طلال سلمان

هوامش

كن عربياً في حياتك، تكن لك الحياة…

أنت عربي، إذاً أنت مقتول.
حريتك ان تختار موتك: برصاص الاسرائيلي، برصاص الاميركي، برصاص حاكمك الطغيان، او… بالتفاهة.
اكثرية العرب يتركون للمقادير ان تختار لهم موتهم.
***
أنت عربي: إذا أنت الارهاب. ان تنصلت منه قتلك، وان ادعيت الانتماء إليه قتلك… ولا حياد. إرهابي وأنت مقتول. إرهابي وأنت هارب الى جنسية اخرى. إرهابي وأنت متمسك بأرضك. الاختلاف، فقط، في أين يكون مدفنك.
***
أنت عربي: إذا أنت طارئ على الدنيا. لا شرعية لوجودك. أنت ديناصور متخلف من عصر آخر. عليك ان تزيل نفسك حتى لا تشوه العالم الجديد. ان لم ترحل مختاراً فسيتم ترحيلك الى العالم الآخر الذي طالما اعتبرته دار البقاء.
***
أنت عربي: إذاً أنت »فائض« على الحاجة. لست منتجا. أنت مجرد مستهلك. لغتك عاقر، غريزتك اعظم تأثيراً من عقلك. تهرب من العلم الى الشعر في عصر الكومبيوتر. تستورد عود الكبريت وحليب الاطفال، والدشداشة والابرة والكوفية التي تتخذها رمزاً. أنت تأكل قوت غيرك من المبدعين. لن ينقص العالم اذا غبت عنه.
***
أنت عربي: إذاً أنت منافق. في الحياة ينكر كل عربي أخاه. اما في الموت فكل شهيد عربي هل الموت هويتك القومية؟ في الحياة فليواجه الفلسطيني قاتله الاسرائيلي وحده، وليواجه العراقي قاتله الاميركي وحده، أما بعد اكتمال القتل فيجتمع العرب على رثاء شهدائهم.
***
أنت عربي: إذاً أنت لا أحد. أنت تحاول الهرب الى اي جواز سفر، الى اية هوية مستعارة، تطلبها من اوروبا، من اميركا، من كندا، من اوستراليا. فإذا ما حصلت عليها تفرغت لانجاز معلقتك الجديدة في النواح على جنتك المفقودة وعروبتك الموؤودة.
***
أنت عربي: اي نوع من العروبة تقصد، حدد، موديل 1920، ام 1948، ام 1958، ام 1967، ام 1982، ام 1990، ام 2003؟!
من تريده ان يصنع لك عروبتك. حدد!
***
أنت عربي: أنت إذاً ذاك الذي يمشي بقدميه الى الخلف بينما عيناه تتطلعان الى فوق، ويداه تتحركان في الفراغ، فتضيع منه الطريق ويتوه عن هدفه. الا تستطيع ان توحّد نفسك
***
أنت عربي: كن عربيا، اذاً، في الزمان والمكان والهوية والارادة.
كن عربياً في حياتك، تكن لك الحياة.

فاضل سعيد عقل الذي له من »أسمائه« نصيب

تقول العرب: لكل انسان من اسمه نصيب… وفاضل سعيد عقل له من »اسمائه« ثلاثة انصبة، فهو »فاضل« حقاً، و»سعيد« بكونه »ابن الشهيد« سعيد عقل، الذي اعطانا مع رفاقه الشجعان عيد الشهداء في السادس من أيار كل عام (وهو ما زال، ولله الحمد، مشتركا، بين لبنان وسوريا)، ثم ان »العقل« ظل يرافقه في مواقفه كل حياته.
لم يجمعنا العمل في مكان واحد، مع ان المهنة التي اعطيناها اعمارنا قد شدتنا برباط مكين، خصوصاً وقد تزاملنا لفترة طويلة في مجلس نقابة الصحافة، وواجهنا مع سائر »شهود الحال« في هذه النقابة التي افقدها ضعف الديموقراطية وخواء الحياة السياسية الدور وكاد يفرغ رسالة الصحافة من مضمونها.
واشهد ان فاضل سعيد عقل كان »ضميرا« حيا، بقدر ما كان مهنيا نظيفا معتزاً بانتمائه الى الجسم الصحافي، وانه لم يضعف ولم يهن امام موجات التطييف والتمذهب التي سحبت الكثير في مختلف الاوساط الى الخطأ.
ولعله لشدة اعتزازه بكونه »ابن الشهيد« قد حاسب نفسه دائماً بصرامة حتى يضيف الى رصيد الاب، الذي خلاه طفلاً لما يكمل عامه الاول حين ساقه جلاوزة جمال باشا السفاح الى الاعدام، في الساحة التي عُرفت من بعد باسم ساحة الشهداء، فلا يسحب منه او يعيش عليه.
ولقد اسعدني ان تكون كريمة فقيدنا، السيدة كلودا فاضل عقل قد عملت لسنوات على اختيار بعض البعض مما كتبه هذا الصحافي الذي كاد يكون دائرة معارف، في كتاب اعطته اسمه عنوانا.
ذلك ان فاضل سعيد عقل قد اعطى 70 سنة من عمره لقلمه، اذ باشر الكتابة وهو طالب، ثم اصدر بعدما احترف عدداً قياسياً من الصحف والمجلات، في لبنان والمهجر، كما راسل عشرات المطبوعات، وكتب نحوا من عشرين الف تعليق وحديث اذاعي، وألف 21 كتاباً، واطلق اكثر من مئة تعليق تلفزيوني على الهواء، و220 حلقة تلفزيونية.
كتب فاضل سعيد عقل في مختلف الشؤون: السياسية والاجتماعية والثقافية، كما كان لديه شغف بالزجل اللبناني، فقاله وتذوقه وقدم اقطابه للناس.
كذلك فقد راسل في مطلع حياته المهنية جريدة »الوادي« في القاهرة التي كان يرأس تحريرها عميد الادب العربي الدكتور طه حسين، وكذلك جريدة »الضياء« التي كان يصدرها الاديب الكبير عباس محمود العقاد، فضلاً عن انه تولى مراسلة بعض صحف المهجر مثل »الهدى« في نيويورك، و»الاصلاح« و»الرابطة«، كما راسل »الاهرام« القاهرية و»الاخبار« البرازيلية و»هوليوود« في هوليوود، و»السلام« في الارجنتين و»القسطاس« في المكسيك.
»ابن الشهيد«، ابن الدامور البار، المهني حتى العظم، القلم النظيف الذي لم يتحرج من اعتبار الوطنية والعروبة وجهين لقضية واحدة، كتب في مختلف المسائل فكان جامعاً، وهو بالتأكيد لم يحرج احداً ممن كتب عنهم. وإن كان قد دخل في معارك، فمع »الاستعمار« الفرنسي كمتابعة لنضال ابيه ضد الاحتلال العثماني ومع »حكم الطغيان« ومع الانحرافات السياسية التي كانت تنذر بإشعال نار الفتنة.
فاضل سعيد عقل: كنت حيا في ضمائرنا، والآن ستصل مع الكتاب الذي جمعت فيه »كلودا« بعض البعض من انتاجك، الى الاجيال الجديدة، فشكرا لها.

صاعقة في صدر ضيق!

لا تحتاج الصواقع الى تأشيرات دخول، ولا تستأذن الانوثة الجريحة وهي تقتحم غابة الشنبات الكثيفة للرجال الهاربين من عجزهم الى النسيان.. وهكذا انبثقت، فجأة، من قلب فراغ المكان، وفراغ الوقت، وفراغ الصدور: قامتها صغيرة صغيرة حتى ليتبدى لك وكأن عينيها اوسع ما فيها. تقدمت بخطوات تنضح بالتحدي لاولئك الذين انتبهوا عبر وقع خطواتها الى اتساع المسافة الفاصلة بين الدوي ومصدر الصوت. وكان معها ثلاثة فتيان مزهوون بشبابهم الغض يتنافسون على السبق الى الاحتراق في اتون شبقها، كما وصف المشهد »حارس الفجر« الذي يساهر الليل ويهدهده حتى يأخذه منه النوم.
لعله وحده قد احس بلسعة النار، وقرر انما أتت خصيصا في ليلة الضجر هذه كي تفسد عليه متعة الضياع: اعتصم في شرنقة التجاهل، إذن، واترك لها المسرح كي تقدم ليلتها الكبيرة، هي فرصتها لان تتحداك بغير حرج، ولان تستمتع بوجعك حتى الثمالة.
نقرات ايقاع فتحت باب النغم امام عازف العود، فإذا هي تطلق صباها مهرا جموحا يستعصي على الترويض، فضاق عليها المكان وفاضت صورتها في العيون… ثم اخذت الموسيقى تلهث وهي تحاول اللحاق بجسدها الذي صار فسيحا يتراءى سهلا وجبالا ووهادا وغابات نخيل وحدائق فل وياسمين… والفتية الثلاثة يتناوبون على محاصرتها فتفلت منهم ويطاردونها، ثم ينسحب اذكاهم، ويلحق به بعد حين الثاني الذي انتبه الى ان الليل طويل، بينما واصل الثالث دورانه فراشة حول مصباح التلاشي الرحيم.
خدرت النشوة اصابع العازف، ورفع المطرب صوته حتى خرق السقف، وظلت ابعد من ان يحتويها النغم او الصوت تتطاير رف فراشات بأجنحة قوس قزح.. وضاع مراقصها بين نسخها المتعددة وهي تسبح منطوية على ذاتها لتندفع كرة اخرى متطاولة ملتفة مع النغم الشارد بعدما اضاعه العازف الاحول وهو يجتهد لمتابعتها تاركا لاصابعه حرية التصرف، لاهيا بمطاردة طيفها الذي صار خمسة، عشرة، عشرين من الاطياف المتداخلة والتي لا يشبه احدها الآخر، والتي ان اجتمعت ظلت اقل منها حيوية ونضارة.
لم تعد امرأة واحدة. صارت الف امرأة، تغزل بحركتها الليل، متعاظمة، متصاغرة، متطاولة، ممتلئة بذاتها، مزهوة بفرادتها، متحدية ادعياء الفحولة من الرجال، حتى لقد استقرت لها في كل عين صورة مختلفة، بينما اغض طرفه كل من اعتبر نفسه معنيا بالتحدي!
فاحت رائحتها فسدت عليه المكان. لم تهدأ لحظة. لم تخل مكانها لغيرها ابدا، وكلما سقط واحد من فتيتها شدت الآخر من شعره ليكمل معها لوحة الشباب البهي. لم يستطع ان يلتقط هنيهة للتفكير. لم تترك مساحة للهرب. ملأت عليه الداخل والخارج، حتى لقد استقر في وعيه انه سيجد نسخة منها في كل مكان يحاول اللجوء اليه.
سكنت عينيه وانفاسه. اكتمل الطوق ولا مخرج نجاة. هي الآن عارية في باحة الرقص. عند الباب. متمددة في السيارة. تنتظره في صالة الفندق. بل لعلها قد سبقته ايضا الى الفراش! لن تسمح له بالهرب حتى لو اعترف بهزيمته ورفع يديه مستسلما.
لا المواجهة متاحة ولا الهرب ممكن، والرجولة أن تنكر نفسك، وان تهرب من صحوك الى التنبه. ارفع درجة الانذار حتى لا تؤخذ على حين غرة. لا تسمح لها بأن تغتصبك.
… والجسد الضئيل يتطاول فيملأ المكان والزمان والضوء الشحيح للمصابيح التي بللها عرق النشوة. ليس لهذا الجسد حدود. انه يمتد عبر النغم ويتمدد ويتعدد فرقة من الراقصات بالصنوج، وصوت المغني يمتد ارجوحة تسافر بالحضور بين الجدار والجدار ثم تلقيهم ارضا لتعطي مساحة اضافية لجسدها الذي غدا الآن اوسع من ان تحتويه الأكف والعيون وشهقات الاعجاب وأنين الحسرة على ما فات.
بات جسدها الاغنية والنغم، في تثنيه الايقاع، اما الآه فتكاد تتصل سريرا من أضغاث الاحلام.
لم يكن بد من الهرب قبل ان تتصادم الارادات فيتفجر التحدي جحيما يلتهم ادعاءات البراءة، وقبل ان يسقط التجاهل على الرؤوس فيجعلها حلبة للاحقاد الراقصة والرغبة المكبوتة باعترفات فات اوانها.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
الحب بمنازل كثيرة. احبه لنفسي، واحبه لذاته، واحب فيه الناس جميعا. لا يخرجك الحب من الناس الى الوحدة، بل يجعلك وحبيبك صورة مصغرة لاحلام الناس. افسح للناس مساحة في حلمك لتظل حقيقة… لتكون، بحبك، مقاطع من قصيدة الحب الذي به يترنمون.

Exit mobile version