طلال سلمان

هوامش

في الانتخابات كفعل ديموقراطي ضد الاحتلال وسلطات القمع!

لم يحدث أن أحجم أي شعب عربي عن القبول بالانتخابات، كفعل اختيار ديموقراطي لنمط الحياة السياسية التي يطمح إليها آملاً منها تحقيق طموحه البسيط في ان يكون »مواطناً« له حقوقه الطبيعية في »دولته«.
÷ ذهب اللبنانيون إلى الانتخابات النيابية، مثلاً، قبل ستة شهور يتقدمهم اعتراضهم على »قانون الألفين« الذي يعرفون بالتجربة انه رديء ومتخلف وظالم، وأنه يتعامل معهم كرعايا طوائف ومذاهب لا كمواطنين… ذهبوا فاقترعوا وهم يعون أن المجلس الجديد سيضم نسبة كبرى من الموتورين أو المغرقين في مذهبيتهم أو في طائفيتهم، وأن التصويت هو لمن يؤمنون بصدق وطنيته وبأهليته للمشاركة في تبني مشروع جدي لتطوير النظام وتقريب السلطة من مطامح الناس البسيطة: ان يعيشوا بأمان. في ظل دولة تنتمي إلى العصر ولا تجافيه وتعترف بمواطنها وتحترم حقوقه المشروعة فيها.
وبرغم خيبة الأمل التي أوقعتهم فيها النتائج فإنهم لم يرفضوها وإن زاد إصرارهم على تعديل قانون الانتخاب بما يجعله لائقاً بكرامتهم كمواطنين وعامل تعزيز لترابطهم الوطني وله صلة رحم بالديموقراطية وليس مجافياً لها أو قاهراً للطموح إليها بتغليب النزعة الانقسامية مموهة بالطائفية.
÷ ذهب المصريون إلى الانتخابات النيابية برغم اعتراضهم على التحايلات القانونية التي سبقتها (التعديل الدستوري الذي حوّل الاستفتاء على رئيس الجمهورية إلى »انتخاب« لرئيس قائم بالأمر في مواجهة مرشحين لا يملكون من الأمر شيئاً…).
كانوا يعرفون سلفاً ان السلطة ستتدخل بقوة لمنع الانتخاب من ان يكون حراً، وأنها ستقمع، وستزوّر، وستفرض فوز من لا يمكن ان يفوز »بقوته الشعبية« الشخصية، وستقصي من جهر بالاعتراض على السياسات المعتمدة والتي ألغت دور مصر العربي والدولي، وجعلتها دولة أقل من عادية في التأثير على مجريات الأمور في محيطها، فضلاً عن كونها تمد يدها إلى الإدارة الأميركية لتحظى بثلاثين من الفضة لا تأخذ إلا بمزيد من التنازلات أمام إسرائيل ثم واشنطن، في داخل مصر كما في فلسطين أساساً ثم في كامل مداها العربي.
لعل منطق المواطن المصري العادي كان: لنعتبرها مرحلة، نتقدم خطوة ثم نسعى إلى تحقيق خطوات أخرى، سلمياً، حتى لا تكون فوضى تقصر عن بلوغ حلم الثورة وتحرمنا من نعمة الأمان واحتمال التغيير بقوة الأصوات..
÷ وها هم العراقيون قد ذهبوا بخلافاتهم، الموضوعية منها والطارئة، المستولدة من رحم الاحتلال الأميركي، والموروثة عن عصر الطغيان الذي اختار وريثه »الشرعي« فكان جورج بوش (وضمنه ارييل شارون) وريث صدام حسين (وتحت اثقال فرديته الدكتاتورية حطام حزب البعث وشعاراته التي كانت مقدسة: الوحدة، الحرية والاشتراكية).
ان شوق المواطن العربي إلى الديموقراطية غير محدود.
لقد استهلكت الأنظمة التي حكمته بالقمع والتخلف والغربة عن العصر أمنياته وطموحاته التي رفعتها شعارات كاذبة ثم مارست سياسات هي نقيضها على طول الخط.
قهرته حتى التحقير، واستغفلته حتى ألغت دوره تماماً وأنابت ذاتها عنه، ثم حملته مسؤولية كل ما تورطت فيه من ارتكابات تجاوزت الانحراف إلى الخيانة، وتجاوزت المخادعة إلى التفريط بكرامة الوطن ودولته وإنسانه.
وبرغم ان المواطن الفلسطيني يعيش في جحيم الاحتلال الإسرائيلي، فهو قد اندفع إلى الانتخابات بحماسة عارمة، ناظراً إليها انها تندرج في سياق عملية التحرير، لا فقط في محاولة توكيد ما ليس بحاجة إلى توكيد: رقيه الحضاري، والمستوى العالي لوعيه السياسي، وقدرته على إدارة دولته، وهو الذي ساهمت »كادراته« المشردة في مساعدة كثير من الاقطار العربية على إقامة »دولها«.
ليست المشكلة في فعل الانتخابات.
المشكلة أعمق بكثير: انها تتصل بالعسف اللاغي لفعل الانتخابات. انها تتصل بتوظيف الانتخابات ضد مصالح الناخبين وأحياناً ضد وطنهم.
فها نحن أمام انتخابات يمكن استخدامها لتزكية الاحتلال، أميركياً كان أو إسرائيلياً، أو لتزكية سلطات دون المستوى، إما بسبب تاريخها القمعي أو بسبب عقمها وقصورها عن تمثيل واقع شعوبها فكيف بطموحات هذه الشعوب؟!

في تكريم الصحافي الاستشهادي زهير عسيران

»زهير فتى الحمية يا مفدى،
يا من حز رقاب أهل البطل حزا«…
… ولقد قصدت أن أستعير هذين الشطرين من قصيدة نظمها أديب فرحات، مزدهياً بتلميذه زهير عسيران، في محاولة لاستعادة المناخ السياسي الذي كان يعطي حبره لقلم زهير عسيران فيجعله أقرب إلى الصحافي الاستشهادي منه إلى المحلل بعقل بارد قضايا ملتهبة في وطنه وأمته، كالتي عاش بها ومعها ولها شبابه الأول هذا الذي نحتفي به اليوم عجوزاً بروح الحمية المشار إليها أعلاه!
بداية، الشكر للنادي الثقافي العربي الذي تنبّه فنبّهنا إلى واجب تكريم هذا الرائد من رواد صحافة الاستقلال الوطني والعروبة… ومَن أجدر من حارس الزمن الجميل بأن يحتفي ويشركنا في الحفاوة باستعادة بعض صفحات الوقائع الفياضة بالآمال العراض، من ماضينا القريب، لعلها تمدنا بالشجاعة التي تتطلبها مواجهة بحر الظلمات الذي نكاد نغرق فيه، اليوم، كرّة أخرى..
والمناسبة تليق بالاحتفاء أيضاً، وإن كانت هذه السنة تتشح بالحداد: فلقد نجح النادي الثقافي العربي في أن يعطينا، عبر معرضه السنوي للكتاب العربي، عيداً للكلمة والفكرة والرأي… وجميل منه أن يهديه هذه السنة لشهيد لبنان والأمة العربية الرئيس رفيق الحريري.
أيها الأصدقاء المجتمعون حول الضحكة الفضاحة لصفاء زهير عسيران، إنكم تتلاقون على تكريم شهيد حي، عزت عليه الشهادة مرات ومرات على امتداد ثلاثين سنة أو يزيد، ولعله ينفجر بالضحك فيُضحِك المدينة معه كلما استذكر فتذكّر أنه يعيش عمراً فائضاً، مع أنه مليء بكل أيامه حتى الثواني.
أيها المبتهج المبهِج، الضاحك مشركاً في ضحكتك المدوية الأرملة واليتيم، المقهقه فرحاً، أو مرارة، أو ثقة مطلقة بالنفس: سلام عليك وأنت تحفظ في صدرك حب الحياة وأبنائها، وبناتها على وجه الخصوص، وإيماناً بقدرة الإنسان على إعادة صياغتها، بإرادته، وفق ما يرغب وبحسب ما يقدر.
لقد أعطيت ما استبقيت شيئاً.
أعطيت الاستقلال الوطني، وهو حلم وأنت فتى، زخم فتوتك.
عملت مع رجال النداء القومي من أجل الوحدة العربية، شاملة ما أمكن أو مرحلية وثنائية ثلاثية إذا تعذر مدها من المشرق إلى المغرب، حفظت »الكتاب الأحمر« ووزعته وهو أقصر طريق إلى المعتقل، فضحت التنازلات بعد الهزيمة في فلسطين من أجل الهدنة، وكشفت نخاسي الأرض لحساب الصهاينة، وكشفت وثيقة برنادوت حول التقسيم.
تنكرت في زي خادم، مرة، وفي زي موظف استقبال مرة أخرى، اقتحمت المكاتب الرسمية وتسللت إلى الفنادق، لتسرق الوثائق الرسمية التي تفضح المفرطين والمتنازلين، ونشرتها على الناس لتنويرهم بما يدبّر لهم.
واكبت رياض الصلح وآله حتى حسبت صلحياً، وواليت حسين أبو الفتوح وشقيقه أحمد أبو الفتوح وجريدتهما الرائدة »المصري« حتى استعديت عليك مَن لا يستعدى: جمال عبد الناصر… لكن وفاءك غفر لك معارضتك.
ملأت المشرق حتى يمنه السعيد وقد اقتحمته بأول طائرة بلغته فعكّرت غربته عن عصره، واتخذت من قاهرة المعز عاصمة لأنشطتك جميعاً، ظاهرها المدوي وباطنها المفعم بالغواية، واتخذت من دمشق الأمويين قبلتك ومن بغداد العباسيين مقصدك، وأنت »الهدف« المنذور للقتل من أجل استقلال لبنان، ألف مرة.
زهير عسيران: هل تضحك منا، نحن مَن جاء بعدك إلى مهنة المتاعب، حين تطلق قهقهاتك الراعدات؟!
هل ترانا قصّرنا، وأقعدت الخيبة همتنا، وأعجزتنا الحيلة في مواجهة أنظمة القمع البائسة التي برّرت للاحتلال عودته، وها هي قواعده تتوزع ظاهرة بلا تمويه على امتداد الأرض العربية من المحيط إلى الخليج؟
هل ترانا اقتتلنا في حرب عبثية بين الوطنية والعروبة حتى فتحنا الطريق واسعاً أمام التمكين للطائفية والمذهبية والعنصرية، ثم وقفنا مذهولين نتابع التهامها الأوطان والوطنيات والعروبة والهوية الجامعة؟!
هل كنتم أقوى وأوعى وأكثر يقظة،
أم أن عصرنا مختلف حيث أسقطت الصراعات التوازنات وانفرد بالعالم مستعمِر جديد يأخذ الناس من داخلهم، بدغدغة شوقهم إلى الحرية وكأنه مصدرها، وإلى الاستقرار والديموقراطية والرخاء، وكأنه ضمانتها، في حين أنه المستعبِد الكلي، ناهِب أموالنا ومزوّر أحلامنا، متملق رغبات شبابنا بالنموذج الباهر لعبثية الآمر الناهي؟!
هل العيب فينا أم في أننا لم نستعد لزماننا بما يمكننا من فهمه ومن ثم التعامل معه من داخله لا من أوهامنا خارجه؟!
زهير عسيران: علّمنا أن نضحك، لعلنا مع ضحك بنقاء هديرك نهتدي إلى طريق الانتصارات الصغيرة التي تحقق بالتراكم آمالنا بل أحلامنا الكبيرة.
وليكن عمرك كله واحة للبهجة والاستمتاع بنعمة الحياة.
والآن.. عد إلى حز رقاب أهل البطل حزاً«.

(كلمة قيلت في تكريم زهير عسيران النادي الثقافي العربي لمناسبة المعرض السنوي للكتاب)

هل أنت أنت؟

جلسا، واحدهما قبالة الآخر، وطافت العيون تستكشف آثار السنين: ترى هل تبقّى فيها منها، فيه منه، ما كان يأخذ الى النشوة ونسيان الوقت والالتزامات التي لا بد من انجازها؟! هل لو التقيا، مصادفة، في مكان مزدحم، كالمطار او محطة القطار في عاصمة بعيدة، او وسط شارع الحمراء في بيروت، لكان كل منهما قد اندفع في اتجاه الآخر معانقا، متخطياً ظلم الاقدار وآثار الايام وآلامها المحفورة على الجبين او المتعرشة فوق قسمات الوجه وصولاً الى الشعر المنتصر شيبه على الأصباغ الملونة؟!
لولا شيء من التورع لهتف احدهما بالآخر: هل أنت أنت؟!
ثمة رعشة خفيفة في اليد الممتدة بالمصافحة. ثمة دهشة يمازجها الفرح في العيون. ثمة تيقظ متسارع في الذاكرة تستعاد معه لحظات عناق مختلس، او اطياف لقاءات خارج المكان والزمان. ثمة رجع صدى لاغنية قديمة رشيقة الكلمات شجية اللحن. ثمة كثير من الضباب يتكاثف ويتكاثف ليربط بين الازمنة هلامياً، فينوء تحت ايقاع اللحظة الراهنة، ثم ينجلي عن مشهد الغريبين يقفان في قلب الصمت والغربة وضغط الافتراق في كل ما عدا تلك الهنيهة التي كانا فيها غير ما كاناه قبلها وغير ما هما عليه الآن.
ما قبل ذكرى. وهذه الساعة المقتطعة من الزمن الحاضر ليست مساحة كافية لاستعادة الماضي، الذي اذا خرج من الذاكرة سقط صريعاً بضربة شمس اليوم.
لن تطيل الالتفات الى الخلف حتى لا يؤلمك عنقك. لا العودة إليه ممكنة، ولا تملك ترف الوقت لتهدر اكثر من فسحة لتنهيدة حرّى تودع فيها، مرة اخرى، شبابك، بغير اسف او حرقة. انه زمن آخر. انت انسان آخر. هي انسان آخر. والمدينة مكان آخر. لا مجال للقاء إلا خارج الزمان والمكان.
قل وداعاً، إذاً، وأعد ذاكرتك الى هدوئها، وأسرع الخطى نحو طائرتك حتى لا تضيع مزيداً من الوقت في محاولة استعادة الزمن الضائع!

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
الحب يحتاج إلى اكثر من الشعر.
الحب الحياة، فإن تعاملت معه كأمر عارض او طارئ قد يفرحك لبعض الوقت، ثم تهمله فيذبل وينطفئ.
عليك أن تحمي الحب بمزيد من الحب.

Exit mobile version