طلال سلمان

هوامش

عن حوار الأديان بديلاً من الفتنة/ آكلة الأوطان!
حكم القاضي عباس الحلبي لنفسه ولبعض أصحاب الحظوة من أبناء الحظ أمثال طارق متري، بأن يحلقوا في أفياء جنة الحوار بين الأديان، بينما حكموا علينا، نحن عبيد الله من أهل الخطايا، أن نحترق في جحيم الشجار بين الطوائف والمذاهب والملل والنحل الى يوم الدين!
وهكذا نجد القاضي ورفاقه من الحواريين قد طافوا يستمتعون بكل ما في الجنة من مباهج ومفاتن ولذائذ، ليس أمتعها انهار اللبن والعسل أو ما ذهبت اليه خواطر الحالمين بحور العين، فجالوا في العواصم الجميلة والمدن المعلقة، يتناوبون على منابر النقاش في المقدس في الوقت الفاصل بين المآدب الحافلة بالأطايب التي لا تفسد موجبات الريجيم الصحي، متخففين مما يحرمنا من النوم ويجعلنا نعيش معلقين على قوس المفاجآت تتلاعب بنا تصريحات التفجير وتقض مضاجعنا الخطب المحركة للفتنة بغير خشية من أن تحل على أصحابها اللعنة التي توعد الله العلي القدير من يوقظها ويطلقها لتفتك بأمن الناس وحياتهم.
فالحوار بين الأديان، بما هي رسالات سماوية يرتقي بالمتحاورين الى آفاق من السمو الفكري، بعيداً عن مباذل أصحاب الأغراض ممن ينزلون الدين من عليائه فيقطعونه إرباً حسب مصالحهم، يأخذون بعضه فيصير نقيضه كمن يقول لا إله ثم يتوقف فلا يكمل، فيقدم الدليل على كفره بدل أن يؤكد إيمانه.
وقديماً قال كبير من أهل الفكر: إن نصف الحقيقة هو نقيضها.
???
أعترف بأنني أعاني من عيب تكويني، فكلما سمعت عن دعوة الى ضرورة الحوار على قاعدة طائفية، تأكدت من تعاظم النقص في مقومات الوحدة الوطنية، وأصابني الرعب من اقتراب موعد اللبنانيين مع الفتنة مجدداً.
فليس الحوار بين الطوائف مدخلاً الى الوحدة الوطنية.. التي يبنيها التسليم بوحدة الشعب والأرض، فأما الخلافات فتكون على قاعدة المصالح لا الانتماء المذهبي…
فما أوسع الشقة بين الفقير المسيحي والغني المسيحي، وما أوسع مساحة التلاقي في المصالح بين الفقراء، مسيحيين ومسلمين.
ما دام تقسيم اللبنانيين مستمراً بحسب انتماءاتهم الطائفية والمذهبية ودعوتهم الى الحوار انطلاقاً من هذا التصنيف فلا وحدة سيحققون ولا وطناً سيبنون، بل هم سيؤكدون أنهم لم يصبحوا بعد شعباً واحداً، وقد كانوه من قبل، وإنهم ما زالوا جماعات لكل منها المعتقدات التي تؤكد الفرقة بينهم وتنفي حقيقة وحدتهم.
أعترف أيضا بأنني لا أستسيغ تعابير مبتدعة في لبنان للتعبير عن التلاقي في حين أنها لا تؤكد إلا الافتراق ومنها التعايش… فأصول اللغة تعلمنا أن التعايش طارئ أو مفروض أو مصطنع أو مؤقت أو استثنائي، وأن الشعب يكون واحداً وإن تعددت الانتماءات الطائفية والمذهبية لأبنائه أو لا يكون شعباً أبداً.
???
ربما لان الكلمة تحتل مكان الصدارة في مهنتنا،
وربما لان هذه المهنة تفرض التدقيق في الألفاظ ومعانيها ودلالاتها حتى لا يكون التباس أو سوء فهم أو قصور في المعنى فإنني أفصل تماماً بين الواقع السياسي والحوار بين الأديان.
إن السياسة بلا دين، إن لم تكن نقيضه لبنانياً، في الغالب الأعم،
والسياسيون يلجأون الى الشعار الديني كلما أفلسوا، ويستحضرون القمم الروحية كلما أرادوها فتنة… لو أنهم يملكون حلولاً للأزمات التي يتسببون بها لما احتاجوا الى بركات المرجعيات الروحية، وهي هي التي يقصونها ويعزلونها متى دانت لهم البلاد والعباد.
ثم إن اللبنانيين لم يقتتلوا مرة بسبب الخلاف على الله وأنبيائه وملائكته.. وكلما سمعت عن حوار بين المرجعيات الدينية أصابني قلق عظيم على الوحدة الوطنية، فلو أنها راسخة لما لجأنا الى مثل هذه المظاهر الفولكلورية التي ترمي على رجال الدين مسؤولية التخريب الذي يتورط فيه السياسيون، ثم نكشف عجز هؤلاء الشيوخ والكهنة الأفاضل، لأنهم لا يملكون أن يقرروا إلا ما يحقق مصالح الزعماء والقادة والأقطاب تحت التهديد بخطر الفتنة، لأن لهم من أسباب القوة ما يتجاوز الدعوات الصالحات.
???
إن بلادنا العربية تعيش حالاً من التردي السياسي في ظل دكتاتوريات وأنظمة معادية لشعوبها ولحقّها في التقدم لحاقاً بالعصر. وحال التردي هذه تستولد مناخاً طارداً للكفاءات والأفكار، ومناخاً قامعاً للحريات…
إننا نعيش بين إرهابيْن: إرهاب الأنظمة المتخلفة المولدة للتطرف والأصوليات اللاغية للعقل والإيمان، وإرهاب أبناء الجاهلية الذين يقتلون الشمس باسم الماضي فإذا الناس لا دنيا ولا دين.
وحال التردي هذه قد مكّنت للاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، ومن ثم للاحتلال الاميركي للعراق،
وحال التردي هذه هي التي تتفجر حرباً طائفية أو فتنة، وغالباً بين المسلمين أنفسهم، وإن كانت شظاياها تصيب العرب من المسيحيين فتوحي لهم بأنهم المستهدفون، في حين أن المستهدف هو الإنسان العربي لأي دين أو مذهب انتمى.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن هجرة المسيحيين من العراق ليست معدلاتها أعلى من هجرة إخوانهم المسلمين (سنة وشيعة)، وان كان وقعها أشد بسبب قلة أعدادهم أصلاً، ثم وبسبب القيمة المضافة التي يعطونها لأوطانهم وطعم الحياة فيها.
إنهم يهجرون أرض الموت، لا الوطن، بدليل أنهم يحاولون أن يبقوا قريبين في سوريا أو في لبنان، في انتظار ميلاد الأمل بالسلام الوطني للعودة الى تاريخهم وحياتهم.
أما الذين يهاجرون نهائياً فإنهم خميرة الوحدة الوطنية في كل أرض عربية… وهم يهجرون الظلم والفقر والاضطهاد، ولا يهجرون الوطن لأسباب تتصل بانتماءاتهم الدينية.
???
في الصيف الماضي، ومباشرة بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، جاءنا المناضل العربي عزمي بشارة ليتفقد إخوته ورفاق سلاحه في مواجهة جيش الاحتلال العنصري المدجج بالتأييد الاميركي سلاحاً وسياسةً. ولقد أضاف الى برنامجه زيارة لغبطة البطريرك الماروني الكاردينال نصر الله بطرس صفير.
روى عزمي بشارة للبطريرك صفير كيف تلاحق إسرائيل المسيحيين، والكاثوليك منهم تحديداً، بالاضطهاد والتضييق لتهجيرهم. وأطلعه على أرقام مذهلة من ضمنها تناقص أعداد المسيحيين عموماً في مختلف أنحاء فلسطين تحت الاحتلال، وفنون التضييق على الكهنة. وأطلعه بالأرقام على حجم الأراضي التي صادرتها سلطات الاحتلال، وبالذات منها ما يعود الى الأوقاف الكاثوليكية، فضلاً عن الأوقاف الأرثوذكسية التي باعها متوليها الأجنبي بثلاثين من الفضة.
الاحتلال في فلسطين ومن بعده الاحتلال في العراق يضرب الشعب في مقتل: إنه يدمر أولا وحدته الوطنية فيظهرها تعصبا لطائفة أو لمذهب وقهراً للآخرين يستدر حماية الاجنبي.
???
نعود الى الحوار الذي ينتصب على قوسه القاضي بالعدل..
مؤكد ان في الحوار بين الأديان منافع جمة كما يكشف لنا كتاب الصديق الدكتور القاضي عباس الحلبي، الذي كتب في منازل كثيرة، لأن الحوار يجب أن يتبع الأديان الى حيث ينتشر المؤمنون.
… ولقد أمتعنا هذا القاضي بسلامة أحكامه، عبر المنطق القوي الذي التزم فيه الحوار كقضية وطنية وكهدف إنساني نبيل، خصوصاً أننا كعرب الطرف الأضعف في عالم يسيطر عليه الآخرون الذين لا يعترفون بالدين إلا حين يخدم أغراضهم.
هل نسينا أن جورج بوش وصف حرب احتلاله العراق في بداياتها بأنها حرب صليبية؟!
هل نسيت أن أقدم الكتاب ذاته: الحوار بين الاديان الحالة العربية والنموذج اللبناني ؟! لقد كتبت على هامشه فحسب، تاركاً للقارئ متعة السياحة الدينية مع هذا القاضي المجتهد الذي يبرز نشاطه في مجالات كثيرة، والذي لم يترك لنا الفرصة للتباهي بملكة الكتابة، فحاول خطفها منا.
.. وإن كان قد ترك الفرصة لجامعة القديس يوسف وكلية العلوم الدينية فيها وبالذات معهد الدراسات الإسلامية المسيحية لإصدار هذا الكتاب كجهد إضافي في تأكيد أخوة المؤمنين التي تتعزز بالوطنية… أوليس حب الوطن من الإيمان؟!
(مداخلة في ندوة أقامها معهد الدراسات الاسلامية المسيحية في كلية العلوم الدينية
في جامعة القديس يوسف حول الكتاب)
حكاية/فراشة الرماد!
قالت غاضبة: آتي اليك فلا ترى مني إلا ذريعتي للقائك..
قال مجاملاً: ولكن لقاءك يسعدني..
قالت: لولا أنني استدرجتك لما سمعت هذه المجاملة. لكنني أطلب أكثر. أما أنا فآتي إليك بشخصك. آتي إليك أنت، الرجل، ولا آتي الى موقعك.
تضاحك وقال محاولاً تغيير الموضوع:
قرأت قصيدتك الجديدة فلم أفهمها..
قالت: تقرأ ذاتك فلا تعرفها.
تجاهل الاشارة فعاد يقول: لكن لغتك مرهفة..
قالت: ليت مشاعرك مثلها..
صمت. خشي أن يتفجر غضبه حريقاً، فاكتفى بأن رفع عينيه الى السقف، فإذا فراشة صغيرة قد دخلت من النافذة فأخذت ترف في جو الغرفة المثقل بالدخان.
قام يطارد الفراشة ليطردها خارجاً وهو يقول لعلها تسمع فتفهم: أخاف عليها أن يخنقها الدخان. لست أطيق أن أراها تحترق بين يدي، ولا أتقن مهمة الاطفائي..
وقامت منصرفة وهي تزوم: اخطأت العنوان لقد قصدت النار فإذا هي مطفأة..
وودعها بكلمات من رماد.
ثرثرة عند باب البطين الأيمن
كيف أكون خارجك وتراني؟ كيف تكون داخلي وأراك؟
كيف تكون فيّ ولا أكون خارجك؟
جلست على الحافة أتابع حركة العبور منك إليك. وجدتك كثيرا، وأنت طفل غر، تلثغ مرحّباً بكل قادم، وتدمع كلماتك وأنت تودع كل راحل، ثم تترك بابك مشرعاً وتذهب الى النوم.
لم أسمعك تعاتب أحداً، حتى من جاء فعاتبك لفترة ثم جعلك حكاية للسمر، ولم أرك غاضباً حتى ممن حفظته فخذلك وغادرك بلا وداع.
مشاع أنت كفضاء الله..
الداخلون لا ينتبهون للخارجين، والذين استوطنوك لا يضيقون بالوافدين حديثاً، بل هم يأخذون بأيديهم ويوزعونهم على منازلك الكثيرة.
في تجويف رقيق الحواشي لمحت طيفاً ينحني على قصيدة فتكتبه ثم تغنيه قبل أن يقفل حنجرتها البكاء.
قلت لي إنها جاءت قبل زمن الحب بقليل، وإنها غادرت مع قمر البقاع الأسمر الذي يتخذ منك قلماً ودفتراً لذكرياته. كان القمر في أرجوحته يتهادى فوق رؤوسه عشاقه الذين فاض بهم السهل فارتقوا الجبال ليشربوا ضياءه.
.. وعند باب الشهوة وجدت نساء ينتحبن لان الرجال الذين مروا بهن كانوا بلا عيون… لكن واحدا من أولئك الرجال انتحى بي جانباً ليقول: لا تصدق إلا ما تسمعه بعينيك، ولا تتخذ من النساء إلا من تقرأ في قلبها عقلها.
أما عند باب الرغبة فقد وجدت حارساً أسود وقد ولد بلا أذنين.
ناديته فلم ينظرني. أشرت اليه أن يتنحى فشهر سيفه وضرب به نجمة فشطرها وقدم لي النصف ثم أدار ظهره فحجب الشمس وتركني ألملم أجزائي في قلب العتمة.
مددت يدي في الفراغ فعادت إلي بفراشة ووردتين
قال طبيبي: لا تعد إلي أبداً، لا دواء لك عندي. اصفق الباب وراءك واتبع خط الضوء، ولا تنظر خلفك.
ولم أنظر. كنت أعرف أنه سرق غمزتين من قصيدتها الجديدة.
من أقوال نسمة
قال لي نسمة الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
أخاف على الحب من أنماط الغناء الرديء قاتل الجمال..
صارت كلمات الاغاني منفّرة وصارت ألحانها الميكانيكية مدمرة للعاطفة… لم يبق للحب إلا الصمت.
حبيبي يقرأ صمتي قصائد في ديوانه الجديد.

Exit mobile version