طلال سلمان

هوامش

العرب يبلغون سن الرشد: ديموقراطية الاندثار!

… فلما بلغ العرب سن الرشد، قرر ولي الامر ان يسمح لهم بأن يعاقروا »الديموقراطية« ويعاشروها تمهيداً لدخول جنتها.
كانوا قد استوفوا الشروط جميعا:
ارضهم محتلة بكاملها، ما بين المحيط والخليج؛
و»الامة« قد عاودت سيرتها الاولى فانفرطت قبائل وعشائر وطوائف ومذاهب وعناصر مقتتلة على الارض وثرواتها كما على السماء والانبياء والاولياء.
أما النخب والطلائع من اهل الفكر والعلم والثقافة واصحاب الرأي والمجتهدين والمجددين، فهي إما مهجَّرة وإما مهاجرة، إما معتقلة واما منذورة للاغتيال، اما مكسورة بذل الحاجة ترتكب خيانة مبادئها واهداف نضالها العتيق واما اصابها الخرس فاعتكفت داخله تمضع وجعها ولا يصدر عنها الا الانين المتقطع الذي يدل على انها تعيش ولا تحيا…
كما ما يحير العرب: اي ديموقراطية تلائمهم؟ فالديموقراطية اشكال والوان، وقد عرفوا منها ديموقراطية المبايعة، وديموقراطية الاستفتاء، والديموقراطية الابدية، وهي نموذجية بمعنى انها تريح من يمارسها من تعب الذهاب كل بضع سنوات الى صندوقة بلا قعر ليرمي فيها وريقة بلا اي قيمة او تأثير في النتيجة المقررة سلفاً والتي تساوي بين الجميع بلا تمييز او امتياز، فالرئيس القائد الملك الملهم المعلم واحد أحد، والباقي »اوراق« تكتسب شرعيتها من اسمه المطبوع، وحيداً، على صفحتيها!
… ولقد حلت الادارة الاميركية هذه المشكلة الفقهية العويصة بان ابتدعت اصنافا من الديموقراطية تلائم الشعوب »النامية«، وبالذات منها العرب والمسلمون عموما:
في افغانستان، مثلا، تكفي بضع مئات من الصواريخ العابرة للبحور والجبال والهضاب والعقول، وبضعة آلاف من الغارات الجوية بطائرات اسرع من الصوت والبصر، لمسح آثار ماضي التخلف..
بديهي ان ترافق ذلك اغارات مكثفة بالدولار، وهو السلاح الاكثر فتكا منذ ان انزل الغضب الالهي آدم من جنات النعيم الى الجحيم الارضي..
بعد ذلك، يكفي استيراد ملك رئيس يتحدر من اصول افغانية يموه »اميركيته« بلباس مميز بأناقته الفولكلورية الدالة على اصالته »الوطنية«: »برنس« اخضر، و»قلبق« أسود، يشبه »الفيصلية« التي اعتمرها فيصل الاول حين تم تعويض اسرته الهاشمية مُلك الحجاز بتنصيبه مَلكا على العراق.
فلقد تعلم الاميركيون من بيت الخبرة البريطاني ان افضل حل »ديموقراطي« للداخل هو الاتيان بلاعب »وطني« ممن تربوا في الخارج، ويفضل ان يكون ملتبس الهوية، بمعنى انه »يمثل« الاكثرية حتى لو كان غريبا عنها.
… ولأن الانتخابات لعبة جديدة طالما تفرج عليها العرب والمسلمون عبر الفضائيات او قرأوا او سمعوا عنها فانبهروا، فلا بأس من تعليمهم اصولها البدائية: لكل فرد، ذكرا كان ام انثى، صوت يذهب به الى صندوقة الاقتراع السحرية ويرميه فيها فيخرج منها »رئيس« او »نائب« او »رئيس بلدية«…

الدكتاتورية بالديموقراطية: بضعة منافسين.. للزينة!
… ثم ان الادارة الاميركية قد توصلت الى اقناع اصدقائها من الحكام العرب ببعض التعديلات في الشكل، تضمن لهم الخلود على رأس السلطة، بغير ان تستفز رعاياهم الذين لا يطمحون الى اكثر من المشاركة »الديموقراطية« في تأبيد هذه الاستمرارية.
أما الحل العبقري لثبات حكام الدكتاتوريات في مواقعهم ديموقراطيا فيتلخص في تبديل التسميات التي تعطى للاجراءات الشكلية: لماذا الاستفتاء الذي بطلت »موضته« وصار مصدرا للطعن في نقص الديموقراطية؟! فليتم الامر بالانتخاب، وليرشح نفسه من شاء ان يحلم في عز الظهر… ونتائج الانتخاب ستكون هي هي نتائج الاستفتاء مع بعض التعديلات التي تُسقط عنها شبهة »الفرض« و»القهر« و»كبت الحريات«، وتجعل العملية ديموقراطية مئة في المئة بشهادة »المراقبين الدوليين« و»جماعات المجتمع المدني«: ينال المنافسون، الذين يجب ان يشجَّعوا ليكونوا كثرة، ما لا يزيد على خمسة وعشرين الى ثلاثين في المئة، مثلا (10+7+5+3+2+1+1/2)، بينما يحصل الديموقراطي الاول على 70 الى 75 في المئة، ولا من يعترض او يطعن او يتهم الحكم بالتزوير.
صحيح ان هذه الديموقراطية تكسر »ألوهية« الحاكم شكلا لكنها تؤبد حكمه، بمضمونها، فالإله في الحالتين واحد… ولا اله الا الله!

الاستفتاء للدستور ورئاسة الزمن الآتي بالانتخاب

ماذا يعني ان تغير في الآليات او »الميكانيزم« ما دام جوهر النظام يقوم على الحاكم الفرد الذي اختطف لنفسه بالدستور الذي يستولده »الاستفتاء« صلاحيات تداني ما للخالق سبحانه وتعالى؟
اذاً، ليكن الدستور بالاستفتاء، والرئيس بالانتخاب…
والاستفتاء لا يحتاج الى تزوير. ان نتائجه تسبق اجراءه. وآلة الدولة، لا سيما في بلد يقوم نظامه على الحكم المطلق لفرد واحد، تستطيع ان تتكفل بالنتيجة الديموقراطية مئة في المئة.
في الاستفتاء تنفر صورة الرئيس كأنه يختصر البلاد وشعبها. اذاً، فلتذهب مضار الاستفتاء الى الدستور ولتبقَ منافعه الانتخابية لتأبيد رئاسة الرئاسة.
النتيجة واحدة: سيظل الرئيس هو البلاد. سيظل »هو« الشعب ملخصاً ومختصرا في واحد أحد. من يجرؤ ان يرمي صوته خارج البلد؟
من لا ينتخب يخُن واجبه كمواطن. يصبح مارقاً وتسقط ذرائعه في التشكي من نقص الديموقراطية.
النتيجة واحدة: تتماهى صورة البلد مع صورة الرئيس، ديموقراطيا. هو الوطن والوطن هو. هو الشعب كله، ومنافسوه يمثلون اقليات بسيطة يجبرها النظام الديموقراطي على التسليم بشرعية من حاز الاكثرية.
لا تهم الأعداد، يمكن لفرد واحد ان يكون الممثل الشرعي الوحيد لعشرات الملايين.

اخلع ربطة عنقك فتجدد أصواتك
من اجل استكمال الاصول الديموقراطية للانتقال من الاستفتاء الى الانتخاب، لا بد من ان تخضع صورة الرئيس الملك القائد لبعض التجميل:
اخلع ربطة عنقك، واظهر بالقميص، تخلعْ عنك صورة الدكتاتور، وتَصِر من اهل المستقبل حتى لو كان الماضي قد حفر اخاديده فوق صفحة وجهك بحكم العقد السابع او الثامن او ما يدانيه.
ابتدع لنفسك أو الجأ الى شركة علاقات عامة تبتدع لك »صورة جديدة نيو لوك« توصي بانك لست انت الذي كان، بل انت »الآخر« الذي يطلبه الشعب، الفتي بأكثريته الساحقة. لست الماضي، بل انت الغد. لست الدكتاتور الذي يحيي ويميت، بل انت »الراعي الصالح« او »الاب« او »الأخ الاكبر« الذي يدخل الاكواخ وبيوت الفقراء، يشرب الشاي ويمازح الفلاحين، يداعب ابناءهم ويحمل الهدايا الى الصبايا المقبلات على الزواج.
الانتخابات هي اكسير الشباب، خضها تستعد فتوتك.
هيا توكل على الله وكن »إلها«… بالديموقراطية وليس إلا بالديموقراطية!

حوار متأخر عن موعده

هل عدت الى الحياة، ايها المخاتل؟
وماذا بيدي غير خيوط السندس، والنجمتان تغمزان من البعيد، ويضيع من قدمي الطريق.
لطالما كان الناس يهتدون بالنجوم.
ولكن النجوم هدفي لا دليلي.
وتتركني في غيهب العذاب؟! لم أكن اطلب غير ان تسمعني. لم أكن بحاجة الى منديلك لتمسح دموعي. أنا اضعف من ان ابكي واقوى من ان اشكو. كنت افتقد نفسي. كنت اريد من يخاطبني باسمي. من ينهرني ليحد من انانيتي. من يذكرني بأنني امرأة مفردة لا اختصر النساء، ولكنني اختلف عنهن. كنت اريد من يرى قلبي في جسدي فلا يأخذ بعضي ويتركني كلي. كنت اريد من يقرأ حياته في عيني ولا يتخذني قارئة لفنجانه.
قال من دون ان تسمعه:
فات زمن الكلام.
سمعته فقالت: وهل كان بيننا غير الكلام؟ هل جعلت لكلماتك، ذات يوم، ذراعين للعناق؟ هل حملتني بهما، مرة، لأكون طفلتك؟! هل حضنتني، مرة، بهديلك؟ لا النهر اغواك، ولا جعلت السهل فراشك؟! تقف دائماً عند طرف المسافة، وتكرز عليّ نصائحك وأنا اطلب من شفتيك شفتيك لا الكلمات..
تمتم مجدداً: فات زمن الكلام!
قالت من دون ان تسمعه: ولكنك زمن الكلام. اذهب فنم مع كلماتك، اما أنا فذاهبة الى من له ذراعان يلتفان من حول النجم ويعصرانه حتى يرتوي السندس.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
لا يذهب المنفى بالحب. اعرف من هاجر بحبه الى أقصى الارض، فلم يهجره، ولم يزرعه في البرد هناك، بل ظل يعيش به ويتغذى بالأمل، حتى عاد فاستعاد حبيبه بعد دهر…
الحب كالشمس، يفيض على الكرة الأرضية. انه يمنحنا نور الحياة.

Exit mobile version