طلال سلمان

هوامش

رحلة الأعوام الأربعين بين النية والقرار: الموسوعة العربية

كان الزهو يظلل القاعة الفقيرة الرياش والحضور، في نقابة الصحافة اللبنانية، ظهر الاربعاء.
فالمناسبة احتفال بحدث ثقافي متميز، وربما لهذا غاب عنه الحشد الذي تستنفره فستحضره الطوائف وأحزابها، او المطربات بالجسد ووكالاتها الناشطة، او مؤسسات »المجتمع المدني« بتمويلها الاميركي ومضيفاتها ذوات الابتسامات الشبقة.
أما الدعوة فمن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،
وأما المناسبة فهي افتتاح ندوة »التعريف بموسوعة اعلام العلماء العرب والمسلمين«.. هذه الموسوعة التي صدر منها، حتى الآن، ثمانية مجلدات، وان لم تحظ بتقديم لائق يتناسب والجهد المبذول لإنجازها.
أخيراً بات لدى »العرب« مشروع »لاروس« او ما يشابهه.. وصحيح ان هذا الانجاز يجيء متأخراً عن البدايات الاوروبية حوالى القرنين، إلا ان الفرح بصدور المجلدات الثمانية يجبُّ الاحساس بخسارة فادحة في الزمن.
لقد تطلب تحويل الفكرة الى انجاز حوالى اربعة عقود اذا افترضنا ان البداية كانت مع اصدار ميثاق الوحدة الثقافية العربية العام 1964، التي بموجبها انشئت المنظمة العام 1970.
كان في طليعة الاهداف: اقامة المؤسسات النوعية التي تخدم الثقافة العربية من المنظور القومي وتوثيق التراث الحضاري العربي الاسلامي، وترجمة عيون الآداب والمعارف لاغناء الثقافة العربية والتعريف بابداعات المفكرين والفنانين والادباء العرب وتوفير المراجع الكبرى.
وكأي شأن ثقافي، وكأي مشروع جدي للتعاون يُعهد به الى دوائر الحكم العربية، فقد كان بديهياً ان تصبح »الموسوعة« بندا دائما على جدول اعمال وزراء الثقافة العرب، الذين يُختارون في الغالب الأعم من بين المزعجين بمطالبهم وارتفاع أصواتهم، او من المشاغبين بطموحاتهم الديموقراطية، او من بين الذين يوزّرون لمجرد »التوازن« الطوائفي او المذهبي او القبلي او بين جماعة الملك الرئيس وبين منافسيه وخصومه ذوي الألسنة الحادة التي تأخذ عليه نقص ثقافته!
ظلت الموسوعة مجرد بند على جدول اعمال الذين يُقرَّر لهم ولا يقرِّرون ما بين العام 1976 وآخر دورة لهم العام 2002: اكثر قليلاً من ربع قرن… علماً بأن الموافقة على المشروع كانت تمت العام 1981 واقيمت له ادارة خاصة ومجلس تنفيذي ومجلس علمي للاشراف عليه.
طبعا، وكما في مجالات اخرى، لم يمر الزمن هدراً.. ففي هذه الاثناء كانت »الانفصالية« تتحول من اتجاه ضعيف ومنبوذ الى تيار عريض، وصار رفض العرب بعضهم بعضاً سياسة رسمية، وصار انكار الهوية العربية مفخرة يتنافس على كسب قصب السباق فيها كل الذين يخرجون من عروبتهم الى فيء الحضانة الاميركية عبر الممر الاجباري: اسرائيل.
وكان ثمة مجهودات تبذل في بعض الاقطار العربية في مجال الموسوعات، فكانت سوريا مثلا تتابع اصدار موسوعات شبه متخصصة، كما ان السعودية باشرت اصدار »الموسوعة العربية العالمية«، في حين انصرفوا في المغرب الى اصدار »المعلمة المغربية«، اما في تونس فقد باشروا العمل في »موسوعة بيت الحكمة«، وفي الاردن اندفعوا نحو »موسوعة آل البيت«.
وكان ذلك جهداً طيباً، لكن المطلوب شيء آخر.
في اي حال، يمكن التأريخ لانطلاق العمل الجدي في هذه الموسوعة، التي تستحق اسمها، في العام ألفين.. وقدرت الكلفة عند وضع دراسة الجدوى بثلاثين مليون دولار اميركي لاصدار ثلاثين مجلداً.
أما المرحلة الاولى فكانت تستهدف: الإعداد لاصدار موسوعة عن أعلام العلماء العرب والمسلمين، منذ ظهور الاسلام وحتى نهاية القرن العشرين، تشمل كل مجالات المعرفة في الحضارة العربية الاسلامية، اي بما فيها العلوم الدينية والإنسانية، والعلوم الصحيحة والطبيعية والتطبيقية والطبية والصيدلة والفنون والآداب والعمارة.
الأهم: كان ان تستوعب علماء المشرق والمغرب والاندلس وصقلية وبلاد فارس والعالم الاسلامي العثماني وآسيا الصغرى والكبرى وشبه القارة الهندية وشرق افريقيا وغربها. واجمالاً: كل من كتب بالعربية، إلى أي دين او قومية انتمى.. فمعروف ان كثيراً من اعلام الابداع او الانتاج الفكري والعلمي العربي هم من المسيحيين او اليهود او من أتباع الديانات المختلفة في القارة الهندية وافريقيا.
إذاً، تم وضع القومية والدين جانباً وتركز الاهتمام على الانتاج، بهدف تعريف العالم بحضارة العرب والمسلمين وإحياء ذكرى العلماء والمبدعين وتصحيح ما اصاب هذا النتاج عبر الدهور من تحريف متعمد، وادامة الاتصال المتجدد بين الاجيال، وتوفير مصدر علمي لاتاحة الفرصة لكتابة تاريخنا الثقافي.
فالثقافة العربية، مثلها مثل اية ثقافة اخرى، تكونت من جهود كل العلماء بلا استثناء، بغض النظر عن اصولهم، وهي نتيجة تلاحُم أمم وإبداع اعراق مختلفة واقوام متعددة وخلاصة صهر إنساني لا فرق معه بين عربي واعجمي.

أوكسفورد والبداية الأندلسية

عذراً للمقاطعة، ولكن واقعة حدثت معي قبل عام وبعض العام، تلح عليّ في ذكرها هنا.
كنت في زيارة منظمة، بدعوة من وزارة الخارجية البريطانية، قبل عام، في لندن. ولقد طلبتُ ان يتضمن البرنامج زيارة لاوكسفورد.
كان الطقس مثلجاً، واتاحت لي الرحلة بالقطار فرصة لالقاء نظرة على بعض ضواحي لندن و»ريفها« الانيق، فيخفف ذلك من تهيبي دخول تلك المدينة الجامعية، ذات السمت الخاص، الذي ينتصب عند مدخلها مبنى هجين تبرعت به واحدة من دول النفط الغنية، واثار احتجاجات قد تكون »عنصرية« وقد تكون »دينية« ولكنها تذرعت بمخالفة الذوق العام، وبالاساءة الى الطابع التاريخي لمدينة العلم والعلماء التي تشكل كنائسها (حتى الملكية) جزءاً لا يتجزأ من مناخها الثقافي ومن تقاليدها الاكاديمية.
المهم ان جولتنا كانت تشمل لقاءين: احدهما مع بعض مسؤولي معهد الدراسات الاسلامية، والثاني مع مدير مركز الدراسات العربية.
ولقد فاجأني ذلك الكهل الوقور الذي قدم نفسه كمجتهد في دراسة اللغة العربية ونحوها في القرآن الكريم، بالسؤال: اتعرف ما هي الكتب الاولى التي يمكن اعتبارها حجر الأساس لهذا المركز، بل لهذه المدينة الجامعية؟
ولم أكن املك جواباً، فانتظرت منه ان يقول، ولقد قال:
ان الكتب الثمانية الاولى التي اعتمدت كمصادر اساسية لبعض العلوم إنما كانت كتبا عربية جاءتنا من الأندلس قبل خمسمئة عام. كانت المنطلق. ولقد عمل أجيالنا السابقون، بجهد وجد، لاستكمال ثروة المعرفة، وما زلنا نعمل، وستأتي أجيال اخرى فتكمل… المهم ان تستعيدوا صلتكم بالمعرفة، والا تكتفوا بالتباهي بأنكم كنتم بين الاوائل. فالثقة بالنفس لا تسقط بالمظلة من الأجداد بل تؤخذ عنهم ومنهم ثم تتعزز بالإكمال، وإلا صارت تراثا او رماداً.
***
هي خطوة واسعة في الطريق هذه التي تمت بصدور المجلدات الثمانية من »موسوعة اعلام العلماء والادباء العرب والمسلمين«، وقد صنفت بحيث يكون كل مجلد لحرف واحد أو لبضعة حروف من اسماء الاعلام.
ويقتضي الواجب ان ننوه بالجهد المبذول، وقد شارك فيه عشرة آلاف عالِم من الدارسين والبحاثة في المشرق والمغرب، وان ظلت »القيادة« معقودة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وقد تولى الاشراف العام د. المنجي بوسنينه، بينما مديرها المسؤول د. محمد صالح الجابري، أما الهيئة العلمية فتضم الدكاترة: هشام نشابه (لبنان)، اكمل الدين احسان اوغلي (تركيا)، محمد احمد الشريف (ليبيا)، صلاح فضل (مصر)، عبد الرحمن الطيب الانصاري (السعودية)، محمود فهمي حجازي (رئيس جامعة نور مبارك كازاخستان)، علي عقله عرسان (سوريا)، ابراهيم مراد (تونس)، محمد علي آذرشب (جامعة طهران) ومحمد اسلم اصلاحي (جامعة جواهر لال نهرو الهند).
ولعل بين مصادر اعتزاز »السفير« انها قد شهدت الاجتماع التمهيدي الاول الذي عقد في بيروت، قبل ثلاث سنوات، بدعوة خاصة من »راهب العلم« الدكتور هشام نشابه.
ربما لهذا نستشعر سعادة خاصة… فلعلنا لمرة نشهد ثماراً لجهد بدأ ثم لم ينقطع بسبب من العقبات البيروقراطية التي غالباً ما تكون ذريعة او تمويها للتخريب السياسي لأي جهد ثقافي جدي.. و»دار الجيل« شريك في هذا النتاج، الذي يتبدى وكأنه، حتى بالمعنى التجاري، مجز.

حكاية/ لك الاسم ولي صداه

… وفي اليوم الثالث قررت ان تسأله عن اسمه.
في الليلة الاولى لم يكن الوقت يتسع للأسئلة، فالصبح كان يقترب على اجنحة اللهاث، وكان عليهما ان يعوضا الزمن الذي ضاع قبل التلاقي.
اخذتهما الشمس في دورة الى مواطن الجمال في المدينة الحديقة، جربا العناق في كل زاوية ظليلة، واستغنيا عن الطعام للخدم الذين قدروا »الحالة« فأحاطوها بالرعاية وذبوا عنها عيون الحاسدين.
صارت امرأته بلا طلب، وقرر انه رجلها بغير ان يعرف عنها إلا موقع الشامة الاولى عند شفق الشهوة العليا، والشامة الثانية عند منعرج اللذات بين الكتفين.
عمر التلاقي محاصر بين شمسين وليلين مرجأين.. والمباراة مفتوحة: من يعطي اكثر، ومن يقدر على ان يندمج في شريكه حتى الذوبان.
ظهر قمر وغاب بعدما حمل طيفيهما متداخلين الى العشاق الغارقين في وحشة الوحدة انتظاراً لاكتمال موعود. انبثقت النجوم كعيون القطط ترمقهما بتخابث طفولي.
قالت: سأسميك حبيبي..
جاءها الرد ابتسامة تسابق العناق، اما خلاله فقد سمعته يتمتم بشغاف قلبه: من يسبق يكُن له الاسم، ومن يلحق يكُن له صداه الذي يشابه الصلاة.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
الحب لا يجعل الناس ملائكة.. ميزة الحب انه يرفع الملائكة الى مستوى البشر.. فهو يمنحهم الأحاسيس والمشاعر. يبكيهم ويضحكهم ويسعدهم ويدخلهم نعيم النشوة.
شكراً لحبيبي الذي رفعني الى أعلى مراتب الإنسانية: العشق.

Exit mobile version