طلال سلمان

هوامش

ديموقراطية آباء الهزيمة وأبنائهم .. حلال وشرعية
مَن قال إن الهزيمة يتيمة؟!
في بلاد العرب ليس أكثر من آباء الهزائم إلا أبناء هؤلاء »الأبطال« الخالدين المخلدين.
ثم ان الهزيمة ولود، وهي باتساع رحمها الخصب مجال رحب لإثبات فحولتهم وقدرتهم غير المحدودة على التكاثر لحماية أمجادهم.
ولأن آباء الهزيمة يشكلون مع ذريتهم الصالحة »أكثرية« فمن الطبيعي أن تتأكد سلطتهم بديموقراطيتهم، وأن يسخر السلاح لحماية اختيارهم الحر إضافة إلى الثروة الوطنية التي تفرض المعركة ان توظَّف في حماية إرادة »الجماهير« وحقهم المطلق في إعلان ولائهم للآباء النشامى!
وإذا كان العرب قد أضافوا إلى سجل ابتكاراتهم وإنجازاتهم العلمية اختراع »الجمهوريات الملكية« أو »جمهوريات الأسرة الواحدة« فإن ذلك لم يسبب ضررا أو إضرارا بالديموقراطية وحقوق الإنسان، وبينها حق المواطن في التعبير عن رأيه وحقه في انتخاب من »يمثله« و»ينوب« عنه في المسائل التفصيلية كالسلم والحرب والغزو ومجالات إنفاق المال العام والقضاء والأمن والاقتصاد إجمالاً والاعلام والنشاط السياسي (كالعمل الحزبي والنقابي) وما الى ذلك من تفاهات الحياة العامة.
هاك عدي صدام حسين.
إنه الإضافة النوعية الجديدة إلى سجل الانتصارات الباهرة التي نقشها والده العظيم على جبين التاريخ، وبينها استمراره على رأس السلطة 32 سنة متصلة، وحيدا بلا شريك يعينه، وبينها حروب الجنوب وحروب الوسط وحروب الأكراد في الشمال ثم »قادسية صدام« التي أعاد بها »أسلمة« إيران بعدما خطفها الخميني من الإسلام إلى الكفر، قبل أن نصل إلى غزو الكويت و»عاصفة الصحراء« التي أنهتها »أم المعارك« بالنصر التاريخي المخلد بشعار »الله أكبر« على العلم العراقي، وباكتشاف صدام أنه سليل الحسين بن علي بن أبي طالب!
إن عدي صدام حسين هو الابن الشرعي البكر لديموقراطية أبيه التي هي البنت الشرعية البكر لانتصاراته التي يصعب حصرها.
عدي هذا كان يستطيع أن يأخذ الحكم بالوسائل التقليدية: الدبابات، المدافع، الاغتيالات، كواتم الصوت، القتل الجماعي بالرشاشات، »الإخفاء«، الإعدام خنقاً أو غرقاً أو سحلاً أو بحوادث سيارات جانحة، أو تحت عجلات القطار إلخ…
لكن عدي صدام حسين المشبع بالروح الديموقراطية، والمؤمن حتى النخاع بحق الإنسان في الاختيار، أصر على أن يخوضها بالشعب ومع الشعب ومن أجل الشعب وعبر الانتخابات.
هكذا كان، ونال عدي صدام حسين 99،99 في المئة من أصوات العراقيين والعراقيات، الأموات منهم والأحياء، المرضى منهم والأصحاء، الغائبين منهم والمغيَّبين، المهاجرين منذ السبعينيات والمشردين على حدود خطوط الطول والعرض ينتظرون إذناً بالدخول، والهاربين من جحيم الداخل الى جهنم الخارج.
لكن عدي صدام حسين لم يشأ، تأدباً، أن يقفز من فوق أبيه القائد الملهم، فاكتفى بهذه النسبة تواضعا تاركا للقائد الوالد المهيب شرف التفرد دوليا، منذ آدم عليه السلام وحتى نهاية العالم بأن يحظى بتأييد 103$ من أصوات الناخبين!
أترى كم اتسع الهامش الديموقراطي؟!
في أقطار عربية أخرى يلجأ آباء الهزيمة وأبناؤها إلى وسائل أكثر عصرية…
فلقد بتنا خبراء في السير عكس السير…
في البداية كان الاختلاف تعبيراً عن إرادة الثورة..
أما اليوم وبعد اغتيال الثورات وتصفية الثوار وتعذر وجود منفى لاستقبال التائبين من ثوار الزمن الجميل فإن الاختلاف، الآن، يتخطى الاعتراض على الأوضاع القائمة، الى معاكسة منطق التحولات التي تكاد تغير التاريخ الإنساني كله.
على هذا فقد ابتكر »العرب« نمطاً من الأوتوقراطية والبيروقراطية ومزجوه بالتراتبية العشائرية والملكية الوراثية وحزب الحاكم بالحق الإلهي، وأسموا هذا المزيج الفريد في بابه: الديموقراطية المتناسبة مع تقاليدنا وتراثنا وتعاليم ديننا الحنيف!
كان ذلك بعدما جربوا الديموقراطية الغربية، في بعض أقطارهم، فوجدوها بضاعة فاسدة لا تصلح لهم البتة!
الانتخابات؟ أهلاً وسهلاً! سنجري انتخابات، وسنصنع الصناديق ذات الفوهة الضيقة، وسنطبع أوراقاً بأسماء المرشحين ولوائح بأسماء الناخبين، ولكننا سنجري تعديلاً شكلياً بسيطاً حرصاً على خصوصية تجربتنا الديموقراطية… فنعلن أسماء الفائزين أولاً، وبعد ذلك نشرع القانون المناسب، ثم نجري الانتخابات لكي نحصل على الصور كدليل لا يدحض على صحة الممارسة!
في أقطار أخرى نحول الانتخابات الى استفتاء، فينال الرئيس المرشح 99،99 في المئة من الأصوات، وينال منافسه الوحيد أو منافسوه، مهما تزايدت أعدادهم، الأصوات الباقية، ونطلق الأسهم النارية ابتهاجاً بالديموقراطية!
وفي أقطار أشد إيماناً نمنع الانتخابات عن النساء حرصاً على الحرائر ومنعاً لأن تخدش المعركة حياءهن…
فالانتخابات للرجال فقط .. فكيف نعرضها على النساء؟! ولو، أين الكرامة والشرف؟
ثم إن قيمة الانتخابات بالتزكية.. فلماذا نعرّض الشعب الموحد للشقاق والاختلاف والمنافسات التي سرعان ما تتحول الى منازعات فمعارك بالسلاح، وقد يسقط قتلى وتتشوه صورة الممارسة الديموقراطية!
أخيراً وليس آخراً: ان الديموقراطية الغربية بدعة من رجس الشيطان.
أما الديموقراطية الحلال، المذبوحة على الطريقة الشرعية، والتي تلبس الزي الشرعي، والتي لها أب شرعي يرعاها ويجعلها وردة في مزهرية يزيّن بها مكتبه، الى جانب رؤوس الوحوش التي اصطادها.. فهي، وهي وحدها، تليق بالعرب الزاحفين الى القرن الحادي والعشرين لكي يقدموا معجزتهم: ديموقراطية بلا ناخبين، وانتخابات بلا قوانين، وقوانين من خارج الدستور، ودستور من خارج العصور، أما المواطن فليس أكثر من ديناصور يستدعى لكي يتفرج عليه العالم، فإذا جاءت ساعة القرار أعيد الى موقعه في المتحف لكي تدخل بلاده العصر.
وذات يوم كان »العصر« قسماً إلهياً.
ذات يوم كانت ثمة نبتة صغيرة تنمو في طرف الحديقة، ثم اكتشف »العلماء« أنها ضارة، تنفث السم، وتقتل من يجني ثمارها المرة فاستأصلوها.
وها هم العرب قد تحرروا، بالكامل تقريباً، من آفة الديموقراطية؟!
هل يجوز أن يدخلوا القرن الجديد بثياب لم يصنعوها، وبلغة لم يعرفوها، وبتقاليد تذهب بأصولهم وأنسابهم وأعرافهم النبيلة!
اخلع ديموقراطيتك إذن، وادخل القرن بقدمك اليمنى… ولا تغفل ذكر الله، أرحم الراحمين، الذي يُعلي من يشاء ويذل من يشاء ويعطي من يشاء ويمنع عمن يشاء، وهو على كل شيء قدير!
والحمد لله إن الديموقراطية لم تفسد علاقتك بعد برب العالمين!

»عالمة«.. بين العلماء!
لدقائق ظلت الراقصة بغير جمهور. كان حشد »العلماء« يحاول المحافظة على رصانة النظر حتى لا يخدش وقار الألقاب العلمية.
فجأة، وعلى غير توقع، اندلعت الراقصة شبه العارية تقتحم صفوف الطاولات، عبر الممر الضيق جدا بين الرغبة والوقار المضبوط بالتراتبية.
ثبت الصف الأول للغواية.. وظهر شيء من التفكك في الصف الثاني، أما في الصف الثالث البعيد عن »طاولة الرئاسة«، فقد قفز »عالم الحشرات الكهل« مستجيبا لدعوة الراقصة المتفجرة شبابا، وحين ناولته العصا هش بها على زملائه، من دون أن ينسى انحناءة الاحترام.
أكملت الراقصة جولتها وقد انهار الوقار تماما، لكن الأيدي تخاطفت العصا وكأنها مكمن اللذة، وكان كل من أمسك بها يهزها بعنف توكيدا للقدرة، ثم ينعطف عليها برقة وكأنها صاحبتها.
قال ظريف بينهم: متى حضرت »العالِمة« افتُضح أمر العلماء!
أما الراقصة فقد أنهت وصلتها بتحية خاصة للرجال.. الغائبين!

تهويمات
} ازدحمت الغرفة برائحة المرأة فأصيب الحضور بالزكام!
} قالت: يهلكني صمتك! أما قيل إن الحب ثرثار؟!
.. وحين التقت عيناهما ثرثر الصمت طويلاً حتى ضجر منه الليل!
} أخذتهم النشوة بالموسيقى، وسرى في المجلس الشعر، فإذا الشارع مزدحم بالمحبين!
} كلما ضج المكان بصوت المغني، وسرى الخدر في الساهرين، قمت إلى الشرفة حتى لا أطيل انتظارك… أعرف أن النغم يستدعيك ولو كنت خلف بحور الشكوك وهجران العتاب!
} قال لي ساخراً: كان الغناء الشجي يأخذنا إلى الحب. لا أستغرب اليوم أن يكون الحب يتيماً، وأن يهيم على وجهه، بحثاً عن ملجأ يحميه من رداءة القول ومن فظاظة الأنانية الطاغية وبشاعة الصوت الطارد للعاطفة والذوق.
مَن يطلب حباً من ضارب طبل لم تدغدغ أذنيه همسة تزيد من رقتها بحة النداء المشوق!
لم يقل لها:
يلفحني لهيبك برائحتك المعطرة بصوتك،
وقبل الاحتراق، تهمي عليّ عيناك ثلوجها الزرقاء،
فأنطفئ ولا يخفت اللهيب،
ويصير الهواء بعض رائحتك وكل همسك.
ولم تقل له:
أغضُّ عينيّ عنك حتى لا أتعثر بظلي،
وحين تعبر بي أتابع صدى خطواتك المبتعدة،
وأتوهم انني أسمع من خلالها نداءك: أن اتبعيني!
كيف أتبع الغيمة؟ كيف أتسلق الفضاء؟! كيف أنساك وأنت ذاكرتي ووعيي وبصري وأنفاسي التي تحرقني وتتهاوى دونك؟!

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
وحده المحب لا يخاف الزمن. إن حبه يغطي مساحة الزمن ويفيض عليه. يصبح الزمن نهراً جارياً من الهناءة ورغد العيش. حتى المنغصات والمكدّرات تجيء فواصل، مجرد فواصل، لا تقطع السياق ولا تبدل أصل الموضوع. للمثال: إن قصة حب قيس وليلى (أو روميو وجولييت) ما زالت مفتوحة لم تنهها المأساة. الحب هو الأقوى والأبقى. إن الحياة للمحبين. ان الجنة هي الحب… اللهم احشرنا في زمرة المحبين!

Exit mobile version