طلال سلمان

هوامش

إطلالة من الطهرمانة على يمن المقالح… قبل التخزين!

قال دكتور اليمن عبد العزيز المقالح وهو يتقدم منا، حلمي موسى وأنا، ب»طربونين« من القات: انا لا أخزن، كما تعرفون، لكنني اتناول وريقات منه للمجاملة، وحتى لا اكون دخيلا على المقيل.
كانت المجموعة نخبة من اساتذة الجامعات، بينهم ثلاثة سبق لهم ان شغلوا موقع »رئاسة الجامعة« في صنعاء وعدن وذمار.. وبدلا من هدر الوقت في ما لا طائل تحته فإنهم اعتادوا ان يتناوبوا على اختيار بعض النصوص، قصة او شعرا او دراسات وابحاثا او مقالات صحافية يرون فيها ما يهمهم، فيقرأ احدهم النص ثم يشترك الجميع في مناقشته ونقده او استخلاص الدروس منه.
واطرف ما سمعنا من احد »الدكاترة« الفصيحين في تبرير »القات« انه قد انتج كتابين في تسفيه هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة.
قالها وفمه منتفخ بتخزينة محترمة وفي يده بقية الرزمة يختار من أوراقها الأطرى..
مع ذلك، يبقى من الصعب عليك انت الزائر، وبرغم دواعي المجاملة، ان تقبل هذا التبرير »الثقافي« لهذه الآفة التي تهلك اليمنيين في صحتهم وفي دخولهم وفي طموحهم الى مستقبل افضل… خصوصا أن انتشارها يتزايد بمعدلات مخيفة، ويمتد من الراشدين الى الفتية غير البالغين، كما ان النساء قد لحقن بالرجال فباتت لهن »مبارزهن« أو»مفارجهن« وبدلا من »مقيل« او اثنين في الاسبوع (الخميس والجمعة) فقد بات المقيل الذي يمتد عادة لخمس او ست ساعات، »طقسا« يوميا… فإن لم تتوفر دعوة الى مقيل، لاسباب »طبقية«، أمكن للفقراء ان »يخزنوا« في المقاهي او في سياراتهم او حتى على الارصفة.
بين العصر والمغرب من كل يوم، يتبدى لك اليمنيون اجمالا وكأنهم يعانون من اوجاع في ضروسهم تنعكس ورما في احدى الوجنتين… لكأن الدبابير قد لسعت الجميع في وقت واحد، وفي الوجنات تحديدا!
ونعود الى دكتور اليمن عبد العزيز المقالح، الذي ترك »الرئاسة« ولم يترك الجامعة التي بناها حجرا حجرا، وحرص على ان يبقى في مركز الدراسات الذي انشأه، وقبل التشريف بمنصب »مستشار لرئيس الجمهورية« من دون ان يهجر قلمه، فاستمر ينتج بغزارة لافتة كتابات جادة وشعرا مصفى ومراجعات نقدية للكتب، فضلا عن مشاركته في مختلف الانشطة الثقافية وفي اعادة الاعتبار الى من اغفله الدارسون من أعلام اليمن وشخصياتها ذات الدور في حياتها العامة فكرا وادبا وقضاء، وسياسيين منسيين.
يكاد عبد العزيز المقالح يعرف كل من كتب او انشد او غنى فأطرب من العرب.
انه بمثابة »المزار« لأي عربي يصل اليمن، مثل صنعاء القديمة وسوق الملح فيها… والطهرمانات في بيوتها ذات العمد، المزينة بالمعشقات ذات الالوان البهيجة.
و»الطهرمانة« هي »المقيل« في بيوت اصحاب اليسر: ترقى اليها بدرجات متباعدة، تلتف بك طابقا اثر طابق، وتنتهي اليها لاهثا، متعجبا من عدم اللجوء الى المصاعد… ولأن الأجر على قدر المشقة، فمن لا »يخزِّن« يتحمل المشقة ولا اجر.. اقله من القات.
ومن فوق، من الطهرمانة التي جدرانها من زجاج، يمكن ان تطل على صنعاء التي عرفتها »بلدة« قبل عقدين من الزمن والتي غدت مدينة يزيد سكانها على المليون ونصف المليون وتمتد في موقعها الفريد: تنبسط كأنما في قعر كف مفتوحة الاصابع بينما الجبال تسورها من جنباتها الاربع ولو بارتفاعات مختلفة، وان ظل »نُقُم« هو الاعلى، بينما تحتل »دار الرئاسة« المنحنى بين »النهدين«، وهما جبلان وليس كما توهمت او رغبت! وثمة ايضا جبال »صبر« و»حدة«… الخ.
لا طبقات في »المقيل« ولا امتيازات.. و»المقيل« الرجالي يصير »المفرج« عند النساء، اذ يتحررن فيه من النقاب والعباءة السوداء، فيفرجن عن آدميتهن بلا تحرّج.
***
اليمنيون متشابهون في اللباس، فلا تستطيع اكتشاف الخلافات السياسية من خلال الفروق في الملابس المتشابهة اجمالا الا في حالتي القضاة (المميزين ايضا بجنبياتهم) والشيوخ.
كذلك لا تستطيع ان تمسك بخيوط الاختلاف في المذهب بين الزيدي والشافعي والاسماعيلي (بنوعيه المتمايزين)، فهي ضمنية لا تظهر في اجتماعات اليمنيين، بما فيها التزاوج، بينما يسهل عليك بعد جملتين او ثلاث ان تكتشف الاختلافات السياسية والحزبية التي لا تفسد الود في اليمن، وبالفعل لا بالمجاملة ولا بالمداراة.
قد يساعد اللباس على تحديد »الجهة« ومن ثم القبيلة او النسب، اما »الموقف« فلا ينتظر كثيرا لاعلانه اذ يتبدى مع انطلاق الحوار الذي يدل على تسليم الكل بالكل مع الاحتفاظ بحق الاختلاف في الرأي.
ثمة ديموقراطية بدوية، قبلية، عشائرية، بديهية، غريزية، قل ما شئت، ولكنها طبيعية، عفوية ومتجذرة في النفوس، ليست طارئة، ولا هي مستوردة ولا هي مفروضة استجابة للضغوط الاميركية بفرض الاصلاح… بالارهاب!
في »مقيل« واحد يمكن ان تلتقي مختلف الوان الطيف السياسي اليمني، من محازبي »المؤتمر« الحاكم، و»الاصلاح« ذي التوجه الاسلامي القريب؛ من »الاخوان« المسلمين برغم ان كتلته العظمى زيدية، و»الاشتراكي« الذي جاء من الجنوب مهشما، ثم دمره تورط »الرفاق« في حرب الانفصال قبل عشر سنوات، التي انتهت بترسيخ الوحدة وتثبيت دولتها مرة والى الابد، ومع هؤلاء جميعا »الناصريون« بتلاوينهم الاربعة، و»البعثيون« بلونيهم المستمرين برغم زوال الاسباب… لكأنما الخلافات الفقهية بين »البعثَين« اعمق اثرا من الاجتياح الاميركي للمنطقة بدءا بالاحتلال العسكري للعراق.
***
اليمن بخير، لولا القات.
»القات«، »القات«، »القات«… ذلك هو المرض الذي يفتك باليمنيين، ويستنزف طاقاتهم ومواردهم المالية. وهو يستهلك الخصب من الارض، فتلتهم نبتته الشيطانية بساتين الفواكه، من برتقال وموز ومانغو، وتكاد تمسح اشجار البن اليمني الذي اعطى اسم منطقة انتاجه الممتاز للعالم (المخا)، اذ تتناقص حقولها سنة بعد سنة بل يوما بعد يوم!
اليمن بخير… لكن اليمنيين مستنزفون في مقيلاتهم، في انتظار ان تحول »الحكمة اليمانية« الطهرمانة الى »شرفة« للاطلالة على العصر، بالثقافة والعلم… ومواقع الانترنت.

المبدعون المحاصَرون

في اليمن مئات من الشخصيات البارزة التي تستوقفك بكفاءتها العلمية او بثقافتها العامة، او بذكائها الحاد.
وفي اليمن العديد من الشعراء والكتاب الموهوبين، روائيين وقصاصين، لكنهم مظلومون »بالحصار« الذي يفرضه عليهم البعد وعدم القدرة على التواصل مع أقرانهم وزملائهم المتقدمين عليهم بالمكان او بالمكانة، وكذلك محدودية السوق، وبالتالي ضيق مساحة انتشار آثارهم، شعرا كانت ام روايات ام مجموعات من القصص، فضلا عن الدراسات والابحاث.
وبرغم ان الانترنت قد سهل التواصل، فانه لا يوفر فرصة الانتشار المأمول والذي يستحقه كثير من المبدعين في صنعاء التي لا بد منها وان طال السفر.

جزيرة الشاطر علي…

قديما اسميته »الشاطر علي«… اما في الزيارة الاخيرة لليمن فقد تأكدت من عصرية هذا العسكري النشأة، المفتوح الافق على التعلم والافادة من الثورة العلمية التي صنعت للانسان عصرا جديدا.
في المبنى الضخم لادارة التوجيه المعنوي في قيادة القوات المسلحة اليمنية، اقام العميد علي الشاطر »جزيرة« للتقدم العلمي والتقني، تتضمن مركزا للمعلومات وفق احدث القواعد العلمية، مع شبكة ممتازة، وأعدّ مجموعة من الضباط الاكفاء واستعان بخبرات مميزة حتى جعل من »الجزيرة« منارة.
والعميد الذي يكاد لا ينام، والذي يهتم بوسائل الاعلام كافة، الاذاعة والتلفزيون، فضلا عن الاعلام العسكري، يرأس تحرير »26 سبتمبر« الناطقة باسم الدولة، وقد نجح في جعلها صحيفة اسبوعية مميزة، يعتمدها اليمنيون كما الاوساط الدبلوماسية وزوار اليمن كأداة للمعرفة والاطلاع على ما يجري في اليمن، وككشاف لما يفكر فيه داهية اليمن: الرئيس علي عبد الله صالح… وللبيان حرر!

الصلب فوق قمة القاع!

لم يكن يرغب في النزول عن الصليب.. لعله ايضا لم يكن يستطيع. بل هو لم يكن يعرف من الصالب ومن المصلوب، وان كان واثقا من انها من اختار، بل هي من قرر ونفذ ولم يكن يملك ترف الرفض. كان وجعه لا يهدأ الا اذا ارتفع به ومعه الى حيث تناديه: هل جربت الارتفاع الى القاع؟!
دهمه الشعور بأنها فوق، وبأن عليه ان يتعب وهو يُغذ السير صعودا، لكن النداء رفعه اليها بغير ان يعي اين تبدأ الدائرة واين تنتهي.
تصالبا حتى لكأنهما طائر الخرافة، وحلقا في غياهب مسحورة تلتمع فيها نجوم مطرزة بالعرق، وتكاثفت الآهات قصائد من وجع يشجي حتى استدرار اللذة مطرا.
كانت قد دخلت ليل النشوة حتى الغيبوبة، وكان يتمنى ان يبقى معها فيها، لكن وعيه وقف يتربص به ان انهضْ فانصرف قبل ان يهجرك الليل الى مسامريه ولا تلحق بالنهار.
شعر بأن القاع يرتفع ويرتفع حتى كادت يداه تلامسان الغيم الذي بات الآن تحتهما تماما وسادة من احلام اليقظة.
وسحبته هوة سحيقة من فوق قمة القاع لترميه على طريق الليل وحيدا، تحت، يجفف عرق شعوره بالضياع، ويحاول استذكار حوار ما قبل الارتقاء الى صليب الاحلام.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
يعيش المحب حتى يومه الاخير وحبه في صدره، لا يسقط ولا يندثر مهما تكاثفت فوقه خيبات الايام. تكفي نظرة، ولو بعد الف عام، كي تتقد الشعلة المقدسة في الصدر المتشوق الى الامتلاء بنبض اللهفة التي سرعان ما تطرح ورودا ورياحين ودواوين شعر!
سمعت، بالأمس، عجوزا يغني مرحا… وحين رآني غمزني واشار اليها: لقد اعادتني الى الحياة! انا الآن اكثر شبابا من ابنائي الذين لم يعرفوا الحب بعد!

Exit mobile version