص اللغة المضمخة بدم الشهادة والتي تتمازج فتتآخى فيها الصور القرآنية السامية وشميم نهج البلاغة وأرق ما في تراث المعارضة الدائمة للخطأ والعسف وامتهان حق الانسان في أن يؤكد حضوره برفض واقعه؟
في صدر كل »عاملي« شاعر متحفز، حتى لتخاف جمهورك أكثر مما تخاف الخطيب. ويلازمك الشعور بأنك أمام لجنة فاحصة تمتحنك ليس فقط في موقفك السياسي بل في قدرتك على التعبير عنه بما يتلاءم مع إيمانك بصحته.
ولقد كنت أحسب سمير فياض، رئيس النادي، بين المحامين، فإذا المحاماة هواية لأوقات الفراغ، يمارسها بين قصيدة وأخرى، خصوصا انه لا يجرؤ على ادعاء الشعر في حضرة ذلك القوم المتحدر من صلب »عبقر«.
أما »السيد« فكلما توهمت أنك عرفته فاجأك بأنه فوق ما ظننت، وأصلب مما قدّرت وأنت تراه يذوب رقة، وأعظم عفة مما خمنت وأنت تراه متصدرا في مبنى رئاسة الوزراء في طهران اوائل أيام الثورة الخمينية، ينصح وينبه ويحذر فيُغضب، ثم يفترش الارض مطمئنا الى انه سيتلقى المتهاوين من عُلى الادعاء بينما هو يرى مكانه تحت حيث الناس وعواطفهم النبيلة وبراءتهم وشوقهم العظيم الى التغيير.
هاني فحص قصيدة كربلائية تبشر بالفرح الآتي، برغم نبرة الإحباط التي تستدعيها الخيبات المتكررة في من تصدروا مواكب التغيير فتغيروا ولم يغيروا.
هذا الرجل »المخصص للضرب«، ومن بيت أبيه دائما، لن يتوب.
سيظل يرفع الأذان إيذانا بفجر جديد، وسيظل ينثر بعضا من فضة قلبه على الطريق ليهدي سراة الليل الباحثين عن غد يليق بكرامة الانسان فيهم.. لن يهده التعب، ولن يجعلهم يرتاحون. أما هو فقد طلّق الراحة ثلاثاً منذ أن أفزعه الظلم فخرج إليه شاهرا براءته.
شكرا لنادي الشقيف والنبطية وجوارها: لقد أعطوا العيد الخامس والعشرين ل»السفير«، فضته.

المتفوق في قعر الدونية
كل عربي متفوق، وكل عربي يعاني في الوقت نفسه من عقدة نقص تنغص عليه عيشه!
هي مفارقة، خصوصا أن التنقل بين الشعور بالتفوق والشعور بالمهانة او بالنقص، سريع، متواتر، لا يعطي فرصة للتأمل او لالتقاط الانفاس!
في الماضي، كان المصري موضع اتهام دائم بالتعصب لمصر وبممارسة فوقية معينة على سائر العرب تحت شعور بالاستغناء عنهم وسبْقهم الى العلم وبعراقته، فمصر أم الدنيا، والتاريخ يبدأ بالفراعنة وآثارهم الباقية واللغة الاولى: الهيروغليفية فيها.
أما اليوم فلكل عربي أسباب تفوقه على العربي الآخر، من دون ان يلغي هذا الشعور الجماعي بالدونية تجاه الاجنبي (بريطاني، فرنسي سابقا، وأميركي اليوم وغدا..).
العربي النفطي يمارس شعوره بالتفوق على فقراء العرب، ماديا ومعنويا، مستغلا حاجتهم اليه من جهة، وقدرته على »شراء« التقدم بغير جهد يُذكر!
ومن قبل كان الخليجيون ينظرون الى المصريين، باحترام، كأساتذة ومدرسين وشيوخ أزهريين علموهم وأدبوهم وعرفوهم في عاصمة المعز إلى جوانب في الحياة الدنيا كانوا يتشهون أن يدخلوا نعيمها فلا يقدرون..
قبل أيام، التقينا شاعرا خليجيا هو الى الهواية أقرب، لكن تباهيه بنفسه وإحساسه بالتفوق كان مستفزا.
تساءل بكثير من الاستعلاء: لماذا هو غير معروف، مع انه لا يقل عبقرية عن أعظم شعراء العربية من الجاهلية وحتى اليوم؟! لماذا يعرف العرب شعراء مصر ولبنان وسوريا وفلسطين وتونس الخ، ولا يعرفونه؟!
كان يقرأ بعض شعره الذي ينظمه، بالطلب، وينشره أسبوعيا في مجلة مكلفة، صقيلة الورق، فخيمة الطباعة، زاهية الألوان، تتصدر الصفحة صورته، ثم ينساب شعره على السجية، فيمتنع المصححون عن مراجعته او حتى عن لفت نظر صاحبه الى ما يعتوره من أخطاء في اللغة او في الوزن او في القافية او في التفعيلة، حتى لا يغضب فيطردهم شر طردة.. فهو »متفوق« بهويته، وهم »متعيشون« هنا، هاربون من ظلم الفقر في بلادهم فلا بأس بظلم الغنى الذي يطعم العيال، وان كانوا يعيشون إحساسا داخليا بالتفوق (ثقافيا على الأقل) على من يعملون في خدمتهم!
غزارة في الانتاج، سوء في التوزيع؟!
ما أبعد المسافة الى الغد!

إحمل حبك وجهاً
تحاول ان تنسى ما لا يُنسى، لكن الجرح لا ينسى السكين، والوجه لا يُسقط الجرح من على صفحته الموشومة الآن باسم الجلاد، والمجمّلة بطيف ابتسامة ساخرة من ذلك الذي ندب نفسه رسولا للموت فما وصل ولا أوصل الرسالة.
بينك وبين الموت ألفة. سقط الخوف مع تلاشي الدوي الصاعق وقد باغتك على عتبة الفجر. لكن النور واصل انتشاره بهدوئه الجليل متيحا لك فرصة التعارف مع ذاتك مجددا.
لا يأتيك الموت من خارجك، اذا كنت ممتلئا بالحب، والحياة حب ولا شيء غير الحب.
تحمل عيد ميلادك تحت عينيك بقليل، فوق قلبك بقليل، وأنت في احتفال دائم بحبك الذي يتقدمك ويقدمك الى الناس بغير تمويه.
إحمل حبك وجهاً تكن لك الحياة.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
عين المحب صماء، أما أذنه فترى ما خلف الهمسة. أرى حبيبي وهو غائب، في صورة رسمتها برموش عيني، ولا تبدل فيها أحاديث الآخرين شيئا. وأسمعه في صمته، يهتف بلهفة الشوق: أحبك… ولأن غيري لا يسمع فهو لا يعي، ويواصل ثرثرته التي تفسد الهواء، قبل أن يطهره حبي وينقيه مجددا من أجل المحبين في كل أرض..
طلال سلمان

Exit mobile version