طلال سلمان

هوامش

تحية للشهيد: 6 أكتوبر!

تمر الذكرى شاحبة، لا يليق بها اكثر من احناء الرأس امام أضرحة ابطالها الشهداء… اما الاستعراضات العسكرية واعادة »تمثيل« العبور واسترجاع اللحظات المجيدة التي اندفع فيها شباب الامة نحو قهر العدو في دشمة هائلة التحصين، واقتياد الاسرى من الضباط الاسرائيليين وايديهم فوق رؤوسهم مستسلمين لشجاعة الارادة والقدرة على انجاز النصر، فليست اليوم الا ذكريات تلتهمها المرارة ويخيم فوقها عجز الحاضر الذي يأخذنا الى الاستسلام.
»حرب العبور«، »حرب 6 اكتوبر«، »حرب تشرين التحريرية«، »حرب العاشر من رمضان«، شاخت وانطفأت ذكراها في الوجدان، لأن العبور توقف بالامر عند عتبة النصر، ولان السادس من تشرين الاول اكتوبر قد وئد في العاشر منه، ولان الصائمين قبل ذلك على الحرب قرروا »العيد« قبل ان يحين موعده فضاع الصيام عبثا ولم تكتمل الفرحة بالعيد.
حتى الأغاني التي استعيدت تحية للذكرى كانت شاحبة الكلمات والألحان بعدما جردتها انتكاسة النصر المنقوص من المعنى.
أي نصر ولا مصر في هذه الدنيا؟!
أي نصر ومدفعية شارون الذي احدث »الثغرة« التي التهمت مقدمات النصر، تدمر البيوت على الفلسطينيين في رفح، جبل الصرة المصرية مع فلسطين، وفي جباليا، وفي بيت لهيا، وفي خان يونس… والاطفال المثخنون بجراح الموت يرفعون اصابعهم النحيلة باشارة النصر الذي سيحققه الآتون بعدهم، والنسوة النائحات على الازواج والابناء والبنات والاشقاء والآباء المسحوقين تحت جنازير الدبابات لا يجدن من يلتفتن اليه بالشكوى الا فضول عدسات الفضائيات التي تستخدم المشهد الدموي للترويج، ليس الا: تنقله بحيرة مفجعة، ببرودة مستفزة! لقد سقطت »الجِدة«! سقطت »الاثارة«. لكأنه خبر قديم يعاد بثه، وليس فيه ما يثير، حتى بالمقارنة مع مباراة في كرة القدم، او مباراة في التنس بين ملكتي جمال الافخاذ!
يمكن التأكيد الآن ان جمال عبد الناصر قد مات.
السياحة افضل من القتال، ومواقع النصر تجذب فضوليين من هواة التصوير: هذا خط بارليف الشهير! من هنا كانت بداية العبور! هنا كانت مدافع الضخ التي هتكت استار الرمال التي كان يختفي العدو وراءها متحصنا بتلك الجبال الرملية التي يعجز عن تسلقها حتى القردة! هنا اقيم اول جسر للعبور، والى اليمين والشمال انتشرت في غمضة عين عشرات الجسور لتعبر الآليات والمدفعية يسابقها الفتية من الجنود سباحة.
النصر في مدى اليد، هيا فاقطفه.
لكن قيدا من حديد يسقط على ارادة النصر فيعطلها.. ويكاد جند الاقتحام يغرقون في مستنقع جبن القيادة التي تخاف النصر اكثر من خوفها العدوَّ!
النصر يغرق في قناة السويس، واشلاؤه تنتثر فوق رمال سيناء.
النصر يرتد على اهله في الجولان، ومرصد جبل الشيخ يضيع مرة اخرى من ايدي الابطال الذين نزلوا عليه صواعق من السماء.
النصر الموؤود يرتد على مصر ضياعا، وعلى سوريا عزلة، وعلى الفلسطينيين تشرذما وانقساما وتفككا واقتتالا يمهد لاخراجهم من لبنان، وعلى لبنان احتلالا سيطاول عاصمته ويطول لاكثر من عقدين، وعلى العرب جميعا استرهانا لارادتهم ستنتهي بهم الى تسول الصلح من احتلال قديم واحتلال جديد اخذ منهم العراق، واقتطع من ارضهم الجزيرة العربية والخليج فعزل اليمن، وها هو يمزق السودان، ويدفع بقذافي ليبيا الى التيه في بيداء الإذلال الاميركي، ويعيد نشر جو الحرب بين الجزائر والمغرب في حين يتكفل الجراء بما عجز عن تدميره جنرال نواق الشوط في موريتانيا.
حولنا النصر الى سلسلة من الكوارث حين عجزنا عن حمايته بإكماله.
النصر المنقوص هزيمة شاملة.
النصر المنقوص عسكريا فضح الهزال السياسي، الاقتصادي، الحزبي، الفكري، والاجتماعي.
ثبت ان النصر ليس عملية عسكرية.
النصر عملية ثورية عظمى، وحيث تفشل الثورة لا يمكن ان ينتصر العسكر.
… وفي انتظار هذه الثورة الموعودة ستطول المسافة بيننا وبين النصر الموعود، وسنظل نتفرج على موتنا في انتظار موت لا يجد متفرجين!

شكري عراف يُحيي جغرافيا فلسطين… قبل التهويد!

يمكن ادراج الضائقة المالية الحادة التي تعيشها »مؤسسة الدراسات الفلسطينية« في سياق الجهد الاسرائيلي الخارق في دمويته لتصفية فلسطين قضية وارضا. كما يمكن إدراجه في سياق الجهد العربي الرسمي لفرض النسيان المطلق على فلسطين الماضي والحاضر والمستقبل.
فمن يمتنع عن نجدة الشعب الفلسطيني ولو بما يقيم الأود او يحفظ حياة الجرحى من ضحايا الاعتداءات الاسرائيلية اليومية والمتفاقمة في ضراوتها، يخَف بالتأكيد ان يدعم مؤسسة رصينة وجادة في عملها الحافظ للذاكرة والمساعد على تنوير طريق المستقبل.
برغم ذلك فما زالت مؤسسة الدراسات الفلسطينية تعمل بدأب من يعيش أبدا، وتصدر كتبا مرجعية تؤسس لوعي حقيقي بفلسطين، وبإسرائيل الدولة وبالحركة الصهيونية، وبخططها للهيمنة على منطقتنا بكاملها بعد »التخلص« من شعب فلسطين بالطرد والتشريد والابادة الجماعية.
بين آخر ما أصدرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية كتاب لا يمكن ان ينتجه الا انسان صوفي في وطنيته، دؤوب كالنملة، دقيق كصائغ عقود الماس.
يحمل الكتاب عنوان »المواقع الجغرافية في فلسطين الاسماء العربية والتسميات العبرية«… اما المؤلف فهو شكري عراف، واما المتبرع بالنفقات فهو الشيخ احمد زكي اليماني، واما الاهداء فالى »مؤسسة الدراسات المقدسية: مديرا (سليم تماري) ومساعدا (عصام نصار) وعاملين«.
الكتاب شامل في تناوله لارض فلسطين بمدنها وبلداتها وقراها، لانهارها واوديتها وسواقيها والشعاب، لجبالها والتلال، للآبار والابراج، للابواب والاخوار والاغوار، للانبياء والانقاب (جمع نقب)، للبحار والبحيرات والبرك، للجزر والجور والجسور، للحارات والضواحي، للحجارة والخرب والخانات والخشوم والرجوم، للرؤوس والساحات والسبخات والسهول والمروج، للشواطئ والصحاري والبوادي، للطرق والشوارع والعيون.
يقول المؤلف انه »منذ نحو 120 عاما بدأ الاسرائيليون تغيير الاسماء العربية في فلسطين الى تسميات اخرى عبرية تخدم الاهداف التي وضعتها الحركة الصهيونية، ودولة اسرائيل بعدها، والتي نجحت في عبرنة اكثر من 7 آلاف اسم لمواقع فلسطينية، منها اكثر من خمسة آلاف موقع جغرافي، ومئات عدة من الاسماء التاريخية واكثر من الف اسم للمستعمرات…«.
ان شكري عراف يقاوم، بل يقاتل، ضد الرغبة الرسمية في النسيان.
انه يقدم مضبطة اتهام بحق الذين قصروا في الماضي، وحكم ادانة بحق الذين يطلبون السلامة الآن على حساب فلسطين، وبالطبع هم يشترون وهما ويضيعون حقيقة من لحم ودم وصخر وبحر وذكريات وانتصارات وامجاد فضلا عن الحقوق الطبيعية لاي شعب في ارضه.
والمقارنة جارحة بين ما فعل الاسرائيليون، من قبل نجاحهم في اقامة »دولتهم« على ارض فلسطين، وبين التخلي العربي العام عن الحق والحقيقة، عن التاريخ والجغرافيا والهوية…
البداية كانت في 1878 حين غير اليهود اسم »ملبس« لتصبح بتح تكفا، وتعني باب الامل، والجاعونة لتصبح رمش بينا اي رأس الزاوية وهو مصطلح عبراني.
كمثال فقط، يشير المؤلف الى ان اللجنة اليهودية الفت سنة 1922 لجنة اسماء تساعد المهاجرين على اختيار اسماء المستعمرات التي يؤسسونها او تؤسس لهم. وبين 1922 و1948 غيرت اسماء 216 موقعا، وبين 1948 و1951 أقرت لجنة الاسماء الحكومية 198 اسما آخر. ومنذ ذلك التاريخ قرر ديفيد بن غوريون ضم اللجنة الى ديوان رئيس الحكومة!! وتضم هذه اللجنة 24 عضوا من خيرة العلماء اليهود في مجال الجغرافيا والتاريخ والتوراة والآثار واللغة والآداب، كما تضم ممثلين عن مختلف الوزارات كالداخلية والعمل والوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي والجيش.
»كانت هناك حاجة الى تغيير اسماء فلسطينية كثيرة كالقرى التي هُجّر أهلها بالقوة او التي اقيمت في مواقعها و/او على اراضيها مستعمرات جديدة«.
شكري عراف، صاحب الارض وابنها، بها عاش واليها ينتهي، اراد بكتابه ان يثبت للارض هويتها الاصلية، وان يحفظ لناسها من بقي فيها ومن اقصي بالقوة عنها ذاكرتهم، ان يبقيها باسمائها المنقوشة بالدم على جدار التاريخ في وجدان ابنائها وهم يحملونها فيه حيثما كانوا. وقد ولد شكري عراف في 20/1/1931 في معليا في الجليل الاعلى، وله اكثر من 20 مؤلفا تدرس الجذور العربية، في فلسطين منها: الارض والانسان والجهد.
وهو »قد شهد هذه المتغيرات طوال اكثر من 60 سنة، وكان تاريخ هذا البحث يسجل يوميا في ذاكرته، بصره وبصيرته«… وهو يعتبر انه يضيف بكتابه »لبنة جديدة الى المكتبة الفلسطينية العبرية العالمية« وذلك باعادة الهوية التي منحتها ظروف المكان والتاريخ الى الاسماء.
اوليست الاسماء شهود التاريخ وصناعه؟
الجغرافيا ذاكرة التاريخ ايضا. وهكذا فان اسماء الامكنة تحمل اسماء كل الذين اقاموا فيها او بنوا عمارتها، كما تحفظ اسماء الفاتحين، سواء الذين عبروها الى غيرها ام استقروا فيها… وهكذا فقد »عبر« الاشوريون والهكسوس والفراعنة والفينيقيون والكنعانيون والروم والبيزنطيون والصليبيون والايوبيون والمماليك… ولقد ذهب الجميع وبقيت فلسطين.
اما اليوم فالخطر يتهدد حافظة الفلسطينيين: الارض.
وهذا الكتاب ينفع في تعذيب ضمائر المتخلين عن فلسطين… إذا ما قرأوا ووعوا!

حكاية لنافذة القمر

في البيت الصغير نافذة للقمر يحرسها في غيابه الهديل.
في ليالي القمر يصير البيت نافذة عريضة تطل على سرير ضيق يبعث اليه البدر شيئا من وسنه فيُظلل مسامريه كي يناموا متحاضنين.
يوسع القمر النافذة ويعتليها، يجعلها فضاء لارجوحة العاشقين. يدفعها الى اعلى الشهيق، ثم يمسك بها وهي تهوي حتى لا ترتطم بالتنهدات فتنخطم.
لا القمر ينام ولا العشق يشتاق الى الشمس ولا الليل يمتد بمساحة الشوق… والمدينة اشباح لعمالقة من العتم بعيون قطط، تبدو بعيدة ولكن ليس بما يكفي ليمكنك تجاهلها.
يستولد القمر قمرا. كيف تنام وفوقك قمران؟
والحارس يغفو عند عبور النشوة، لا هي تريده ان يفيق ولا هو يريدها ان تتبعثر في الطرقات التي فرغت الا من السكارى.
النافذة هي الدليل: ضعها على يمينك فتأخذك الى فوق، ارمها الى يسارك فتأخذك الى فوق، اجعلها خلفك فترفعك الى فوق، لا مفر من ان ترتقي الى منزلة أعلى، كي تصل الى ما خلف النسيان.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
لا تطمئن امرأة الى امرأة في امر الرجال، حتى لو كانوا شيوخا. ان كل رجل مشروع خيانة.
اما الرجال فيعتمد واحدهم دور التحريض للآخر على النساء.
ان كل امرأة مشروع مغامرة ليس اكتمالها هو المهم، بل التفكير فيها.
المحبون يغرقون في اطمئنانهم حتى الثمالة:
الحب اقوى من الشك. انه الحياة بالمثنى.

Exit mobile version