طلال سلمان

هوامش

مسرحيات لشيطان مونو أمام مكفوف جبران!

لعبت المصادفة دورها في »كشف المستور« من فضائح حياتنا الثقافية التي يتداخل فيها »السياسي« مع »الاجتماعي« مع العلاقات العامة، فيرفع من شأن هذا »العمل« او يطمسه وفق معايير »طارئة« لا علاقة لها لا بمضمونه ولا بمستواه الفني.
في الجغرافيا: يقع مسرح مونو ضمن حرم الجامعة اليسوعية… في المنطقة التي باتت الأشهر في بيروت بفضل مقاهيها وزوايا المتعة »الشبابية« فيها لا بفضل الجامعة التي يتضمن مبناها العريق صالة مجهزة للحفلات الموسيقية، او بفضل المسرح الانيق الملحق به.
في المناسبة: كنا في طريقنا الى المسرح لنحضر عرضا لمسرحة بعض النصوص المتميزة لكاتبنا المبدع جبران خليل جبران وبينها: »في ظلام الليل«، »مات اهلي«، »الشاعر الاعمى« »يا بني أمي« »والشيطان«. وكان غيرنا من وجوه السياسة والمجتمع وثقافة الاستعراض في طريقهم لحضور »كونسرتو« لفرقة موسيقية ذات مستوى متميز.
في البداية توهمنا ان الكل قادم الى المسرح، والى جبران، والى تلك المجموعة من الفنانين الشبان الناجحين الذين يتصدون لمثل هذه المهمة »الشاقة«، بإمكاناتهم الذاتية ومعهم القليل القليل من التبرعات المادية والأقل الأقل من الرعاية، رسمية كانت او شعبية.
داخل بهو المسرح كان ثمة مجموعات من الشبان، يبدو واضحا ان علاقة صداقة او إعجاب تربط بعضهم او اكثريتهم بالفنانين الذين يقدمون »العمل«: طارق الحكيم، مكادي نحاس، بديع ابو شقرا، وفاء حلاوي، ميرنا مكرزل و»النجم« طلال الجردي…
وكان ثمة من جاء مشدودا بالعاطفة الى المخرج وليد فخر الدين ومساعدته مها الصايغ، او مصممة الرقص نادرة عساف او علي سلمان الذي تولى السينوغرافيا والماكياج او الى الفرقة التي قدمت الرقصات بقيادة سراب الخ…
***
لغة الاخراج بسيطة بساطة النص.
أما الممثلون فقد تحركوا وجسدوا الشخصيات، وبينهم محترفون، بحماسة الهواة وصدقهم.
ولقد تلقى الجمهور »رسالة« النصوص ففهمها، ومشى في »اللعبة« مع الممثلين فتصرف كأنه يشهد »تمثيلهم« في حين كانت »الكلمات« تحرك مواجع وتثير داخل النفوس كوامن الشجن، لا سيما انها جميعا تصيب الماضي والحاضر وربما المستقبل، وتروي حكاية كل الناس:
الخادع باسم الله والخادع باسم الشيطان وبينهما الضحية… الاعمى الذي يرى ما في الصدور وما في النفوس، والمبصر الذي أعمته غريزته او أعماه طمعه.
»دخل« طلال الجردي وقد لبس »الشيطان« او لبسه في الجمهور كله، واحدا واحدا، وواحدة واحدة، فانتصر به وفيه بها وفيها على »الكاهن« المسكين الذي خرج من الجمهور واحدا واحدا، وواحدة واحدة، حتى امتلأت الصالة بالشياطين المنتصرين، ولم يتبق إلا قليل قليل من المتعاطفين مع الكهنة شركاء بل عملاء الشياطين.
»المكفوف« عمل مسرحي ناجح لمجموعة رأسمالها حماستها للمسرح، للنص الجيد، والاخراج الجيد والجمهور الجيد (اذا وجد..).

ريما خشيش: آهنا جميعاً!

كبرت ريما خشيش بأكثر مما نقدر وتقدرون.
الطفلة ذات الصوت الرخيم، المكسورة »بغربتها«، التي لم تكن تعرف الكثير عن موهبتها، والتي تحب كثيرا ان تتعلم، الساعي بها ابوها إلى من لديهم »المسطرة« للحكم على جمالية الصوت وإتقان الأداء، لكي يمنحوها الفرصة فيسمعوها، باتت اليوم »نجمة«.
وهي »نجمة« مشعة ومستقرة في افق من الصوت المثقف والأداء المتقن والاحساس المرهف الذي يضيف الى الطلاوة والنقاء القدرة على توظيف الموهبة للإضافة الى الرصيد المعتق للطرب الاصيل.
لقد كبرت ريما خشيش: كبرت عقلاً وثقافة وخبرة وقدرات مسرحية، لكن إحساسها ما زال سليماً… فلا مجال، اصلاً، لأن يزداد رهافة، لأن »الآه« تستوطنه وتنطلق منه وتسري كالعدوى، فإذا الكل يطلقها حرّى، كأنما كانت مختزنة منذ زمن بعيد وجاءت لحظة الافراج عنها وقد انشرح الصدر.
تعددت ريما التي كانت طفلة فكبرت وكبر معها إحساسها بالمسؤولية عن »الفن«.. لكن الاصل بقي متجذراً في الارض. فالخيام تطل عبر أنغام الجاز، حتى عندما يأخذها الهدير الى الصخب… والقاهرة في الوجدان والصدر والعين والقلب والحنجرة، اذ يتجاور محمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي وزكريا احمد ورياض السنباطي وفريد الاطرش ومعه اسمهان، ويتمايل الرأس في حضرة العمالقة وهي تستعيدهم وتعيدهم إلينا بحساسيتها الفائقة وتسعدنا بلقائهم بعد كل المحاولات لطمس آثارهم ومحاولة محو أسمائهم بالنسيان.
لقد اجتهدت ريما وتعلمت وثقفت نفسها وثقفتها التجارب وثقفها التواصل مع »الآخرين«. لم تنغلق على ما أخذته عن غيرها ممن دربها وعلمها أصول الغناء، بل حاولت أن تعرف أكثر، فاكتشفت الحقيقة البسيطة: ان كل الناس يتلاقون في الوجدان، وان الموسيقى تتجاوز الكلام فتحقق ذلك التواصل في الروح بين غرباء لا يعرف كل منهم لغة الآخر، ولكنه عبر الموسيقى يفهمه ويأتلف معه.
لقد سمعت وعرفت ماذا تسمع. أرهقت نفسها وهي تحاول أن تتعلم مدركة أن العلم بحر بلا نهاية.
لكن الطفلة التي يطربها الفرح، ويجعلها الفرح تطرب كل الناس، باتت الآن تعرف كيف تغني بأسلوبها لا بأسلوب غيرها. انها وقد تعمقت في فهم اللحن بروح مؤلفه باتت قادرة على أن تغني أصله بأدائها الخاص، بحساسيتها المرهفة، بصوتها الفسيح الممتد كغنة ناي.
ما زال الوالدان يتبعانها كظلها. يقفان في البعيد، وقد أنشاهما النجاح. لم يعودا قلقين، لكن الحب لم ينقص أبداً. انها ليست الدجاجة التي تبيض ذهباً، لكنها الفنانة التي تكبر فيكبران بها. وهما بالأصل لم يعلماها أن تبحث عن الذهب.
كانت صغيرة بموهبة كبيرة. الآن هي كبيرة بموهبة كبيرة.
وهي حتى اليوم تحافظ على خجلها، لكنها باتت تعرف أنها تعرف.
انها اليوم، كما بالأمس، تغني بإحساسها. تغني كأنما لنفسها. بل لكأنها خلقت لتغني. لقد اختارت الطريق الصحيح وثقفت موهبتها، بالسفر، والسماع، والتعلم، وها هي الآن تعطينا النشوة.
ريما حشيش: للآه منك نغم مختلف. أنت »آهنا« جميعاً.

لا مساحة للأطفال في العيد..

العيد للأطفال، أساساً، ببهجتهم يصبح يوماً مختلفاً، هم زينته ومنه تنبع فرحة الأهل، وليس من »الواجبات« التي كثيراً ما تتسم بطابع من »الرسميات« اللاغية للأعياد في كل زمان ومكان..
في بلد مثل لبنان لا مساحة خاصة للأطفال في تفكير الدولة أو حتى في تفكير القطاع الخاص… لكأننا نكره أطفالنا فنفرض عليهم ما نعانيه من ضيق.
نشتري للأطفال، من التجار، ثيابهم الجديدة، ونشتري لهم ألعاباً باهظة الثمن، ولكنهم لا يجدون في كل المدينة مكاناً يمضون فيه ساعات عطلتهم يلعبون ويمرحون ويروّحون عن أنفسهم بألعاب تسليهم وتفيدهم وقد تغني معلوماتهم.
لا مسرح للأطفال، وقلة هم الذين يكتبون للأطفال، وأقل منهم من يتطوع لتحمل الخسارة في إنتاج مسرحية للأطفال، ولو مرة في السنة، ثم ان الحدائق العامة المزوّدة بما يسلي ويبهج تكاد تختفي من المدينة البلا قلب.
أما سينما الأطفال فليس لها وجود.
ليس »الأكل« عيداً. وليست متع الكبار ممتعة للأطفال، أما »واجباتهم« فتثقل كاهل الأطفال وتكاد تذهب ببهجة العيد.
مجتمع لا مساحة فيه لأطفاله لا يمكن ان يكون مجتمعاً صحياً… مهما بلغ حجم اللوحات الحاملة للشعارات التوجيهية فائقة الاحترام!

حارس البحر يطعم الصحراء شعراً
هربت الصحراء من البرد الذي يحول رمالها إلى سكاكين. جاءت لتستحم في البحر الذي تركه الصيف لجبال المطر الأخضر.
الطيور ترحل جنوباً، أما الصحراء فعينها على الشمال دائماً. الصمت مضجر، وجفاف الطبيعة يصيب الروح أيضاً. والحزن مطر، والصحراء قد فقدت عادة البكاء منذ دهور. لو كان في عينيها بقية من دمع لقهرت رملها فجعلته تراباً واستنبتت فيه الزنبق والياسمين والورد الجوري الذي يغطي لقاءً واحداً للمحبين ثم يذوي ويندثر آخذاً معه الحكاية حتى لا تنتشر بين الناس مع عطره الناعم كما النعاس.
الصحراء في الطريق إليكم، فاغلقوا أبواب البحر بإحكام.. إذا استحمت الصحراء في اليم فستتحول النوارس إلى عنادل، وسيغدو للموج لون زهرة الصبار، ولسوف يصير ذلك الناسك الذي يحرس البحر من شمس الصيف وثلج الشتاء شاعرا يطعم صحراء العشق آهاته حتى تذوب قسوتها فتهطل مطرا أخضر بشارة بالربيع العائد بلا ريب.

تهويمات

* إذا لم نعرف كيف نقول »الحب«، او كيف نعيشه، فهل من الضروري ان نقتل »الحبيب«؟!
* صحيح ان الحب لا يهبط من السماء بالمظلة… لكن الحب يرفع أهله الى سابع سما، وبلا مظلات!
لذلك لا يتكرر »الحب«… يكفي سقوط واحد لحياة واحدة!
* العتاب أنواع: نوع يحيي الحب ونوع يقتله، نوع ينعش الحب لأنه ينبع منه ويضيف إليه، ونوع آخر يغرق الحب في دموع المحبين النادمين على أنهم قتلوا أفئدتهم بألسنتهم التي كانت تريد أن تقول كلاماً آخر، لكنها لم تعد تتذكره.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
إنه زمن الحروب والموت، ولا مجال للصمود إلا بالحب. احضن حبيبك بقلبك وذراعيك ورموش عينيك. أرجئ العتاب واللوم. عاقبه بالمزيد من الحب. كلما قصر معي حبيبي أعطيته حباً أعظم حتى يندم على ما أضاعه. اللهم عاقبني بمزيد من الحب!

Exit mobile version