طلال سلمان

هوامش

هوامش
**
تخاريف رمضانية: أيها المتهجدون لماذا لا تجتهدون أو تجاهدون؟!
//
آناء الليل وأطراف النهار، على الفضائيات كما على القنوات التي ما زالت »تحت« مثل مشاهديها، وكيفما أدرت جهاز التحكم عن بُعد، يطالعك المشهد نفسه: آلاف مؤلفة من المؤمنين يقفون بين يدي الله يصلون أو يتهجدون أو يبتهلون أو يكتفون من التعبد بالتأمل.
بيوت الله كثيرة، أكثر مما يحتاج، سبحانه، خصوصا انه لا يسكن بيتا ولا يحتجب خلف باب، ولا يقبل بحاجز يفصله عن الناس أو يباعد بينهم وبينه،
وفي شهر رمضان تتزايد أعداد المتعبدين، وكأنما الإيمان يأتي مع الصوم، أو يهبط من خيام المنى والهنا والغناء الذي يبدأ ابتهالا وينتهي على إيقاع ديكة الفجر التي لا تفسد على المتعبدين صلاتهم والتراويح.
آلاف، عشرات الآلاف، مئات الآلاف، ملايين من المؤمنين يسجدون خاشعين، أو يركعون لرب العزة متصاغرين، أو يقفون في حضرته متذللين..
في تجوالك بين محطات الساجدين والراكعين ومطأطئي الرؤوس تهيباً، يجتاحك سيل من التساؤلات عن هؤلاء الصامتين، الذين لا يظهرون في دوائر الفعل ويفتقد تأثيرهم في القرار.. أي قرار.
هل يذوبون وينتثرون هباء متى خرجوا الى الشارع، الى الحياة؟!
هل هم أشباح، مجرد أشباح، أو أطياف، يستحضرهم الآذان، فإذا ما انتهت الصلاة عادوا الى القماقم في انتظار النداء التالي؟
أين هم بين الصلاتين؟!
أين هم قبل الصلاة وبعدها؟!
أتراهم لا يسمعون الأخبار ولا يقرأون؟
أتراهم لا يسمعون هدير الطائرات وهي تقصف أطفال العراق؟
ولا هم يسمعون أزيز قذائف المدفعية الإسرائيلية وهي تقتل أطفال لبنان؟
ولا يبلغ مسامعهم دوي التفجيرات التي تذهب ببيوت الفلسطينيين فتشرد النساء والأطفال، بينما الآباء والأزواج يساقون بقوة الحاجة الى الرغيف إلى المستوطنات ليبنوا البيوت للمستقدمين الجدد من أربع رياح الأرض الى فلسطينهم لتصير الوطن القومي ليهود العالم؟!
أتراهم لا يرون ما حولهم، ما فوقهم وإلى جانبهم وبين أيديهم؟!
هل هم صم بكم وبهم عمى فهم لا يفقهون؟!
لماذا لا ترفع هاته الملايين الرؤوس؟!
لماذا لا يفتحون عيونهم فيبصرون، وآذانهم فيسمعون، وعقولهم فيعون؟!
لماذا لا يحركون قبضاتهم فيغيرون؟!
لماذا يتهجدون ولا يجتهدون؟!
بل لماذا يسمعون عن الجهاد (قديما) فيتأوهون ولا يجاهدون؟
لماذا تتهدج أصواتهم في الدعاء ولا تتهدج في طلب التغيير والعمل لانجازه؟!
لماذا لا يؤكدون إيمانهم بالفعل؟!
لماذا يبقون كماً مهملاً، يهرب واحدهم بآماله وأحلامه الى المسجد فيدفنها فيه حتى لا تضبط في رأسه فيدفع رأسه ثمنا لها؟!
وإذا كانت صلاتهم مرضاة لله فلماذا يخافون حاكمهم أكثر مما يخافون خالقهم وبارئهم؟! لماذا يصدعون بأمر الحاكم ويعصون الله فيه؟!
لماذا يتركون الله في المسجد وحيدا ويذهبون الى الحاكم فينصرونه على الله بالتستر على كفره وعصيانه وخروجه على الدين؟!
لماذا يسكتون وهم يسمعون إمامهم في الصلاة يعطي أولياء الأمر ما هو من حق الله وحده، فيدعو له ويحض على طاعته وينهى عن الخروج عليه، وهو يعرف انه يرتكب الفحشاء ويأكل مال اليتامى والأيامى وانه زان وفاسق، وانه من أنصار الشيطان وحلفاء الأميركان والإسرائيليين؟!
لماذا يفترضون أن التعبد يسقط الواجب تجاه الحياة؟!
لماذا يفصلون الدين عن الحياة تحت، ثم يربطون الدين بالحكم، فوق، فإذا الحاكم هو الرحمن الرحيم، الجبار المنتقم، المانح المانع، القاهر الباهر، المعطي الكريم، الوهاب، التواب، العليم… وإذا الله، سبحانه، مجرد مؤتمن على مخلوقه ذاك، يحميه ويحفظه ويبقيه ويفوضه صلاحياته ثم يقف حارسا على بابه يحاسب من خرج عليه أو أنكر عليه وحدانيته!
لماذا لا ينهض هؤلاء الساجدون؟
لماذا يتركون إيمانهم وحيدا في المساجد ويخرجون منها بغير إيمان؟
ثم ألم يلاحظوا أن بيوت الحكام أفخم من بيوت الله، وأن بيوت الله أفخم من بيوتهم؟ وانها أكثر عددا من المساكن الشعبية، بل ولعلها لشدة انتشارها قد باتت أكثر عددا من المصلين، على كثرتهم؟! وان ما ينفق عليها يكفي لمحو الأمية، إذا ما استخدم في بناء المدارس وإعداد المعلمين، ويكفي لشفاء كل المرضى إذا ما خصص جزء منه لتخريج الأطباء من كليات ذات مستوى أو لبناء مستشفيات لا يقتل فيها الأصحاء قتلاً بالجهل، ويكفي لبناء مصانع يعمل فيها كل المتبطلين والذين لا يجدون فرصة للرزق الكريم،
بل ان ما ينفق عليها قد يكفي لدخول العصر، وإنتاج أجهزة التقنية العالية، وبناء المفاعلات النووية للأغراض السلمية، والوصول الى التوازن الاستراتيجي مع العدو، حتى في مجال أسلحة الدمار الشامل التي يسمح له بها وتمنع عنا؟!
لماذا لا ينهض هؤلاء الراكعون؟
لماذا لا يرفع هؤلاء المطأطئو الرؤوس رؤوسهم فيرون من هم فوق وكيف يعيثون فسادا، وكيف يتاجرون بالله وعبيده؟
لماذا لا يخرج هؤلاء المحتشدون في المساجد جماعات ويقصدون من فورهم تنفيذ كلام الله في من يجب وضع الحد على حركته ومصادرة ماله الحرام والخروج عليه بحد السيف؟!
لماذا لا يفتحون عيونهم فيرون ما هو قائم على الأرض من حولهم بدل ان يظلوا هائمين في السموات السبع يتساءلون عما ومن فيها، وهل يسكنها الانس أم الجان؟ وهل ثمة أناث بين الشياطين أم كلهم من الذكور، ولماذا لا يتناسل الملائكة الخ؟!
لو أن المسلمين الأوائل أمضوا أيامهم في المساجد لما كانت الفتوحات، ولما وجدوا الوقت الكافي لنشر الدين الحنيف وإقامة دولته…
ما لنا ولهذا الحديث السمج،
لنسرع الى البيت فقد حان وقت الفوازير، وسائر ألعاب الميسر: تعطي جوابا فإن كان صحيحا وسريعا ربحت مائة دينار وإلا لم تخسر شيئا…
الوقت؟!
من يسأل عن الوقت؟!
ومتى كان الوقت مصدرا للربح؟! إنك تحار كيف تقتله حتى لا يقتلك!
بين التهجد طلبا للجنة، ونفاق الحاكم وخدمته في كل ما هو عصيان على أمر الله، ثم الاستكانة ولو وهما في أحضان الفاطرات الجميلات في الخيام الرمضانية، والتباري في سرعة البديهة مع المقامرين الآخرين لربح المائة دينار، تمضي أيام شهر العبادة والتوبة هانئة، رتيبة، لا منغصات فيها إلا الخوف من تلبك المعدة وزيادة الوزن وكيفية تأمين النفقات اللازمة لعطلة طويلة يرتاح فيها المؤمن من موجبات إيمانه الثقيلة،
رمضان مع عيده: خمسون يوما من البطالة المقنعة بالإيمان!
… وبعدها خمسون يوما أخرى لتعويض ما تأخر إنجازه،
ثم خمسون يوما أخرى لاستعادة السوية،
فإذا العام قد مضى، وسبقنا الكفار مائة عام أخرى. قاتل الله الكفر والكفار، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكل رمضان وأنتم بخير تتهجدون ولا تجتهدون ولا تجاهدون، ولا تنتبهون الى ما يدور حولكم ويدبر لكم لكي تسقطوا من الأرض (الجغرافيا) ومن التاريخ، تاركين بيوت الله الفارغة تنعي من بناها.

تهويمات
تكفيني عتمة الوحدة، لماذا تطفئ صوتك ليلاً؟!
ألجأ إليك ليأخذني الدفء إلى النوم، فلماذا ترميني في صقيع النبرة المحايدة؟!
كنت خدري فصرت مخدري،
وكنت أتوسد كلماتك المتعبة، تهدهدني في حروفها اللينة وتأتيني بالفراشات الملونة ترف بأجنحة الطيف فتنثر ألوان النعاس حتى أعشى فأغفو.
لست أملك منك إلا خيوط الصوت، أنسج منها عباءة أو أداري بها عري شهواتي، أو أجعلها أرجوحة لأحلامي، فإذا ما فاض بي الشوق جعلتها سريري وافتقدت يدك.
اعتقني يا مولاي أو تعال.
اكسر صمتك بدلا من أن تكسرني به!
* * *
} أخطأت الرقم فوجدت مَن تقول له صحيح الكلام.
تحصنت بجهل واحدهما هوية الآخر، وهو المشترك الوحيد بينهما حتى تلك اللحظة، ومن خلف عينيه مدّت جسدها وتأوهت: إليّ، إليّ!
وانتشى، فشهر صوته الذكَري ونزل إلى الشارع في رحلة صيد جديدة!
* * *
} فندق الجنس الواحد بارد مهما كانت درجة فخامته.
المجتمع الرجالي سمج وغليظ، تطفو أمراضه على سطحه وتضمحل »حسناته« ويتشوّه معنى الرجولة نفسها في غياب »معاييرها« الإنسانية، فتغدو أميل إلى »وحشية« تتغذى بذاتها.
تستمد المرأة من الرجل بعض صفاتها الأصلية، لكنها تعطيه أكثر: توازنه وقدرته على الفعل والإنجاز، لكأنها شهادة جدارته.
* * *
} لا تغفر المرأة أن تفاضل بينها وبين أخرى.
إنها تريدك أن تشعرها وأن تتصرف فعلا وكأنها كل النساء، في حين تخضعك لامتحان مفتوح ازاء كل رجل تلتقيه أو تقرأ أو تسمع عنه.
} قالت لمرآتها: علينا أن نفترق، لم أعد أطيق الفضيحة التي أرى نفسي عليها فيك،
قالت المرآة: لو كان لي ذاكرة لاستخرجتك منها، لكن شرط وجودي ألا يكون لي ذاكرة..
قالت لمرآتها: ولكنني أهرب من ذاكرتي التي تستحضرينها ببلادتك وخلو مخك من الذاكرة،
قالت المرآة: ليست إلا قطعة من زجاج مطلي بالزئبق، فارحميني،
قالت لنفسها: ذهب الزئبق ولم يبق مني إلا الزجاج وموعد الانحطام.
ثم التفتت الى مرآتها بغضب: أيها الشاهد الأبكم، الأعمى، البلا حس، سأحرر نفسي منك الآن…
أدارت المرآة الى الحائط فسمعت حشرجة نحيب ثم أفاقت على دموعها وهي تكرج على خديها وتنساب عبر العنق لتطفئ لهيب الذاكرة.
} قالت بنت السبعين: إهدأ أيها الشاب، حياتك أمامك فلا تهدرها بالتعجل، اشربها بعينيك، لا نعرف قيمتها إلا قرب النهاية..
قال: لماذا تتحدثين كعجوز؟!
قالت وهي تسوي شعرها: ليس كعجوز يا أحمق بل كصاحبة تجربة عريضة.
} قالت لصديقتها: نسيت نظاراتي، هلا أعرتني نظارتيك لا تأمل صورته الجميلة؟
قالت صديقتها: تتفرج الصورة على الصورة من أين يجيء وضوح الرؤية؟! من أين سيعبر الفعل؟!
} كتبت إليه تقول: أخيرا توصلت الى قرار.. لقد استقلت منك. كان عليَّ أن اختار بينك وبيني. سقط الوهم واكتشفت انني خارجك فباشرت التعرف الى ذاتي. تعبت منك. كنت أنظرك فإذا عيناك من زجاج، ولم أرَ نفسي مرة فيهما. اليوم أعرف انك لست الحب.. وها أنا ذاهبة إلى شبابي.
وجاءها الرد بسيطا: قبلت الاستقالة!
أما التوقيع فكلمة واحدة »الحب«.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
عجبت لمن يقف بحبه عند حدود بيته مثلاً، ثم يتعامل مع الناس بنفور وقسوة تصل أحيانا الى حدود الكراهية. لا يمكن حصر الحب بحدود جغرافية أو بالمزاج الشخصي. الحب الحياة، ومَن أحب احترم الحياة، وتمنى لأبنائها الآخرين مثل ما هو فيه. حبيبك في الناس وليس خارجهم، فإن أخرجته منهم أضعته وضعت وضاعت منكما الحياة.

Exit mobile version