طلال سلمان

هوامش

دماء على وجه العروبة والإسلام…

دم، دم، دم… كثير من الدماء! حيثما التفتَّ من حولك تتناثر الجثث مقطعة الاوصال! تفتح الجريدة فتصدمك صور القتل! تشغل التلفزيون فتنهمر من فضائياته سيول الدماء وتتراكم أشلاءُ المقطعة اوصالهم!. بيوت مهدمة ودماء! سيارات منسوفة ودماء! ثكالى وارامل يتكومن نائحات والدماء تلون زوايا الموت من حولهن…
لا أخبار عن العرب إلا تلك المكتوبة بدمائهم. دماء فتيتهم ودماء كهولهم. دماء نسائهم ودماء اطفالهم. دماء حاضرهم ودماء مستقبلهم.
هم مقتولون دائما، إما برصاص الاحتلال كما في فلسطين وفي العراق، وإما برصاص الغلط والضياع عن الطريق والاصطدام بالذات، داخل السلطة وخارجها، كما في السعودية والمغرب والجزائر وتونس ومصر واليمن والاردن والسودان… الخ.
ندر ان ظهر العرب كمقاتلين… وحتى اذا كانوا في موقع المجاهد كما في فلسطين فان الرعب الذي دب في اوصال اخوانهم، بعدما انطفأ الأمل بالتحرير او كاد، يدفع الى »انكارهم« والتبرؤ منهم.
الجهاد إرهاب، أما القتل الجماعي برصاص الاحتلال فهو تحرير للعراق من دولته، بتقسيمها، ومن شعبه بزجه في حمأة حرب اهلية لا تبقي ولا تذر..
اما القتلة فموحدون في الثياب والسلاح والاهداف وحتى في ملامح الوجوه الناطقة بغربتها عن هذه الارض السمراء.
واما المقاتلون فأشتات من الناس، لا يجمعهم دائما الهدف الواحد، ولا يوحدهم دائما العدو الواحد، ولا تكتلهم المواجهة في جبهة واحدة.
لهواة الإحصاء ان يجمعوا اعداد القتلى من العرب يوميا! اما في السياسة فلا قيمة لمن اضاعه الغلط او الانحراف او التعصب عن هدفه… كذلك فلا اعتبار لمن اسقطه الهرب من مواجهة العدو في المكان الصح والزمان الصح وبالشعار الصح.
ليس كل مقتول شهيدا للقضية،
وليس كل قاتل مجاهدا في سبيل الله او في سبيل الوطن.
لو توحدت دماء المقتولين، لتبدل التاريخ!
***
من يقتل العروبة باسم الاسلام مجرم وليس مجاهدا.
ومن يقتل الاسلام بالعروبة مرتد وليس صاحب رسالة او ناشر دعوة. فاغتيال العروبة بالاسلام، في هذه اللحظة، تواطؤ مع الاحتلال، نادرا بوعي، وفي الغالب الاعم بغير وعي..
واغتيال الاسلام بالعروبة، في هذه اللحظة، خدمة مجانية للاحتلال، اسرائيليا كان ام اميركيا، توفر عليه المواجهة المباشرة مع اهل الارض التي منها انطلقت الرسالة المقدسة ومنها ايضا جاءت الهوية الموحدة لأهلها المؤمنين بالرسالات جميعا من داخل انتمائهم الى امتهم وليس من خارجه او من خارجها.
واعظم خدمة يمكن ان تقدم، في هذه اللحظة، للاحتلال، اميركيا كان ام اسرائيليا، انما تتمثل في اشتباك مفتوح بين العروبة والاسلام يشغل كل »المؤمنين« سواء بالارض طريقا الى السماء، ام بالرسالة طريقا الى غد افضل للانسان عن الاحتلال »الغريب« عن الارض كما عن الدين الحنيف، والذي يكنّ لانسانهما عداء لا تذهب به الا المقاومة الباسلة التي ان هي لم تحفظ الارض لم ينفعها الدعاء أناء الليل واطراف النهار.
***
كل الجبهات مفتوحة… خدمة للاحتلال!
الاقليات العرقية، الاقليات الدينية، واقليات التطرف العنصري او السلفي.
والاحتلال يحاول ان يفيد من اثارة كل »المسائل النائمة« وكل »الجراح الغائرة« التي خلفتها عهود احتلال اخرى، ولم تنجح في معالجتها العهود الاستقلالية والانظمة التي حكمت باسم الثورة او تلك التي حكمت باسم الثروة معززة بالسيف الذي ربط العرش بالكتاب فاحتكر الدين والدنيا جميعا.
كل الجبهات مفتوحة… على الفتنة!
والاحتلال يلعب بالأكثريات كما بالأقليات مستخدما دائما »سحر« السلطة، في ظله، ومن اجل ادامته اطول فترة ممكنة.
لمن السلطة؟! لاي اكثرية؟ وأين موقع الاقليات فيها؟
الاكثرية في الدين تُقسَّم على المذاهب لتشتبك في ما بينها في صراع على السلطة قد يذهب بالدين كله.
والاكثرية في الانتماء القومي قد تُصدم بالاقليات الاثنية لتصور وكأنها »عنصرية« تلغي ما عداها او تقهر ما عداها مما يبرر مطالبتها بالانفصال.
هكذا يمكن ان يُشطر العراق الى »دول« بعدد طوائفه لا اديانه، وبعدد عناصره المكونة، ولو كانت اقليات معدودة لم تكن لها مشكلة في اي يوم مع عروبته، بل هي كانت شريكة الاكثرية في المظالم التي لحقتها من حكم الطغاة الذين دمروا اول ما دمروا الهوية العربية للبلاد.
***
دم، دم، دم… كثير من الدماء تغطي وجه فلسطين حتى تكاد تخفيه، وانظمة الهزيمة تضحي بما تبقى من فلسطين، شعبا وارضا، لتحمي وجودها.
وكثير من الدماء تغطي وجه العراق حتى تكاد تطمس هويته.. وانظمة الهزيمة تكاد تتركه لريح الاحتلال بوهم انها بذلك انما تحمي وجودها.
من يعيد توظيف الدم من اجل الانسان في ارضه: تلك هي المسألة!

جان عزيز: أزاهير النهار

لم يسعدني حظي بأن أعرف جان عزيز السياسي عن قرب إلا قليلاً.
وقد أسعد الحظ جان عزيز فلم يتول من الحكم في لبنان إلا قليلاً،
لكن حظي أسعدني بأن تعرفت الى جان عزيز الشاعر، القاضي، الإنسان فأحببته من بعد كثيراً، وتعاظم تقديري له فحمدت الله ان قد بقي لنا من نستذكره كبيراً بعدما تصاغر محترفو السياسة ومنتحلو الشعر والمدسوسون على القضاء، وقلّ بين الساسة من يحترم الإنسان فينا.
أما جان عزيز الذي ولد في جزين كبيراً وجاء بيروت فازداد كبرا، وكبرت به النيابة والوزارة بعد المحاماة والقضاء، فلا هو استطاع أن يتصاغر لكي يصير رئيساً ولا الرئاسة استطاعت ان تتعملق بينما الوطن كله مقهور ومحاصر ومحصور ومقزم لكي تستحقه فتناله فتكون لها الفخامة وللوطن الحصانة ولجزين شرف استنقاذ كرامة الدولة.
في كل كلمات الرثاء التي قيلت في وداعه قبل عقدين من الزمن، أو التي ستقال اليوم وغداً، نستذكر في جان عزيز كل المواصفات التي تشكل حيثيات لاغية لاحتمال أن يكون رئيساً:
نقول، مثلاً، إنه كان وطنياً صلب الإيمان بعروبته، صلابة ارتباطه بأرضه الواحدة، صلابة ارتباط جزين بصيدا، وصور بكفرحونة، وجباع وعربصاليم والنبطية بالمختارة، وبعقلين ودير القمر وشحيم بمشغرة وصغبين وصولاً الى دمشق، بزحلة وبعلبك وصولاً الى الهرمل، ببيروت وصولاً الى بكركي التي فيها حصن ولي الإيمان، فإلى جبيل والبترون بوابة طرابلس الفيحاء وبعدها كل الشمال حتى الأرز صعوداً وحلب امتداداً.
هذه صفة لاغية، كما تعرفون.
نقول إنه في النيابة كان محامياً عن الشعب، هذه صفة لاغية.
نقول إنه في الوزارة كان قاضياً لا يقر باطلاً ولا يقبل بتجاوز، وهذه كما تعرفون صفة لاغية.
نقول انه كان مثقفاً كبيراً، يا للهول، وانه كان يقرأ كثيراً، يا للجريمة، وانه كان يكتب، يا للفظاعة، وانه كان يقول الشعر… إذاً أعطوه صفراً وأخرجوه من قاعة الامتحان.
نقول انه كان يؤمن بالدولة كمرجعية وحيدة لمواطنها، لها ولاؤه، وعليها واجب ان ترعى شؤونه في الأمن والتعليم والصحة والإنماء، في المساواة وحفظ الكرامة الإنسانية، في التعامل معه بمواطنيته لا بطائفته… هذه صفة لاغية.
نقول انه كان يؤمن بعروبة فلسطين وبحق أهلها فيها، وبواجب لبنان في مواجهة العدوان الإسرائيلي حماية لاستقلاله ووحدة أراضيه وشعبه، قبل التضامن مع شعب فلسطين وبعده… هذه أيضاً علامة لاغية.
نقول انه كان يؤمن بوحدة المصير مع سوريا، فضلاً عن وحدة المصالح وعلاقات القرى والترابط المتين بين الشعبين الشقيقين، والتي تتعزز وتتوطد بالمصارحة لا بالنفاق، وبالصدق لا بالممالأة والمداهنة وإرجاء القرار حتى يبدل الأميركي او الإسرائيلي الواقع على الأرض فيكون لكل حادث حديث.
لقد قال جان عزيز الصح في الزمن الغلط.
لقد نزل من فراش مرضه ويأسه ومراراته ليقف في مواجهة شارون، وهو في ذروة جبروت اجتياحه للبنان والمقاومة الفلسطينية وسوريا والقرارات الدولية، ليقول له: لن تأخذ مني »نعم« أبداً… تقتلني ثم تأخذ بيتي.
لقد أصر على ان يبقى كبيراً في زمن تصاغُر الآخرين الى حد قبولهم بالرئاسة من فوق دبابة الاحتلال الإسرائيلي…
وتقولون بعد ذلك إنه كان سياسياً بارعاً؟! انه لعمري نموذج للهاوي بل للفاشل الذي لا يعرف من أين تؤكل الكتف… فكيف تريدونه إذاً أن يكون رئيساً في زمن سقوط المعسكرات العظمى والدول الكبرى والشعارات التي نورت الحياة الإنسانية؟
أنتم تنشئون في خيالكم صورة لرئيس تعرفون يقيناً انه لن يجيء أبداً، ثم تعطون الصورة اسم جان عزيز.
كيف يمكن ان يكون رئيساً للبنان رجل يقول: كنت أتمنى أن يسايرني دهري الى أطول العمر لأتمكن من مطالعة جميع الكتب؟
رئيس ويقرأ؟! معاذ الله! إما الرئاسة وإما الكتاب، وهما لا يجتمعان!
»أتيتَ السياسة من بابها
غني المفاقر عف الطلاب
وان السياسة ما تعلمون
لغز البطون وذل الرقاب
خُلقتُ لأسمو سموَّ النسور
فما بال أجنحي في التراب«
رئيس يكبر بنفسه على الدنيا؟ من يكون هذا الدعيّ!
»تخطتني الحقوق فلم أبال
وان خطرت كما خطرت ببالي
وذاك بأنني أكبرتُ نفسي
على الدنيا فغاضت في خيالي«
هل كان مستحيلاً ان تربح مرتين: في الخال وابن اخته؟
في البطريرك المعوشي وفي جان عزيز.
واحد كثير علينا ولكننا طماعون!
كلاهما الآن في موقع الأرزة، كما وصفها جان عزيز:
»كزيتونة القرآن الكريم يكاد زيتها يضيء لو لم تمسها نار«.
رحمنا الله. أما جان عزيز فقد رحمه الله بأن لم يصبح رئيساً. وأما البطريرك المعوشي فقد رحمه الله فلم يعش طويلاً لتفجعه النهايات المأساوية للحكم، بالرئاسات والوزارات والنيابات والإدارات فيه، وللقضاء، بل وللقانون جميعاً.
لكن الوطن باق، وجزين فيه، وجان عزيز فيها كما هو في الكلمة البكر وفي الشعر الشعر وفي الضمير الذي لا يخطئ.
أما الزبد فيذهب جفاء…
كلمة ألقيت أمس في نقابة الصحافة احتفاء بكتاب »أزاهير الليل« جان عزيز.

تهويمات

قال الرجل الذي يفترض انه يملك كل النساء:
لا وقت لدي لمثلك.
وردة المرأة التي تفترض انها كل النساء
إذن ستمضغ وقتك.
***
قالت العاشقة: لا يضيرني الانتظار. انه يمنحني متعة الشوق والتلهف على قرب التلاقي.
قالت المعشوقة: اما انا فيهمني التلاقي، ما قبله عبث وما بعده فراغ.
قالت العاشقة: لم تعرفي الحب، إذاً.
قالت المعشوقة: لقد تجاوزني فتجاوزته.
قالت العاشقة: انا احيا وانت تعيشين.
قالت المعشوقة: غلبتني بفصاحتك، ولكن الحب سيغلبك، أما انا فأعيش، اعيش، اعيش.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
الحب ليس صفقة.. ليس لنا معه حق الرفض او حق المساومة. ان تحب يعني ان تعطي ذاتك، كل ذاتك، اما اذا شئت المقايضة والمحاسبة بالعتاب او بالعذاب فلن تجني غير الالم. أعط نفسك تنل حبيبك، اما إن اشترطت أخذه فلسوف تخسر نفسك. أينه يأتي فيأخذني كلي؟!

Exit mobile version