طلال سلمان

هوامش

واحة الصمت على الخليج اللازوردي في مصر

في أول فرصة تسنح سأعود الى شرم الشيخ التي كنت فيها قبل اسبوع فقط في اجازة عائلية قصيرة فرضها الاطفال كما في الأعوام الماضية.
سأعود الى واحة الصمت التي أنبتتها رغبة الشركات السياحية في الابتعاد بزبائنها الآتين للراحة والاستجمام عن المدن المزدحمة وفوضاها، الى امكنة لا يصلها إلا قاصدها، بحيث تستطيع العجائز كما الصبايا ان يعرين أجسادهن للشمس بعيدا عن عيون الفضوليين والمحرومين من متعة النظر الى اللحم الابيض المتوسط على شاطئ البحر الأحمر!
في السنة الاولى قبل عشر سنوات تقريبا، قصدنا نويبع التي تقع مقابلها على الضفة الاخرى من خليج العقبة مدينة تبوك السعودية، وبعدها ينبع، وقبلها العقبة الاردنية وشطرها الآخر العقبة الفلسطينية التي صارت ايلات الاسرائيلية.
ومن نويبع كنا اذا اتجهنا شمالا بلغنا طابا الشهيرة بفندقها الذي صار قضية دولية لم يحسمها التحكيم الا بعد سبع سنوات من المواجهات بالخرائط والوثائق التاريخية الموروثة من العهد العثماني عن خط الحدود بين الارض التي كانت فلسطينية والاراضي التي عادت مصرية… وقد انتهى الأمر بأن ربحت مصر القضية التي تلامس حدود الكرامة الوطنية، ودفعت ثمن الفندق القائم بقرب التخم تماما، مسلِّمة بحق الاسرائيليين في ان يؤموه للسياحة، ومنه في اتجاه نويبع ودهب وصولا الى شرم الشيخ.
… أما اذا اتجهنا غربا فنصل دهب التي كانت قد باشرت توسعها، فإذا أكملنا المسير بلغنا طرف الخليج شرم الشيخ وامامها صخرة احزان هزيمة 1967: جزيرة تيران.
في الزيارة الاولى لواحة الصمت على الخليج الذي يكاد يكون بحيرة لازوردية، لا يحركها موج ولا تعصف بها الريح، والتي تعتبر واحداً من اهم منابت الشعب المرجانية التي اعطت اسمها للبحر الأحمر، كانت آثار الاحتلال الاسرائيلي لا تزال واضحة: الطريق الساحلي الممتد بطول الشاطئ، وبعض المستعمرات المبنية على عجل، وبمواد بناء جاهزة ورخيصة، كي يرتاح فيها المتعبون بحروبهم على اصحاب الارض، سواء في فلسطين ام في مصر ام على الحدود مع الاردن، بغير ان ننسى لبنان الذي كانت بعض ارضه لا تزال محتلة.
كانت رائحتهم لا تزال تعبق في المكان، وكان علينا التدقيق في الملامح والتمييز بين المفروضة عليهم هوية الاحتلال من ابناء فلسطين و المحتلين الذين فرضوا هويتهم على ارض القداسة بالدبابة البريطانية والطائرة الاميركية والبارجة الفرنسية والتعويضات الالمانية والمقاتلين الروس المرتدين على وطنهم!
وحين زرنا فندق طابا الذي اكتسب قيمة نضالية بسبب الصراع على ارضه التخم، اخترنا ركنا لجلوسنا، فاقترب منا النادل وهمس: الاخوة عرب؟! ولما طمأناه الى هويتنا، اقترب اكثر وهمس بما يشبه التمتمة: انتبهوا من اولاد الحرام اللي هناك.. انهم (…) وسيحاولون التحرش بكم ، ثم ابتعد وهو يقول وقد رفع صوته: محروسة يا مصر! .
كانت دهب في بداياتها، آنذاك، أما شرم الشيخ فكانت مشروعا الى ان حولها القرار السياسي، حين اختارها الرئيس استراحة وبديلا من القصر الجمهوري للتخفف من زحمة القاهرة وكثافة المصريين وتلوث الهواء…
وهكذا كنا في كل رحلة نكتشف النمو الخرافي لشاطئ الهدوء والبحر المرآة الذي يسمح لأصناف الأسماك النادرة بأن تستعرض ألوانها المبهجة في مهرجان تزيده الشعب المرجانية التي توفرت لها فرصة الالتفاف وممارسة متعة التعايش بين مختلف الانواع والاحجام، بزركشاتها النادرة.
صارت شرم الشيخ مدينة من زجاج، تتوزع جنبات ساحلها مجموعة من الفنادق الفخمة التي تملكها شركات اجنبية ومجموعة من رجال الاعمال المصريين النافذين، معظمهم استدان من بنوك الدولة مبالغ خرافية لتشجيع الصناعة السياحية باعتبارها من اهم مصادر الدخل القومي… وحسب تقدير متسرع، فإن فيها الآن حوالى ثلاثمئة فندق ويصل مجموع غرفها الى حوالى تسعين الف غرفة، اكبرها وأفخمها يملكه امير سعودي، وثمة فنادق لمستثمرين عرب (خليجيين) عهدوا بإدارتها الى الشركات العالمية المعروفة.
أما الزبائن فأكثريتهم الساحقة من الأجانب، يأتي في الطليعة منهم، بحسب مواسم العطل، الطلاينة والروس والألمان، في حين يحتل اللبنانيون المرتبة الاولى بين العرب، يليهم اهالي الارض المحتلة من الفلسطينيين الذين يعرِّفهم اخوانهم ب عرب اسرائيل !
أين بدو سيناء من كل هذا؟!
إنهم ما زالوا حيث كانوا.. فهم اصلا ليسوا على الساحل، لانهم لم يعرفوا مهنة الصيد ولا الإبحار ولا الغوص من اجل اللؤلؤ كما في الخليج العربي.
ثم ان اكثريتهم تتحدر من قبائل عربية معروفة، والى جانبهم مجموعات من البدو الرحل انواعا واصنافا مختلفة، اكثريتهم تعيش في ما يشبه القرى، وفيهم من يعيش من إبله، وبعضهم الآخر يعيش من التهريب ، وكل شيء قابل للتهريب من مصر الى اسرائيل وبالعكس، او الى قطاع غزة وبالعكس.
والمشهد العام لا يوحي بان العرب او البدو قد استفادوا كثيرا من هذه المنتجعات السياحية، فلا هم اصحاب رساميل ولا هم اصحاب مهن دقيقة كالتي تحتاج اليها السياحة… جل ما في الأمر ان بعضهم يعمل كسواق تاكسيات او اوتوبيسات، وبعضهم الآخر يتعيش من رحلات منظمة على الجمال لهواة الركوب العالي، وقلة منهم أقامت ودائما بالتواطؤ مع الشركات السياحية خياما تقدم فيها كاريكاتورا لحياة البدو وضيافتهم (ولكنها ممسوخة).
إذاً، فالملاّك خليط من الاثرياء بنفوذهم من المصريين والشركات الاجنبية التي اغريت بتقديمات سخية والتي تجني ابراحا هائلة، اما العاملون في الادارة فالمراتب العليا محجوزة للمديرين الأجانب، ولا تتبقى للمصريين الا المراتب الوسطى والدنيا ثم الخدمة ابتداء من منادي السيارات الى النادل الى مدير الصالة او مدير الاستقبال او الأمن…
مع ذلك، فإن عشرات الآلاف من المواطنين المصريين المؤهلين يعملون في هذه المنتجعات ويقدمون صورة طيبة عن المصري المضياف الذي يرحب بقوافل السياح كأنه معني بسمعة بلاده، بغض النظر عن مستوى دخله. ومع ذلك، فإن هذه المدن الجديدة هي لمصر، وستبقى لمصر وفي مصر…
على ان ابرز المستفيدين من الحركة السياحية هم اهل البازار وسائر التجار واصحاب الدكاكين والمقاهي والمطاعم الانيقة في نعمة باي الذي يضيق بزبائنه، واغلبهم طبعا من النساء، عجائز وكهلات وصبايا يتجولن بين الدكاكين ويجلسن الى النراجيل في مقاهي الشارع المفتوحة على المستمتعين بنعمة المشي بلا خوف في البلاد التي تستقبلك بالآية الكريمة ادخلوا بسلام آمنين .
ان مصر هي التي تُضرب في سمعتها، في أمنها، في اقتصادها، في اهلها الطيبين، وأبسط الواجب ما دمنا لا نستطيع المساعدة في وقف هؤلاء الارهابيين الذين تخصصوا في ضرب اهلهم، ان نبقى مع مصر والمصريين.
هيا، احجزوا في اول طائرة الى شرم الشيخ وأكدوا للارهابيين أننا اقوى منهم.. بمصر أولا، ثم بإرادة الانتصار للضحايا، وكلنا ضحايا.

محمود حجيج: البساطة هي الإبداع
حين تراه اول مرة تفترض انه عبثي بشعره المهوش وحماسته التي تدفعه الى الحديث بالبرقيات الموجزة عن موضوعات متعددة بحيث يلتبس عليك امره: هل هو خبير في الاتصالات، وبالتالي في التوجه الى الرأي العام، ام انه مخرج ومنتج افلام متنوعة اعلانية او توثيقية، ام انه عاشق للابداع خبير في التصوير انطلاقا من تذوقه للجماليات بعينه التي تكتشف ما لا يستوقف غيره من مكامن الجمال.
اما حين تراه مرة ثانية فانه يفرض عليك ان تصغي اليه، خصوصا حين يجيئك ببعض اعماله مصورة، او ببعض افكاره مكتوبة، او حين يلتقط منك اقتراحا ويعود اليك بسيناريو (متخيل) لانتاجه شريطا سينمائيا.
اسمه: محمود حجيج، وبطاقة تعريفه الأخيرة تتمثل في الشريط الاعلاني القصير عن السفير .
الفكرة بسيطة جدا: طفل صغير يحاول الوصول الى جرس الباب فلا يسعفه طول قامته، فيتلفت حوله فيلمح جريدة مطوية (اشتراك) فيتناولها ويتطاول ليقرع بواسطتها الجرس الذي يكون رنينه صوت الذين لا صوت لهم… السفير .
انه خزان للأفكار المبتكرة، وهو من ذلك الصنف من البشر الذي ينبهك الى ان الابداع في البساطة التي تكاد تصل الى حدود البداهة فلا ننتبه اليها اذ يستهوينا التعقيد والتفلسف اكثر.
محمود حجيج الذي يحمل دكتوراه في الاتصالات وماجستير في دراسات وسائط الاتصال، والذي يهوى التصوير، أقام في جملة انشطته معرض صور في بعض مقاهي صيدا الشعبية عند بعض مداخل خان الافرنج.
كان شريكه في المعرض زياد عنتر الذي درس وعاش سنوات في باريس، تخرج بعدها من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة.
لا يمكن وصف المعرض بأجمل مما اختاره الفنانان الشابان كعناوين للوحات الجميلة المعروضة فوق رؤوس لاعبي الورق والنرد، والتي كان الناس يخرجون بظهورهم من المقاهي وهم يتأملونها. بين تلك العناوين: هل من مكان عام في بلد خاص جدا؟ الشارع ملك من؟ الحائط جريدة، الحائط بيان، الحائط فن. هل انت تنظر الى الصورة ام الصورة تنظر إليك؟ هل هناك من حائط حر شارع حر، مدينة حرة؟ قارب في المدينة! الياسمين. مسجد خلف أشجار الغد. الوردة في مواجهة البلدوزر. سماء صيدا البرتقال.
محمود حجيج فنان كبير، لا يستطيع حصر ابداعه في مجال واحد، ولذلك ينتج في مجالات كثيرة، بينما انت تتصور انه يضيع وقته عبثا!

من أقوال نسمة
قال لي نسمة الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
أعجب حين يسأل المحب حبيبه موعدا للقاء… فالحب الذي جاء بلا موعد هو ارض اللقاء. اما انا فحبيبي دائما معي، يسمع وجيب قلبي متى رن هاتفه، واسمع تردد تنفسه متى نام، ويراني بقلبه وهو يفتح عينيه لأول شعاع شمس.

Exit mobile version