طلال سلمان

هوامش

تعيش بلا رأي أو تموت برأيك؟!
دائماً كان هناك نوعان من الإسلام: إسلام السلطة، الذي يكاد يلغي الدين لحساب السلطان، وإسلام الناس الذي غالباً ما كان يضطر الى إسقاط السلطان ليحمي الدين الحنيف.
ثم.. نشأ نوع جديد من الإسلام السياسي، يحاول جر الناس بعيداً عن الصراع الطبيعي مع السلطان، بذريعة أن الآخرة أولى بالاهتمام من الدنيا الفانية، وأن النصوص والطقوس في خطر، ولا بد من حمايتها بمنع الجدل والنقاش حولها، وبالحجْر على التفكير لأنه سيقود حتماً الى هز علاقة المؤمن بأسباب إيمانه، وقد يأخذه إلى الكفر!
أليست لافتة هذه المقاربة اللفظية بين الكفر والفكر، وبين التفكير والتكفير؟!
ما لنا وللتفلسف الذي يقودنا إلى ما لا تحمد عقباه.
لندخل في صميم الموضوع، فنقول:
إننا قد عرفنا في النصف الأخير من هذا القرن أنواعاً شتى من الإسلام السياسي: بينها، بداية، الإسلام البريطاني المعتق، وبينها الإسلام الأميركي الحديث، وبينها الإسلام الإسرائيلي المهجن.
وبديهي أن هذه الأصناف جميعاً جاءت من خارج الدين الحنيف، وحاولت جر الناس بعيداً عن مضمونه الأصيل المتصل بحقوق الإنسان في أرضه وفي حريته وكرامته وفي حقه المقدس في أن يحمي شروط إنسانيته.
كذلك فلقد تعرفنا إلى أنواع شتى من إسلام السلطان: ومنه الإسلام بالعصا والاكراه واقامة الحد، والاسلام بالنفاق بحيث يكون السلوك العلني متزمتا الى حد التعصب والانغلاق والحرص على الشكليات والطقوس بينما السلوك الفعلي ماجن ومتهتك يتجاوز كل القيم وكل الاعراف، ولكن في عتمة »الخارج« او في غفلة الحرس في »الداخل«. وبينها ما هو مستهجن ومنفر ولا يتسق مع منطق الدين ولا مع روحه. ومنه ايضا الاسلام المجافي للحياة، الذي يكفّر المجتمع كله، ويأخذ أتباعه الى غيبوبة التطهر بترك الدنيا للراغبين فيها والانصراف الى العبادة، لعل الله يغفر فيفسح للمتعبدين مكانا في جنة الخلد.
ما لنا وللتفلسف، مرة اخرى، حتى لا نقع في المحظور.
لندخل في صميم الموضوع، فنقول:
هي مبادرة طيبة ان يتدخل أمير الكويت فيلغي حكما قضائيا بسجن الدكتور احمد البغدادي شهرا، ويخرجه من »سجن طلحة«، حيث كان محصورا في زنزانة واحدة مع ستة محكومين آخرين بجرائم عادية.
أما وان العميد احمد بغدادي قد غدا حرا الآن، فالسؤال: الى أين يذهب وكيف يمارس حريته؟!
خلال فترة سجنه، كان الدكتور بغدادي قد تورط فصرح بأنه سيجيء بعد ان يمضي »محكوميته«، الى لبنان »حيث لا يُسجن صاحب رأي«.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة… فقد يصل بغدادي الى بيروت فيجد ان مارسيل خليفة، مثلا، ومن تضامن معه وأيد ارتكابه إثم غناء »القصيدة الملعونة« لمحمود درويش، قد صاروا جميعا في السجن، او على أبوابه، لأنهم »أصحاب رأي«، لا أكثر.
هل نعتذر للدكتور بغدادي، او نطلب منه التخلي عن رأيه قبل ان يجيء؟!
ذلك ان الخيار أمام »العربي« الآن هو بين ثلاثة:
بلاد يُقتل فيها أصحاب الرأي. حياتك او رأيك.
وبلاد يعيش فيها هؤلاء بغير آرائهم. رأيك او حياتك.
وبلاد يعيشون فيها بآرائهم، ولكن بلا أوطانهم! رأيك او وطنك، أي حياتك!
كذلك فقد صار بديهيا ان تقرر واشنطن من هو المسلم الصحيح ومن هو المسلم المزيف، فتقرر مثلا ان أسامة بن لادن مزيف الاسلام وتحكم عليه بالاعدام، ومعه ومثله تحكم على احزاب ومنظمات مجاهدة بأنها »ارهابية« وتحل دمها: (الجهاد الاسلامي حزب الله، الخ).
بالمقابل، فهي تمنح اللجوء لبعض دعاة الاسلام السياسي المطلوبين من سلطات بلادهم (الشيخ عمر عبد الرحمن)، كما تقدم الدعم المادي والمعنوي لكثير من الحركات التي ترفع شعار الاسلام السياسي وتأخذ الناس الى الصلح مع إسرائيل، والى مواجهة الاسلام المقاوم.
كذلك، فان بريطانيا توفر حماية سياسية لبعض أبرز المتطرفين (ضد أهلهم) من دعاة الاسلام السياسي (ابو حمزة المصري)، وتقدم له المنابر الاذاعية والتلفزيونية والاعلامية، مفتوحة على مدار الساعة.
ان قائمة »المطلوبين« الآن »لعدالة« الاسلام الاميركي والاسلام البريطاني والاسلام الاسرائيلي، طويلة جدا، وهي تكاد تشمل أسماء الآلاف بل وعشرات الآلاف من الكتّاب والمفكرين والاساتذة الجامعيين والشعراء والروائيين والقصاصين والملحنين والمطربين وأصحاب الرأي.
على هذا، يصبح مشروعاً التساؤل: هل العلم حرام؟! هل التفكير ردة؟ هل إعمال العقل والاستنارة بالاجتهاد خروج على الدين الحنيف؟! وهل الدين سجن؟! او ان الدين من الهشاشة والتهالك بحيث لا يتحمل تعمقا في ما يرمي إليه النص، ويقصده؟
هل يقبل عاقل منطقا يقول ان العلم ضد الدين، فكأن من يعلّم أبناءه يزيد من عدد الكفار والمرتدين؟! وهل كُتب على »المسلم« ان يظل خارج العصر بحجة حماية إسلامه؟!
وكيف يمكن التسليم بادعاء البعض بأنهم يحملون وكالة عامة عن الانبياء والرسل، فيحتكرون حق تمثيلهم على الارض؟
أوليس الاسلام للناس كافة، كما سائر الرسالات السماوية؟
فليستمر التفكير، اذاً، ولتنفتح أبواب الاجتهاد على مصراعيها، علنا نحرر الاسلام من رعاته الاميركيين والبريطانيين والاسرائيليين، ومن سلاطين القمع باسم الدين، ومن جلادي الفكر والرأي باسم وجهة نظر سياسية تتخذ من الاسلام ستارا، وتقاتل بالاسلام المسلمين، والدين الحنيف فيهم.

صور تسكب قوارير عطرها
ضرب لنا العيد موعدا في صور، وذهبنا اليه حيث يسكن في عيون الناس البسطاء كالحقيقة، الطيبين كالأرض التي حفظتهم وحفظوها، الواضحين كالشمس التي يحملونها في وجوههم.
سكبت علينا صور من قوارير عطرها حتى ثمل الهواء وانتشى الفراش وتفتحت أطباق الورد في النادي العريق: لا تحتاج الاعمال العظيمة الى المباني الفخمة، ولا الى الرياش الغالية، ولا الى السكرتيرات المتأنقات من ذوات الاطواق الذهبية والخواتم الماسية.
امتدت الأيدي بالقلوب، فالمعرفة وطيدة وان شحبت الاسماء: الموقف هو أرض اللقاء، والفكرة تجمع، والتراصف على أرض الصمود يرفع الصداقة الى مستوى رفقة السلاح.
لصور اسم حركي يزيد من وهجها وينشر طيبها في محيط يتجاوز حدود القضاء والجبل العاملي وجنوب الصمود، هو »نادي التضامن«.
وفي نادي التضامن وجدنا الجميع: كل اولئك الذين يتعاملون مع التاريخ وينسجون سطوره بغير ضجيج. أوليست الارض بأهلها الذين يصنعون مجدها ثم يتركون المسرح منسحبين الى ظل الصمت العميق؟
في الحنايا تعشش مصر، وطوق الياسمين فلسطين، والقلب مفتوح للعامليين الذين هجّرهم الاحتلال الاسرائيلي فتلاقوا في صور وثبتوا في مواجهة حرابه المشرعة، مستندين إلى قلعة الصمود في دمشق العروبة.
الاحتلال بعيون خوفه المفتوحة يتمركز فوق الهضاب المحيطة، ويتغلغل بزوارقه الحربية في قلب الموج يطارد الصيادين والاسماك، ويتفحص نسبة الملوحة في البحر، ونسبة الضوء في أشعة الشمس، ويخاف الهواء اذا هب متدرجا نحو العاصفة.
والناس تنظر الاحتلال في عينيه. لا تهرب ولا ترحل تاركة له المدى مفتوحا: يجيء الرجال والنساء والفتية الذين يقاومون الانكسار تحت ذل اتفاقات الاذعان. يقولون: ها نحن. ها فلسطين فينا، لا تغادرنا ولا تذوب. نعرف طريقنا اليها ولا ننتظر مفاوضات الممر الآمن.
يتلاقى الصامد والعائد، ويتزاحم فتية جيل المقاومة مع آبائهم المناضلين من اجل أحلام التحرير في الزمن الجميل.
تشد الأيدي على الأيدي: لن نطوي أعلامنا ذاهبين الى وهدة السكينة. لن نقرع أجراس الانصراف للمناضلين. اثبتوا واعلموا اننا هنا.
ونرجع الى بيروت بحلة العيد ونشوته، لنواصل مسيرتنا »على الطريق« نحو الهدف الذي يستحق نور العيون.
إنها ليست إلا أول خمس وعشرين سنة فحسب.
إنها ليست إلا الخطوة الاولى.
والشكر يا صور ان نستمر معاً. ولسوف نستمر.

تهويمات
} كان التمثال جسداً مصقولاً كحجر كريم، ترتطم به أشعة المصباح الباهر الضوء فتنكسر كالفخار.
الرخام لا ينبت الورد ولا الأقحوان.
يتعرّش الزهر على جدران الصدى والنظرة الفارغة من المعنى، ثم يتهاوى في وهدة البرد الصاعق.
أطلت المرأة من عيني التمثال.
تهاوى الرخام منفرطا كحبات سبحة عربية غفلت عنها أصابع صاحبها بعدما شدته رائحة المرأة.
تعاظم طيف المرأة حتى اختفى التمثال.
قال لصاحبه: قم بنا ننصرف، لقد أخذها رجل آخر، ألا تلمح صورته في عينيها؟!
* * *
يخنقني الظلام، يا أبتِ.
أذوي في قلب العتمة حتى لأكاد أحيانا أفتقد وجودي.
لا تمتد إليّ يد حانية، ولا تفتح لي كوة للضوء.
أكره وحشة الوحدة، يا أبتِ.
أكره أن أقبع في مكمني، بينما تمتد الألسنة المكوّرة ساخرة مني!
ولا أحب أن يمر بي التحدي عبر ثقوب الشموخ العاجز عن النطق.
أُكتبني قصيدة، أُنشرني ريحا، أَطلقني حسوناً.
أنت تسجنني يا أبت… لكنك سجين مثلي ومعي، ولستَ السجان.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة الا الحب:
الحب كل. الحب اكتمال. لا تستطيع ان تعطي حبيبك بعضك وتمنع عنه بعضك الآخر. نصف الحب شفقة مرفوضة او خوف معيب يكشف عجزا عن الاكتمال. اكتمل بحبك، وإلا سحبك النقص الى كراهية الدنيا. وحبك هو الدنيا فأعطه ذاتك ليعطيك الحياة.
طلال سلمان

Exit mobile version